أتذكّر الآن، وأنا أفكر في الكتابة عن تلفزيون MIX، الإذاعة الفلسطينية التي تبث من الناصرة، أتذكّر لحظة اهتديت إلى موقع "إذاعة الشمس" وإلى رابط "البث المباشر" لأسمعها متى أريد.
أتذكّر كيف كنت أنصت إلى أهلنا الباقين هناك، أنصت إلى لهجاتهم ونبراتهم- كيفية مط أو لوي الكلمات- المفردات والعبارات المتداولة عندهم، البرامج، الإعلانات… من يومها بدأت علاقتي بالناس في " فلسطين الـ 48" تصبح أكثر حقيقية، كمرحلة متقدّمة لفعل مواقع الإنترنت الصادرة من هناك والتي اهتديت لها قبل سنين من ذلك.
الآن أصبح كل شيء مصوّراً، حيّاً، لا صوت فقط، ولا صورة وكتابة فقط، لقطات فيديو متحرّكة وبعضها يبثّ مباشرة، وأناس أراهم يتحرّكون ويتكلّمون على التلفزيون، أناس أحاول أن أستعيد لهجتي من خلالهم، أستعيد ما سقط من مفردات فلسطينية من خلالهم، وأن أقترب من هويتي الفلسطينية، ووعيي لها، من خلالهم.
بالصدفة كنت أعبث بريموت التلفزيون فوجدت قناة تعرض أغاني لفرق فلسطينية من هناك، سألت وبحثت عنها لأعرف أنها قناة فلسطينية تبث من حيفا، ومنذئذ لم أعد أعبث بالريموت.
تابعت معظم البرامج، رغم عرض القناة لأغان عربية تجارية بلهاء، وصرت أنصت وأبحلق في كل تلك البرامج ومن فيها، اهتممت أكثر بـ " تفانينا" كونه يتناول الفن والثقافة في فلسطين الـ 48، لكنني لم أوفّر برنامجا من متابعتي (المتقطّعة أحيانا واضطرارا). اهتممت لاحقا بـ "نيو ستار" وصرت أحضره حتى بعروضه المعادة. لاحقتُ جميع الإعلانات، والمطاعم خاصة- أهم إشي الطبيخ، والمازة والعرق- ولا بدّ أن أذكر إعلانا لملحمة لها فرع في قرية ترشيحا.
أظنّني سأترك المقال الآن وأنشغل بالتفكير في كبّة ترشحاوية من تلك الملحمة.
طيّب..
رجعت.. لا بد أن قناة MIX ستكون مرحلة متقدّمة ومهمة في تواصل أهل كل بلد (قرية/ مدينة) مع بعضهم بعضاً: اللاجئين في المخيمات والشتات مع بلادهم (قراهم/ مدنهم) ومع أهلها الباقين فيها. ستكون القناة عاملا أساسيا في خلق الصور الواقعية والحقيقية لتلك البلاد وللحياة فيها، في وعي اللاجئين عنها. ولا يقدّر غير اللاجئ نفسه مدى خيالية تلك البلاد عند اللاجئين، ومدى تخمّرها في لاوعيه وعزل صورتها شبه الكلّي عن وعيه.
أمور عدّة يمكن أن تزيح الجليل والمثلث والنقب عن لاوعي اللاجئ، إلى وعيه لحقيقيّة وواقعيّة تلك البلاد، ولا بد أن تكون MIX، كقناة فلسطينية (وتصر على هويتها الوطنية) تنقل بالصوت والصورة تفاصيل الحياة هناك، لا بد أن تكون الأقدر على ذلك.
يبقى فقط أن تقف القناة عند تلك المسؤولية (وقد فعلت حتى الآن) وأن تضع في اعتبارها أن وقعها الأكبر سيكون على جمهورها من فلسطينيي المخيمات خارج الوطن، والشتات، لما ستحدثه القناة من تأثير على وعيهم لتلك البلاد، ما يزيح أمل العودة عن الرومانسية والذكريات البعيدة إلى مساحة أكثر واقعية: أنّ البلاد التي نريد العودة إليها ليست هي ذلك الشيء الذي كنا فيه قبل 62 عاما ثمّ نسجناه من خلال القصص والخيالات، إنما هو هذا الشيء الذي نراه الآن حيا، مباشرة، واقعيا، حقيقيا كما المخيمات حقيقية، إلا أن مسافة صغيرة وزمنا- قد يطول أو يقصر- يفصل بينهما.