تجدُه يُفاخر بمبادئه أمام الكبير والصغير، ويجاهر بمواقفه الاجتماعيّة والسياسيّة، و"ينفش" ريشه كالطاووس ليراه الجميع، لدى قيامه بعمل ما – صغيرًا كان أم كبيرًا – وغالبًا ما تكون أعماله صغيرة مثله، لأنه لا يملك الأدوات المناسبة ولا يتبوأ المركز الملائم!
وهذا "المثقّف" ذاته صاحب المبادئ، صاحب الآراء "المتنوّرة"، "المتفهّم" للغير، يصعب عليه أن يسمع رأيًا أو فكرةً أو مشروعًا مغايرًا لأجندته و"مبادئه" وآرائه، مُعتقدًا بأن مشروعه مُنزلٌ، وكلماته آياتٌ لا غُبار عليها.
إن تبادل الأفكار والآراء، وتعدّد المواقف وإدارة النقاشات، مع الحفاظ على المبادئ العامّة، في كلّ مؤسسة: اجتماعيّة، جماهيريّة، فنيّة، ثقافيّة، سياسيّة، أو حزبيّة؛ صحيّ وسليم من أجل الحفاظ على تلك المؤسسة وإظهارها بشكل قويّ وديمقراطيّ – لأنها لا تخشى التعددّ والتعدديّة – وهو أحد مفاتيح نجاحها.. وإلاّ أُغلقت أبوابها، تقوقعت، وتحوّلت إلى مؤسسة الشخص الواحد – وما أكثر تلك المؤسسات "الشخصيّة"!
وأعود إلى صاحب "المبادئ".. فعندما تختلف مع أحد مبادئه مثلاً، يتحوّل هذا "المبدئي" إلى ثائرٍ، محاربٍ، مُعادٍ لكل مَن يحاول أن يُناقشه أو يبدي رأيه بأفكاره وأعماله؛ على الرغم من أن غالبية تصرفاته وأعماله يختلف حولها كثيرون!
والأنكى من ذلك، يرفض الغير جملةً وتفصيلاً، يتمسّك بشكل عنيد وعنيف بمواقفه المتخاذلة، متعاليًا على الجميع، متوعّدًا، صارخًا، ثائرًا، متخبّطًا، وضائعًا.
وللأسف ما أكثر هؤلاء، في مؤسساتنا المختلفة – أمثال صاحب "المبادئ" – العاملون على مصلحتهم الشخصيّة فقط، يغضّون الطرف عن أشياء عديدة، وينافقون لفلاّن أو لعلاّن، البعيدون كل البُعد عن "مبادئ" السياسة والمواقف والتصرّف والأخلاق والاجتماعيّات!
ومع كل هذا، يُصرّ "صاحبنا" على أنه صاحب مبادئ!
(حيفا) –عن صحيفة "حيفا" – العدد 29