”مس سميرة” أكثر من 40 عاما في عالم الطفولة

مراسل حيفا نت | 27/06/2010

مس سميرة أو ماما سميرة كلمة نطق به مئات بل آلاف الأطفال في روضة القديسة حنة في حيفا منذ 42 عاما. حتى خروج هذه المرأة المربية، الأم الحنونة سميرة داوود ابنة حيفا ابنة وادي النسناس الى التقاعد في حفل تخريج الفوج ال 41 في نهاية الأسبوع الماضي. حيث تمّ تكريمها من قبل إدارة الروضة بباقة ورود ودرع تقديرا على عطائها المتواصل على مدى عقود في تربية وتنشئة أطفال انطلقوا الى الحياة وشقوا طريقهم في العالم الواسع.

مربيات روضة حنة القديسة حنة والراهبات- قبل عقود

ذهبتُ الى الصف حيث تعلم ميس سميرة الأطفال لألتقط عدة صور للتقرير شعرت خلال حديثها مع الأطفال بأنها تتكلم لغتهم التي عودتهم عليها. الكلام الجميل، التوجه للطفل بلطف، تتحدث معهم وكأنها طفلة تعيش حياتهم تفهم ما يفكرون، سعيدة لسعادتهم. نعم انها الميس سميرة أو التيتة سميرة أو الأم سميرة. هذه المرأة دخلت الروضة وهي في ريعان شبابها خرّجت أجيال وأجيال،عاصرت مربيات وراهبات ورئيسات دير واستطاعت أن تتدبر أمورها فالطفل هو طفل لا يهم العصر أو الزمن ولا يهم من هو مدير ومن هو مسؤول، براءة، طهارة، نقاء، محبة، حنان فما أجمل ما قاله السيد المسيح"دعوا الأطفال يأتون اليّ" .إنها تستحق التقدير والإحترام على عملها وخدمتها للأطفال من جيل الى جيل. المئات من أبناء المجتمع يكنوا لهذه السيدة الفاضلة المحبة والإحترام لأنها أم، مربية،الأطفال لا يهم من وابن من جميعهم توأم روحها، تداعبهم،تلاعبهم،تعلمهم،تحب لغتهم،أصواتهم،و:انهم أولادها أو أحفادها.

ومن حبها الشديد للأطفال شجعت ابنتها سوزان داوود- عتمة الى الدخول الى هذا العالم،عالم الأطفال. فأصبحت مربية أطفال في نفس الروضة التي تعلمت فيها ورافقت والدتها منذ طفولتها وكما قالت الميس سميرة ابنتي سوزان" رفيقة دربي" ارى فيها استمرارا لمسيرتي الطويلة في عالم الطفل

المس سميرة في روضة الكرمليت قبل أكثر من 40 عاما

هذا العالم النابض،اللطيف،البريء.نحن نهدي هذه القصيدة للأم والمربية ميس سميرة ولجميع أطفال العالم ولجميع المربيات قال الشاعر : ألا يا طفل لا تكبرْ..

فهذا عهدك الأغلى.. وهذا عهدك الأطهرْ

فلا همٌّ ولا حزنٌ.. ولا "ضغطٌ" ولا "سكّرْ"..

وأكبر كِذبةٍ ظهرت.. على الدنيا: "متى أكبرْ؟!"

فعشْ أحلامك الغفلى.. وسطّرها على الدفترْ..

 وزخرفْ قصرها العاجي.. ولوّن سهلها الأخضرْ

وموّجْ بحرها الساجي.. وهيّج سُحْبَها المُمْطرْ

وصوّرْ طيرَها الشادي.. ونوّرْ روضَها المُمْطرْ

ستعرفُ عندما تكبر.. بأن الحُلْمَ لمْ يظهرْ!!

التقيات بمربية ألأطفال سميرة داوود في بيتها في شارع الحريري،حيث استمتعت باللقاء.لأنها استطاعت أن تتحدث سيرتها ومسيرتها وكأن تفاصيل حياتها محفورة في ذاكرتها. فلم تفكر يوما بأن تكتب مذكراتها وكما قالت أنا أحب أن أقول ما في قلبي ولا أن أكتب ما أفكر. جلست نحو ساعة ونيّف حيث أعدنا عجلة الزمن الى الوراء ونبشنا أفراح وأحزان هذه المربية.

وكان لنا هذا الحوار  

كيف بدأت حياتك مع الأطفال؟

 سميرة: كانت بداية حياتي في السبعينات في روضة القديسة حنة وقبل سنوات السبعين عملت في مدرسة الكرمليت في حيفا مربية للأطفال من الصف الأول حتى الثالث لعدة سنوات. وبعدها بدأت عملي في القديسة حنة في بداية السبعينات. كانت ابنتي سوزان طفلة أحملها بين ذراعي والتي اليوم تعمل مربية أطفال في القديسة حنة.

 كانت بداية مشواري في القديسة حنة  قبل 42 عاما حيث استلمت صف جمع نحو 70 طفلا دون مساعدة. وكانت الروضة تحتوي على 3 صفوف فقط. وأذكر كانت الراهبة اليزابيث سكران أصلها من الرينة والرئيسة ارميليندا في تلك الفترة. فواصلت معهم المشوار وكانت دائما تتغير الراهبات والرئيسة وكانت الروضة تتقدم الى الأحسن من فتح صفوف جديدة وبناء صفوف وازداد عدد المربيات. وأصبحت روضة القديسة حنة حضانة راهبات القديسة حنة أي بيت راهبات القديسة حنة.

 بيت الحنان، بيت المحبة، بيت التواضع وبيت العطاء. وعلّمني هذا البيت التضحية وخدمة المجتمع فهؤلاء الراهبات تركوا بيوتهم وعائلاتهم وبلادهم بعيدا وكرسوا حياتهم في خدمة المجتمع. فكل مسؤولة في الروضة كانت تقدم أحسن ما عندها في سبيل تقدم الروضة وتطورها.

ما هو عالم الطفولة بالنسبة لك ولماذا بقيت هذه السنين الطويلة؟

أنا أحب هذا الجيل فهو رمز الطهارة، المحبة، تشعر أن النعمة تخرج من قلوبهم، وإذا الله أنعم علي بالصحة والقوة فهذا بفضل نعمة الأطفال. فأنا أفكر كيف يمكن أن أعيش بدونهم وسأعمل المستحيل حتى أكون قريبة منهم بينهم وأراهم يوميا. فصدق بأنني لم تغفل أعيني حين تم تكريمي بمناسبة خروجي للتقاعد. فأنا أسمعهم وأراهم في قلبي وعقلي واحساسي. أحب أن أسمع صوتهم ينادونني "مس سميرة" وكأنني الأم الحنون العطوف.فأنا مربية أطفال وليست معلمة فأنا أكملت مشواري مع الأطفال فهم حياتي، روحي،هم انسانيتي، أشعر بأنهم جزء من دمي.

فقد تخرج في عهدي 41 فوجا تقريبا منذ انطلاق روضة القديسة حنة. فأنا عشت مع الرئيسة ارمليندا واليوم تعطي الراهبة سلوى جميع ما تملك من قدرة وعطاء وذكاءه للأطفال. ومساعدتها للمعلمات فهي تهتم بأن تكون القديسة حنة أن تحافظ على اسمها وسمعتها ومستواها العالي. فهذه الروضة يجمعها محبة المربيات والراهبات محبة أخوية وخدمة الأطفال على أحسن ما يكون. وأطلب من الله من ابنتي سوزان أن تكمل رسالتي التي أحببتها. فقد دخلت معيي الى الروضة وهي على عربة أطفال واليوم هي مربية في نفس الروضة التي قضيت بين جدرانها 42 عاما.أما الذي شجعها فهو المرحوم والدها الذي طلب منها أن تكمل رسالة والدتها. فأتمنى أن تعطي أفضل ما أعطيت للأطفال، وأن تستمع للأطفال أن تصغي اليهم فهم ملائكة.

كيف كانت علاقتك بالأهل؟

الأهل يحبون أن يساعدوا أطفالهم ويصغوا للمربيات فنحن نسمع" تكرمي مس". فأشعر بأن أهل الأطفال يحبوننا ونحبهم. هناك تفاهم، عطاء، مساعدة، محبة كبيرة، وعلاقة محبة مع الأهل والإدارة. فمحبتي كبيرة للأطفال والأهل وهذا الشعور متبادل.

تم تكريمك أمام الأهل،الأطفال، ما هو شعورك في هذه اللحظات؟

لم أتوقع يوما بأن أصل هذه المرحلة فقد كانت مفاجأة لي. فأنا لا أحب هذه الأشياء التي ترفع الإنسان مع أنها تقدير وشكر. ولكن تقديري وشهادتي التي أعتز بها هي الراهبات والحضانة. لم أذكر يوما بأنني طلبت شيئا من الراهبات ولم يلبوه وأي رئيسة أيضا كنت على علاقة طيبة معها.

 ففي لحظات الحزن وفي لحظات الفرح كنت أشعر وقوف الراهبات الى جانبي وفي لحظة الضيق فهذه المؤسسة بيت الثاني. فحين أدخل حضانة القديسة حنة أنسى هموم ومشاغل الحياة والأمور البيتية. فأنا أحبهم وهم يحبونني. فالضمير والمحبة والعطاء للأطفال هو التقدير والعطاء.

هل حدث وأن صادفت رجالا أو نساء كانوا أطفالك دون أن تعرفيهم؟

أغلب الأولاد الذين أعلمهم علمت قبلهم أمهاتهم،أو آبائهم،أو خالاتهم،وكثيرا من يأتي ويسأل أين المس سميرة؟. فحدث مرة أن كاهنا من الروم الأورثوذكس من كفرياسيف طرق باب بيتي مرة في وادي النسناس وعلمت أنه من عائلة عجيني. ففتحت له الباب وطلب أن يكرّس البيت فهو عرفني ولكنني لم أتعرف عليه. فسألني ألم تذكريني فقلت له الوجه مألوف. ولكن لوسمحت أن تنزل قبعة الكاهن حتى أتمكن التعرف على وجهك. وحين رأيته تعرفت عليه وتذكرته فحالا عانقته وقلت له أنت من عائلة عجينة؟ فقال نعم.

كما أنني أصادف الأب سامر زكنون الذي يناديني معلمتي. فقلت له أرجوك لا تناديني هكذا. فيوما جلست في كرسي الإعتراف في الكنيسة وفجأة قال لي الكاهن الله يباركك يا معلمتي فشعرت برعشة من هذا الصوت وإذا بالأب سامر فدمعت عيني من الفرحة. فهذه اللحظات لن أنساها.كما أنني ربيت أشخاص هم اليوم عمال وموظفين ورجال أعمال وشخصيات تربوية واجتماعية وثقافية وسياسية وطبية ومحامين، فأنا أم واحدة لجميعهم. وأحيانا ألتقي بأشخاص في الطرق وأسمع أصواتا تناديني مس سميرة مس سميرة. فهذا العالم يعيد لي حياتي ويقوي من معنوياتي وعمري. فأنا أفتخر بهؤلاء الذين كبروا. فقد تم دعوتي الى أفراح الكثير منهم.  

هل حدث معك أمر لن تنسيه في حياتك؟

حصل معي قبل 21 عاما أمر محزن لن أنسى ذلك اليوم حيث رحل زوجي أنيس داوود فجأة حين كنت في الروضة. أذكر ذلك اليوم صباحا استيقظنا كالعادة  فشربنا القهوة معا وطلب مني قبلة على وجهه كما طلب مني أن أتأخر ساعة لنتحدث. فشعرت بأن شيئا ما سيحدث وكان قلبي يرتعد.وصلت الى المدرسة صباحا وبعد فترة قليلة نادتني الرئيسة أركولينا  ونادت ابنتي. وقال بأنني سوف آخذك الى البيت وحين وصولنا قرب البيت شعرت بأن أمرا مكروها حصل. حيث كانت سيارات الإسعاف قرب البيت والناس مجتمعة.

فسألت ما الذي حدث؟ فلم يجبني أحد. فصعدت الى البيت فصدمت حينها حين علمت أن زوجي قد توفي في البيت نتيجة جلطة قلبية.هذه الحادثة أثرت في حياتي. ولكن عملي مع الأطفال كان ينسيني حزني، ويعطيني الأمل.

فأنا أتوجه الى العمل يوميا ولا أذكر يوما أنني لم أذهب الى الروضة رغم حالات المرض أو التعب.

فأنا أقول بأن راهبات القديسة حنة في كل منطقة موجودين أتمنى لهم الصحة، والخير وأتمنى للراهبة سلوى،الرئيسة، وللمربيات عائلتي أخواتي

وجميع المربيات العمر الطويل والصحة والقوة.

فنحن عشنا أحلى أيام العمر فذ هذه الروضة نحن عائلة واحدة ألمنا واحد وفرحنا واحد.

كتبت منى عبود إحدى الأمهات اللواتي تربين على يد المس سميرة في حفل تكريم المربية سميرة وتخريج أطفال روضة القديسة حنة الفوج ال 41" إن من يربي الأولاد أحق بالإحترام والإكرام من الذين ينجبهم…فلا توجد مهنة في الدنيا تستحق التقدير كمهنة التعليم والتعلم، فعلى مر السنين كنت القادرة على إعداد الأجيال رغم التغيير المستمر من جيل الى جيل.

لا أجد كلمة في معجم اللغات ولا في سطور الكتب تستحق شرف الإرتقاء لشكرك. فلك مني ومن كل أبنائك أسمى آيات الحب والإمتنان، أيها النبع الذي يرتوي منه كل ظمآن".

2010-6-18

كتبت الراهبة سلوى في حفل تكرم المس سميرة

هي شمعة تذوب لتنير دروب الآخرين

هي العطاء الذي يفيض بلا حدود

هي رمز يجسد الكفاح والخلود

هي المربية سميرة داود

فيا من علمتي في الروضة  أبجدية الحروف

ويا من علمتي الصمود مهما تبدلت الظروف

نخط لك كلمات مدادها حبر محبتنا

كلمات ملؤها شكر وعرفان

كلمات تتردد على كل لسان

آه لو تعلمين كم نحبك ..

نحبك حبا لو وضع على حجر أصم لنطق تقديرا وعرفانا بك

نحبك حبا لو مر على أرض قاحلة لتفجرت ينابيع المحبة لتشهد على حبي لك

أتعلمين لماذا؟

لأنك علمتينا بأنه مع بزوغ كل فجر تتجدد نسمات الأمل

لأنك علمتينا بأن غاية الحياة ليست المعرفة بل العمل

لأنك علمتينا بأنني خلقت للنجاح وليس للفشل

كيف لا نحبك و الأطفال كانوا كوكب صغير في فضاءك

كيف لا وقد كانوا نجمة ساطعة في سماءك

كيف لا وقد كانوا  قطرة ندية في بحارك

فإليك يا من أنرت دروب حياتهم المظلمة

إليك يا شمس مشرقة في سمائهم

إليك يا قمر ليلهم

إليك يا نور عينهم

أليك يا بهجة قلبهم

إليك عهدنا بأن نذكرك مع كل نبضة من نبضات قلبنا

إليك عهدنا بان نذكرك مع كل دمعة تذرفها أعيننا

أليك عهدنا بان نذكرك ما دام الدم يسري في شراييننا

*******************************************

أما حفيدتها مريل عتمة فقد كتبت لها" ها أنت ياجدتي ما زلت تعلمين، فأنت موضع فخرنا واعتزازنا. فلك الفضل والعرفان، والإمتنان، الفخر والمديح والإحسان. أنت الجدة الحنونة الأم والمربية التي حفظت الأمانة لتعود الى أولياء الأمور. أنت صاحبة رسالة،المربية الخلوقة،المتسامحة،الوفية،المؤمنة،المثابرة".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *