نقيب الحلاقين وليد بلّوطين حلاق عريق في حي عريق

مراسل حيفا نت | 17/08/2010

أجمل وأروع ما أبدعه الخالق في جسم الإنسان هو شعر الرأس فهو زينة وجمال وكمال. وأكثر ما يعتني به الإنسان يوميا هو الشعر حيث يقوم بتغسيله وتنظيفه واستعمال أثمن الشامبوهات حتى يظهر باجمل مظهر وأبهى طلة.
ولكن في النهاية يتوجه الناس من رجال ونساء الى الحلاّق لكي يقصوا ويحلقوا شعرهم حتى يبقى الإنسان بمظهر لائق. فتسليم الشعر للحلاّق هو أشبه بتسليم جسم الإنسان الى الطبيب المعالج الذي يكشف المرض ويقدم العلاج. وهكذا الحال لدى الحلاق فأنت تجلس على كرسي الحلاقة وتضع ثقتك بالحلاق الذي يقص الشعر وكأن حالك يقول أنا بأيدي أمينة.
 فالعجيب في الموضوع أن الإنسان وهذا مؤكد الذي يحلق لدى حلاق يبقى مخلصا له على مدار عقود. كما أنه يتحول الى العالم النفسي الذي ينصت ويشارك أفكار،أحزان، وأفراح زبائنه فتتحول هذه الدقائق المعدودات الى تفريغ الإنسان لما يخزنه قلبه وعقله. فيتحول صالون الحلاقة الى أسرار يعلم بها الحلاق والزبون وطرائف ونوادر ولمّات بين الأصحاب والجيران 

 فالحلاّق  وبالإنجليزية: Barber‏ هو الذي يقصّ أو يصفف الشعر، ويحلق أو يهذب اللحية، يستعمل المشط، المقص اللذين يتحولان الى روعة في الفن وربما من أجمل الفنون. فشعر الرأس ارتبط بحياتنا اليومية حتى ضربت به الأمثال مثلا"من الخوف وقّف شعر راسه" وضربت الأساطير حول الشعر
فكما ورد في العهد القديم بأن شعر شمشوم الجبار كان سر قوته لهذا صاحب الشعر الطويل يفتخر بقوته وصحته. فكيف لا وبعد هذه المقدمة
لا نكتب تقريرا عن حلاق مخضرم امتهن الحلاقة منذ 50 عاما وما زال حتى يومنا هذا يحلق رغم بلوغه ال 68 عاما،ة نشيطا، تعلو وجههه ابتسامة عريضة. أحب محلقته واستقر بها في شارع الوادي 50 في قلب حي وادي النسناس العريق ليس بعيدا عن بيت العائلة الذي نشأ وترعرع فيه انه الحلاق وليد بلوطين الذي أصبح علما من الشخصيات الحيفاوية والذي واكب حيفا ووادي النسناس منذ نشأة الدولة حتى يومنا ويستحق عن جدارة لقب " نقيب الحلاقين". 
التقيته نحو ساعتين في محلقته حيث جلست على كرسي الحلاقة وهو بالمقابل يجلس على كرسي حلاقة يتصفح ألبوم الصور التي أعادت له الذكريات والحنين الى الماضي. عاد بالحديث لأكثر من 50 عاما مضت
فلمست ذاكرته القوية، يتكلم اللغتين الفرنسية والإنجليزية،الأمل والعمل أسرار نجاحه.

