مأدبة إفطار تجمع المسيحيين والمسلمين بدعوة من الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى

مراسل حيفا نت | 25/08/2010

"ما أجمل أن يجتمع أبناء الشعب الواحد والقومية الواحدة على مائدة إفطار رمضانية، وما أروع أن يجلس الكاهن الى جانب الشيخ" بهذه العبارة يمكن أن نفتتح هذا الحدث التاريخي الذي أحدثه وبادر اليه الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى- الرئيس الروحي لرعية الروم الكاثوليك في حيفا. حيث دعا الى إفطار رمضاني جمع بين المسيحييين والمسلمين على مختلف عقائدهم بحضور ومشاركة سيادة المطران الياس شقور- الرئيس الروحي للروم الملكيين الكاثوليك في حيفا. هذا وألقيت كلمت عديدة في اللقاء الرمضاني تستمعون اليها في مقاطع الفيديو المسجلة.

 كما سننشر تقريرا حول هذا الحدث في صحيفة حيفا صبيحة الجمعة. 

  كلمة الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى في الإفطار الرمضاني

إضغط على الصورة أدناه لرؤية جميع الصور

 

راعينا الجليل المطران الياس شقور الكلّي الاحترام والوقار
قدسُ الآباءِ الأجِّلاء
سماحةُ الشيخ محمّد الشريف المحترم، أميرُ الجماعةِ الأحمديّة
سماحةُ الشيخ رشاد أبو الهيجا المحترم، إمامُ جامع الجرينة
حضرةُ عضوَي البلديّةِ المحترمان، السيّدان هشام عبده ووليد خميس
أيُّها الإخوةُ المحبوبون مع حِفظِ الألقاب
     تحيّةٌ رمضانيّة مُفعَمةٌ بالمحبَّةِ والدعاءِ والبركات وبعد…
الموضوع: كلمةُ المحبَّة في لقاء الأَحِبَّة
  ما أجملَ وما أطيبَ وما أَلَذَّ على قلبِ الله تعالى أن يجتَمِعَ عِبادُهُ المؤمنونَ بوَحدانيَّتِهِ الإلهيَّةِ واللاهوتيّةِ تحت كنفٍ واحدٍ وسقفٍ واحد، في شهرٍ فضيلٍ ومبارَكٍ عند الله والمؤمنين، شهرِ البركةِ والدُعاءِ والتَقَرُّبِ إلى الله عزَّ جلالُهُ. نعم، أّيُّها الإخوةُ الأحبَّاء، إنّه لقاءُ السَّماويَّاتِ بالأرضيّات، لقاءُ الحبِّ الإلهيّ الذي يَصبُغُ بنسيمِهِ العليلِ رَونَقَ المحبَّةِ الأخويّةِ التي تَجمَعُ ولا تُفرِّق.
  إنّ هذا الإفطارَ الرَمَضانيَّ في قاعة كاتدرائيّةِ مار الياس للروم الملكيّينَ الكاثوليك ما هو إلا تَقدِمَةُ القليلِ من الكثيرِ الذي يملأُ قلوبَنا محبَّةً وسخاءً وخيرًا تجاهَ شخصِكُمُ الكريم؛ وما هو أيضًا إلا خطوةٌ صغيرةٌ تجاه تثبيتِ العهدِ بين أبناءِ الشَّعبِ الواحدِ بمسلميهِ ومسيحيِّيه، العهدِ المبنيِّ على التاريخِ المشترك، اللغةِ المشتركة، المصيرِ الواحد والقِيَمِ الروحيّةِ، الإنسانيّةِ والاجتماعيَّةِ المشتركة؛ هذا العهدُ القائمُ في أساسِه الجوهريِّ على المحبَّةِ المتبادَلةِ الصَّادقة والتَّعاونِ البنَّاءِ في سبيلِ إحياءِ إنسانٍ ومجتمعٍ متكاتِفٍ ومُتَعاضدٍ يعملُ بكلِّ طاقاتِه وإمكانيَّاتِه على توطيدِ أواصرِ ودعائمِ قِيَمِ التَّعايشِ المشتركِ المسيحيّ الإسلاميّ من خلالِ العلاقاتِ الأخويّةِ والانفتاحِ على بعضِنا البعض والمسيرةِ التي بدأَها آباؤنا وأجدادُنا وقد وَصَلْتنا إرثًا مبارَكًا نسيرُ على خُطاهُ اليوم.
  إنَّها، أيُّها الإخوةُ المحبوبون، المرةُ الأولى التي نَجتَمِعُ فيها مع بعضِنا البعض باسمِ شهرِ رمضانَ المبارَك ولن تكونَ المرةَ الأخيرة، لأنَّنا أَخَذنا على عاتقِنا الاستمرارَ في البحثِ عمّا يَجمَعُنا ويُوحِّدُنا، وقد وَجَدْنا أنّ الذي يَجمَعُنا ويُوحِّدُنا أكثرَ بكثيرٍ من الذي يُفرِّقُنا، إذ إنّ ما يجمعُنا أولاً وآخِرًا هو إيمانُنا الحيّ بالله الواحدِ عزّ وجلّ، ولا يُمكِنُ لله تعالى أن يكونَ مصدرَ فُرقةٍ وانقسامٍ بين أبنائِه البرَرَة. فلفظةُ "ديانة" مشتقَّةٌ من كلمةٍ لاتينيّةٍ "Religare" معناها "الارتباطَ ثانيّة". فالإنسانُ، إذا ما تَدَيَّن، رَبَطَ ذاتَهُ بالله ثانية. فاللهُ هو المصدرُ والغاية، البدايةُ والنِّهاية. وكلُّ مَن يَعرِفُ الإنجيلَ الشَّريفَ والقرآنَ الكريمَ عن كَثَبٍ، يُدرِكُ تمامًا أنّ صُلْبَ العملِ الدينيّ، وأساسَ الرِباطِ بين اللهِ والإنسان، إنَّما هو الحبُّ المنطلِقُ إلى الآخر. فعندما سأَلَ أحدُ الفريسيِّينَ يسوع: "ما أعظمُ الوصايا في النَّاموس؟" أجابَ قائلاً: "أَحبِبِ الرَّبَّ إلهَكَ بكلِّ قلبِكَ وكلِّ نفسِكَ وكلِّ ذِهنِكَ. هذه هي الوصيَّةُ العُظمَى والأولى. والثَّانيةُ التي تُشبِهُها أَحبِبْ قريبَكَ كنَفسِكَ. بهاتَين الوصيَّتَين يتعلَّقُ النَّاموسُ كلُّهُ والأنبياء" (متى 22: 35-40). فالخيرُ الأسمى الذي هو الله هو انفتاحٌ دائمٌ على الآخر، بل هو يعملُ على مشاركةِ الآخر في ذاتِه، مشاركتِكَ أنت… مشاركتي أنا… مشاركتِنا نحن؛ فأنا وأنتَ نُشكِّلُ معًا "النحنُ" التي تُعبِّرُ بكلِّ دلالاتِها على أنّ العطاءَ ومشاركةَ الآخرِ هما في صميمِ كيانِ الحبّ الإلهيّ، إذ إنَّنا جميعًا كمسيحيّينَ ومسلمينَ نؤمنُ إيمانًا راسِخًا بأنّ اللهَ محبَّة وفقط محبّة.
  انطلاقًا من هذا الإيمان، نستطيعُ أن نتذوَّقَ حلاوةَ روحانيّةِ هذا الشهرِ الفضيل الدينيّةِ، العائليّةِ، الاجتماعيّةِ والخُلُقِيّة، والتي تَتَمَيَّزُ بكونِها حياةَ الرُّوحِ، حياةَ القلب، حياةَ الانتصارِ على الجسدِ وعلى الشَّهوات؛ إنَّها حياةُ الصِّلَةِ والثقةِ بالله جَلَّ وعَلا، وهنا يكمنُ جمالُ رمضان، ورَوعةُ هذا الشّهر، بتلك الروحانيّةِ العجيبة، التي تُوقِظُ المشاعرَ، وتُؤثِّرُ في النُّفوس. فرمضانُ له في نفوسِ الصَّالحينَ الصَّادقينَ بهجةٌ، وفي قلوبِ المتعبِّدينَ المُخلِصينَ فرحةٌ؛ فهو شهرُ الطّاعات، ولنا فيه جميلُ الذكريات؛ إنّه زادُ الرّوح، تتغلَّبُ الرُّوح فيه على البَدَنِ و الجسد. ففي الصِّيامِ حلاوةٌ لا يُدرِكُها إلا مَن صامَ لأجلِ الله بصدقٍ ولا يَعرِفُها إلا الذين خالطَتْ بشاشةُ الإيمانِ قلوبَهم، وهذه هي الروحانيّةُ العجيبةُ التي نَحياها في رمضان، روحانيةُ صائمٍ بذرَها بالجوع وسقاها بالدُّموع وقوَّاها بالركوع، لتُنبِتَ الخشوعَ والخضوع؛ روحانيةُ صائمٍ فيها السَّعادةُ واللَّذة، والأفراحُ والأشواق ما لا يَبُثُهُ لسانٌ، ولا يَصِفُهُ بيانٌ؛ إنَّها روحانيةُ صائمٍ لا يَعرِفُها العاشقونَ، ولا المتصوِّفةُ الوافدون، بل هي واللهُ حِكرٌ على المحبِّين الصَّادقين، والمُخلِصين العارِفين.
  بعد هذه الشذراتِ الروحيّة التي تَصِفُ بمفرداتِها الفريدةِ والعذبةِ روحانيَّةَ شهرِ رمضانَ المبارَك، أعودُ فأُرحِّبُ بكم مُجدَّدًا، أيُّها الإخوةُ الأحبَّاء، في رِحابِ هذه الكنيسةِ المقدّسة، بيتِ الله المُبارَك، باسمِ مطرانِنا الحبيب الياس شقور الفائقِ الاحترام، الذي وبحقٍّ هو عرَّابُ المحبَّةِ والانفتاحِ والتعايشِ المشترك،، وباسمِ جميعِ الكهنةِ الأفاضل وكلِّ مسيحيّي حيفا، طالبًا من الله تعالى أن يُبارِكَكُم وعائلاتِكم ويُبارِكَ صيامَكم هذا، مُناشِدًا إيَّاكم جميعًا مسيحيّينَ كنتم أمْ مسلمين، باسمِ الله عزَّ وجلّ، أن تَبقَوا مُوَحَّدينَ ومُلتَئمينَ حول بعضِكم البعض بقلبٍ واحدٍ وروحٍ واحدٍ ويدٍ واحدة، وإلهُ المحبَّةِ والسَّلامِ يكونُ معكم أجمعين. آمين

أخوكم

الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى
رئيس طائفة الروم الملكيّين الكاثوليك في حيفا
 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *