إستُخدم مصطلح التطرف بكثرة خلال العقدين الماضيين، وكثيرًا ما تم ربط هذا المصطلح بأتباع الدين الإسلامي. والمشكلة الخطيرة، هي أننا بدأنا نحن العرب والمسلمين نستخدمه حتى بات طبيعيًا للغاية، من غير أن نفهم من أين جاء ولأي غاية يستخدم.
لقد بدأت بعض الدول بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية باستخدامه بجانب تعابير أخرى مثل "الإرهاب" لتعرّف به القوى الإسلامية الممانعة والمقاومة لمشاريعها الاستعمارية "المتنوّرة" التي تشمل قتل وتشريد وتجويع أهل الأرض الأصليين ونهب ثرواتهم، بعد أن كانت بعض تلك الجهات المقاومة تلقى ترحيبًا من قبل أمريكا عندما كانت تحارب جهات معادية للولايات المتحدة، كالاتحاد السوفييتي.
فمنذ بداية التسعينيات، بدأنا نشاهد الكثير من الأفلام الهوليوودية التي تصوّر الأمريكي الأشقر "البطل" يسعى لإنقاذ الناس من أيادي "الإرهابي" العربي الأسمر؛ المتخلف الذي لا يفهم ولا يحسن الكلام، الذي يقتل الناس ويخطف الطائرات، وقائمة السيناريوهات والأفلام تطول..
هذه لم تكن مجرد أفلام "أكشن" خيالية، إنما كانت خطة حقيقية مدبرة لكيّ وعي الشعوب وعلى رأسهم الشعب الأمريكي، للتقزيم من شأن هؤلاء "زنوج الصحاري"، ولتبرير أي مخطط حين تنفيذه لاحتلال بلاد هؤلاء ونهب ثرواتهم.
وأخيرًا، قبل أسبوع ونيّف، زار بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر الجهة اليونانية لقبرص، حاملاً معه وثيقة من الفاتيكان حول وضع المسيحيين في الشرق، تحذر من الفرق الإسلامية "المتطرّفة" التي تحمل شعار "الإسلام هو الحل" والتي "لا تفرّق بين الدين والسياسة"، وتدعي أنها "خطر على الجميع" وأن بعضها "تضطهد المسيحيين في الشرق وتستخدم العنف ضدهم". ولم تفرق هذه الوثيقة بين الجماعات التي تحمل شعار "الإسلام هو الحل"، فكل مسلم يعتقد بأن الإسلام هو الحل، كلٌ وفق رؤيته، إنما هذا التعميم مرفوض عند كل ذي منطق.
التطرّف والشطط مكروهان، ولكن هناك بون شاسع في مقصد وأسلوب استخدامهما، فبينما نرى ونسمع تصريحات الفاتيكان تلك، نذكّر بتصريحات بطريرك القدس ميشيل صباح بأن الخوف من الإسلام وهم، وأنه حتى في غزة تقوم حماس بحماية المسيحيين، فهذا يعارض تمامًا ما يدعيه الفاتيكان، كما أن تصريحات وأفعال المطران عطا الله حنا الوطنية والموحدة تخالف وثيقة الفاتيكان.
الحملة التحريضية ما زالت مستمرة، وخلط الأوراق بين المقاومة والتطرّف بلغ ذروته من قبل جهات سياسية ودينية، وقبل أن نقع في فخ الادعاءات المزوّرة التي بلغت حد الحقيقة لدى البعض، لا بد لنا من أن نستحضر الماضي (الحروب الصليبية – محاكم التفتيش – النازية) والحاضر (ما تقوم به بعض الدول الغربية "الديمقراطية المتنوّرة" في دول العالم الثالث)، ثم نسأل: من هم المتطرّفون؟
من هم المتطرّفون؟ محمود صالح عودة
مراسل حيفا نت | 21/06/2010