كَتَبَ الثّائر العربيّ الفلسطيني نوح إبراهيم أبو الهيجاء في عشرينيّات القرن الماضي تنويحة ثوريّة شُجاعة، على جدران زنزانته في سجن عكّا، حال إصدار سلطات الاحتلال البريطاني الحُكم عليه بالإعدام، بتهمة الدّفاع عن وطنه من الطّغيان والبطش والاحتلال من أجل الاستقلال والتّحرير والعيش بعزّة نفسٍ وكرامة، كان مطلعها:
يا ليل خلِّ الأسيرْ تَيْكمِّلْ نواحُو
رايح يفيق الفجر ويرفرف جْناحو
تَيَتْمَرْجَحْ المشنوق في هبّة رْياحو
ويَخْتِمها:
ظنّيت لنا ملوك تمشي وراها رجالْ
تخسا الملوك إن كانوا هيك انذال
والله تيجانهم ما يصلحوا لنا نعال
وإحنا اللي نحمي الوطن ونضمّد جراحو
فبعد أن رجم حُجّاج البيت الحرام إبليس بالجمرات حين كانوا في الحجّ المبرور والسّعي المشكور وعادوا أرض وطنهم وبيوتهم سالمين، تذكّرت الشّاعر الثّائرَ نوح إبراهيم أبو الهيجاء وذكّرني والدي أبو خالد بحذاء الزّعيم السّوفييتي نيكيتيا خروتشوف حين ضرب بحذائه على طاولة الأمم المُتّحدة مُهدِّدًا بريطانيا وفرنسا وإسرائيل باتخاذ إجراءات قاسية ضدَّهم، حتى بالسّلاح النّووي، في عام ألف وتسعمئة وستة وخمسين، العدوان الثّلاثي على مصر، إذا لم تنسحب هذه الدّول فورًا من الأراضي المصريّة، أعادنا إلى هذه الذّكريات التّاريخيّة البطوليّة المُنتظَر مُنتظَر الزّيدي والشّجاع المقدام حين أقدَمَ على رجْمِ الشّيطان جورج بوش بحذاءين، كما يحلو للرّئيس الفنزويللي شافيز نعته، دون رجفة يدٍ، كادا أن يُصيبا رأس الأفعى ووجهها، لكن انحناء الرّئيس أمام الحذاءيْن حالت دون تقبيل ذلك الوجه، ليعلو الحذاءان فوق رأس الرئيس بوش وفوق شاربي المالكي مرّتيْن حين أراد الأخير حماية بوش من الصُّرْمايَتيْن. صحيح أن الحذاءين لم يُصِيبا رأس الحيّة لكنّهما أصابا العلم الأمريكي، رمز الإمبرياليّة والظّلم والطُّغيان والتّعذيب وانتهاك الحُرُمات والدّمار والاغتصاب والطّاغوت إصابةً مباشرة وأمام عدسات الكاميرات العالمية وبالبثّ الحيّ والمباشر، لتشهدَ أن الضّربة الثّانية كانت أقوى من الأولى وأكثرَ ثباتًا وأسرع وكادت أن تُصيب الهدف.
د.خالد تركي-حيفا
لكنّ التّحية والقُبلة وصلته بالصّوت والصّورة لتُنقل لجميع أنحاء المعمورة المسكونة حين قال له الصّحفيّ أمام العالم مباشرة وعبر الأثير المتعطّش لكلمة الحقّ والحريّة: "هذه قُبلة الوداع يا كلب"، وحينها صاح الحذاء بأيّ ذنبٍ أُضرَب. لسْتُ وحدي من تذكّر هذه الكلمات، فقد ردّدتها جماهيرنا العربيّة من محيط الوطن إلى خليجه ومن تطوان إلى بغداد حين خرجوا إلى الشّوارع ليُعلنون تضامنهم مع الصّحفي ابن العراق البارّ، بعد أنْ فشّ غلّهم ذلك الشّاب العزيز المُنتَظَر من بغداد.
لقد سطّر المناضل الشّاب بحذاءيه أو بُسطاريْه أو بصُرمايتيه أو كُندرتيه ذي الرّقم أربعة وأربعين تاريخًا سيُدوّنه المؤرّخون بأحرفٍ أغلى من الذّهب، بأحرفٍ من ماء دجلة والفرات الطّاهر وسيتذكّره العربُ الشّرفاء كيومٍ من أيّامهم المنصورة، سيُسمّون هذا اليوم، يوم الحذاء، وكذلك سطّره تأريخًا موافِقًا ليوم الأحد في الرّابع عشر من شهر كانون الأوّل من العام ألفين وثمانية ميلاديّة والموافق للسّادس عشر من شهر ذي الحجّة من العام ألف وأربعمئة وتسعة وثلاثين هجريّة.
لقد كانت وما زالت تيجان الملوك والأمراء والرؤساء والسّلاطين العرب لا تصلح لأن تكون نعالاً للثّوّار الأحرار الذين يحمون الوطن ويُضمّدون ويُطيّبون جراحه وبالتّأكيد فإنّ حذاءي المنتظَر جاءتا لتُعطي ردّهما الصّحيح والحضاري على سياسة بوش الاستعماريّة وأعوانه لأنهم لا يستأهلون أكثر من ذلك أو أنّهم
يستأهلون أقل من ذلك، كندرة عتيقة.
إنّ صورة مُنتظر الزيدي الشّخصيّة في بيته على الطّاولة بقرب صورة المناضل العنيد ارنستو تشي جيفارا أمام عدسات الكاميرا تُعطي المعنى والجواب الصّحيح لجميع بأن وراء هذا الرّجل رجالٌ لهم تاريخ عريق في المقاومة من أجل رفع عزّة العراق فوق السّحاب عاليًا، لتكون رؤوس مناضليه مرفوعة قِمَمًا كالشّمس في قمّتها.
فكم من الوقت انتظرنا المُنتظَر مُنتظَر الزّيدي ليُعطي الرّد الملائم. أتى وبعث الأمل
في روحِنا فسلِمت يمينك ويسارك وسلمتَ أنت وعائلتك وشعبك وشعوبنا من كلّ ضيم وحقد.
وأضُمّ صوتي للشّرفاء الأشاوس في العالم، ليُطلقوا سراح مُنتظَر الزّيدي حالاً