حدثنا عن عائلة بلوطين الأصل وكيف وصلتم حيفا؟
 حسب معلوماتي بأن اسم العائلة عرف بعائلة بلوط وهي عائلة عريقة وحين بدأ والدي المرحوم العمل في البناء وحين كان يلتقي به الناس كانوا يقولون مازحين "اجبل الطين يا بلوطين " وهكذا أصبح الناس ينادون والدي بعائلة "بلوطين" وبقي اللقب حتى يومنا. أما أصل العائلة من سوريا حيث وصلوا الى فلسطين وعاشوا فترة قصيرة في قرية الشجرة قرب طرعان. وبعدها وصلوا الى حيفا وفي 48 هربنا الى الناصرة لفترة قصيرة وبعدها عدنا الى حيفا وسكننا في وادي النسناس. وفي سنوات الخمسينيات سكنا في شارع الوادي 50  وهو بيت العائلة حتى اليوم حيث تعيش والدتي حيث قام والدي رجا بلوطين(أبو سامي) وجدي وأخوالي ببناء هذا البيت.  كان والدي رجلا جبارا وعاملا كادحا.
كيف دخلت الى عالم الحلاقة ولماذا؟
لقد كنت أتعلم في مدرسة الفرير(اليوم عمارة بنك لئومي في البلد التحتا) حيث تعلمت حتى الصف العاشر. وفي عام 1960 قرّر أخي ادوار الحلاق صاحب المحلقة التي أمتلكها اليوم في شارع الوادي بأنه سوف يهاجر الى امريكا  وسيترك البلاد نهائيا. وكان طلبه ووصية والدي المرحوم بأن تبقى هذه المصلحة(المحلقة) مفتوحة وشغالة حيث كان عمري 18 عاما عام . فوقع علي الإختيار بأن أتولى هذه المصلحة رغم صغر سني حيث كان عمري 18 عاما.

ووقع الحمل على أكتافي رغم أنني لم أكن مهني بل أحببت أن أصبح طبيبا أو أن أكمل تعليمي. فاستلمت المسؤولية التي كانت فوق طاقتي وكما ترى أنا منذ 50 عاما في نفس المهنة أحافظ على هذه المصلحة وقد استطعت أن أصنع اسم في السوق. فسافر أخي الى أمريكا وتحملت المسؤولية وتزوجت وربينا 5 أب ولدين و3 بنات.
بعد ما سافر أخي ادوار صار يرسل أصدقاءه والذين حلقوا عنده كما بدأ باقناع أخوتي بالهجرة الى أمريكا فهذا ما حصل وبقيت أخا وحيدا في حيفا
ولكننا بقينا على تواصل حيث قمت بزيارتهم عدة مرات كما تعلمت منهم الكثير في مهنة الحلاقة.  فأخي ادوار أسس المحلقة وبقي يعمل فيها حتى 1960 حيث توليت المحلقة حتى يومنا وحولّناها من ملكية العميدار واشتريناها.
من علّمك الحلاقة وهل تتذكر حلاقين قدامى قبل عقود؟
كما قال المثل" تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" حيث كنت طالبا في مدرسة الفرير وكان اتجاهي العلم حيث مررت امتحان في القنصلية الفرنسية وكان حلمي بأن أصبح صيدلي أو طبيب. 
فتعلمت الحلاقة على يد أخي ادوار حيث كنت طالبا في المدرسة وخلال عودتي من مدرسة الفرير كنت أتوجه الى المحلقة واساعد أخي في تنظيف المحلقة وكان عمري 15 عاما ولم أكن أعلم أنّ هذه المهنة سوف تلازمني طوال ايام حياتي. أنهيت الصف العاشر على مستوى عالي أساعد أخي ولم يكن ببالي أن أصبح حلاقا في يوم من الأيام ولكن وقع علي الحظ بعد قرار سفر أخي وهجرة أخوتي. والذي زادني معلومات ومهنية في الحلاقة سفري الى أمريكا عدة مرات عند أخوتي حيث كنت أتعلم من أخي ادوار ومن أخي المرحوم رفيق ومن أخي مفيد وكنت أتعلم عدة طرق وأنواع حلاقة مشهورة في أمريكا. كما كنت اساعد حلاقين في حي بروكلين مما زاد من معلوماتي وخبرتي.
أما بالنسبة للحلاقين القدامى ففي الفترة التي سافر فيها أخي الى امريكا كان أخي ادوار وفيليب العدس رحمه الله الذي امتلك محلا في شارع بيالك. ولكن قرار أخي ادوار وصديقه فيليب العدس أحدث فراغا وقمت خلال سنوات بتعبئة هذا الفراغ بمهنية عالية. فنجاحي بدأ من هذا المنطلق حيث عرف الناس بأن أخا ادوار حلاق كما أن فيليب كان يوصي الزبائن بأن يحلقوا عندي وهكذا اصبح الناس يأتون من كل مكان في البلاد.
 كما كان عدة حلاقين عرب كبار في السن أبو نجيب عبود، سمير عبود، ابو جورج الشلبي، أبو جورج الزيناتي.

لماذا استقريت في محلقة بلوطين في وادي النسناس ولم تفكر يوما بأن تفتح محل في حي آخر؟
الواقع كثر الزبائن من جميع أنحاء البلاد حسب السمعة بأنني حلاق شاطر ويده لطيفة. وفي فترة معينة اقترحوا علي العمل حلاق في فندق دان ولكنني رفضت ففضلت البقاء في محلقتي في وادي النسناس متمشيا حسب المثل القائل" مطرح ما يرزق الزق".
هذه المنطقة لا يمكن أن اغيب عنها حيث ترعرعت فيها وبيت العائلة ما زال فوالدتي التي تبلغ التسعينيات من عمرها ما زالت تعيش باحترام في بيت العائلة.  أم الجيران فهم أطياب تربطني بهم الجيرة الحسنة وعلاقة اجتماعية رائعة  ولهذا لا أفكر أبدا أن أخرج من هذه الحارة.
الحارة؟
هل هناك من يتمم حياتك العملية ومهنتك بعد عمر طويل؟
أنا اب لولدين ولثلاثة بنات تعلم أولادي شاربل والياس مهنة تختلف كليا عن مهنتي. حيث توجهوا الى مجال الطب حيث جبلوا معلومات من عدة دول الصين انجلترا روسيا واسرائيل لخدمة الإنسان ويعرف الديسلكتسية
 والمعالج بالديسلكتور.
 ولكنني كنت أحلم بأن اورث أحد اولادي هذه المهنة ولكنهم توجهوا الى علاج آلام الناس،أما أنا فأعالج جمال الناس. فأنا اقدم فنّي في حلاقة الشعر حيث برهنت حالي من خلال مهنتي بأن اجيد الصنعة بشكل فني. وكانت عدة نساء حلقت لهم حيث خرجوا راضين وفرحين وأثبت جدارتي ولكنني حلاق الرجال.
ما هي أسرار نجاح الحلاق وأنواع الحلاقة؟
هذه المهنة تعتمد على الفن والذوق نتيجتهما رائعة فالشعرهو زينة للجسم وكل ما كان الشعر جميل يظهر الإنسان بمظهر لائق. يجب أن يكون الذوق والفن واختبار خلال السنين فهناك زبائن يحبون شعر قصير أو طويل أو وسط، وعلى الحلاق أن يلائم الحلاقة لوجه الإنسان. فمثلا  انسان أذنيه. ففي أمريكا كنت أرى شعورا جميلة ولكن الذوق يختلف عن بلادنا فأنا لا أحلق حسب الزبون انما ما يلائم شكله ووجهه. لم يكن أسماء معينة للحلاقة بالعربي بل هناك اسماء اجنبية مثلا حلقة النيفي للبحرية الأمريكية حلقة قصيرة وشعر قصير وخميل.

من يحلق لوليد بلوطين؟
كنت أسيطر على الحلاقة بنفسي وأحيانا ابن عمتي وبشكل عام كنت حلاق نفسي حتى يومنا هذا.
استعرض لنا الشخصيات التي حلقت وسلمت شعرها بين أيديك؟
كان زبوني عضو الكنيست زيدان عطشة الذي تمتع بشعر جميل، وأعضاء كنيست آخرين منهم القائد الشيوعي توفيق طوبي وما زلت حتى اليوم أحلق له في بيته. كما أن عضو الكنيست سابقا أمنون لين ما زال يتردد الى المحلقة لكي أحلق له وعد كبير من الموظفين البارزين.
كما أن لاعب كرة القدم زاهي أرملي في فترة قمة نجاحه في مكابي حيفا كا يحلق عندي فكنت أشعر بالسعادة حين أحلق له فهو العربي الذي تألق في فريق مكابي حيفا. كما أنّ عيسى خوري(أبو ربيع)  مؤسس ومدير فريق الأخوة حيفا ما زال يحلق حتى يومنا . كما حدث بأنني حلقت للمليونير كريغر، ونائب وزير العمل في أمريكا هنينغ آنذاك، حيث زارني وحلقت له.
كما أن القناصل الفرنسيين حلقوا عندي لسنين طويلة وكان فخر لي بأن يحلقوا لدى بلوطين في وادي النسناس حيث أجيد الفرنسية وهذا كان مريحا لهم. وهناك زبائن كانوا شبابا وفتيانا واليوم يأتون مع أحفادهم ليحلقوا على يد بلوطين. وأفتخر كيف هؤلاء يأتون الي للحلاقة حيث ينتظرونني أحيانا فترة طويلة.
ماذا عن الحلاقين اليوم ولماذا الشباب يتوجهون الى حلاقي الشباب؟
رغم مهنيتي العالية وخبرتي في الحلاقة فأنا ألاحظ قلة الشباب الذين يتوجهون الى محلقتي بادعاء بأنني كبير في السن ولا أجيد الحلاقة للشباب.
ولكنني أقول بانني أجيد جميع أنواع الحلاقة ولكنني لا أقبل بأ أحلق لشاب
هذه الصرعات العصرية. فهناك حالات لا أقبلها فأنا أحبّ القصات الكلاسيكية ولا يمكن أن أحلق رسمات في الشعر أو كتابة أسماء وأشكال وألوان في الشعر فهذه قصات تقليد للغرب ولا معنى لها.

ما هو سر الثقة بين الحلاق والزبون؟
هناك ثقة كبيرة بين الحلاق والزبون حيث يريد الشخص الذي يحلق أن يتحدث ما في داخله. فالحلاق يجب أن يفهم نفسية الإنسان وعليه أن يصغي جيدا للزبون فأنا أعرف أسرار الزبائن ولا يمكن أن أرويها امام أحد. فأنا كاتم أسرار ومحل ثقة.
حدثت معك طرف في عملك أو نوادر؟
حدث الكثير ولا يمكن أن أستعرضها وأعطيك مثالين فقط فمثلا  قبل عدة سنوات خلال حلاقتي للبروفسور محمد صدّيق من شفاعمرو المحاضر في كاليفورنيا وصل طالب جامعي صدفة يدعى خالد فوراني ابن وادي النسناس وقال لي بشكل مفاجيء "أريدك أن تجد لي أحدا يدبّرني لكي أنتقل الى كاليفورنيا للتعليم ولا أريد أن أبقى في نيويورك". وحينها قلت تعال وسلّم على الشخص الذي يوصلك الى كاليفورنيا وهو البروفسور
محمد صديق. كما أنه مرة وصل شاب يهودي للحلاقة ففتح جهاز الراديو على أغنية ايطالية وبعد دقائق وصل شاب عربي وقام بتغيير المحطة على اغنية عربية وبعدها الشاب اليهودي غير المحطة وبدوره قام الشاب العربي بتغيير المحطة.
حدثنا عن علاقة الحلاقين في حيفا؟
لا توجد علاقة بشكل رسمي بل احترامات بيننا عدا عن صداقة حلاقين بشكل عائلي. وبشكل عام العلاقة بيننا ممتازة من احترام وواجبات.
هل تنصح الشباب تعلم الحلاقة؟
أنا اشجع الشباب بأن يتعلموا هذه المهنة فهي أجمل وأروع المهن المحترمة مع العلم أن غالبية الشباب يتعلمون حلاقة النساء فمدخولها أعلى ووقتها أطول. فأنا عملت في حياتي وربيت عائلة من الحلاقة. فتكاليف حلاقة السيدة أو الفتاة تكلف الكثير والمردود المادي أكثر لهذا يتوجه الشبان الى تعلم حلاقة الإناث.

تقرير وتصوير: رزق ساحوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *