صادف الخامِس عشَر من أيّار ذكرى نكبة فِلَسْطِين، وقد دخلَتْ كلمة "نكبة"
القاموس اللغويّ العالميّ كما دخلتهُ كلمة "انتفاضة"، فبين المعنى المحبِط والمعنويّة المشحوذة وجدتُ قلمي يكتبُ تلقائيًّا ردًّا على ما جاء في جريدة لا تفوِّت فرصةً كي تَفُحَّ وتنفُثَ سمومها علينا مع علمها اليقين أنّنا جبال شامخة شمّاء لا تهزّها الرّياح ولا العواصف ولا الأنواء بل تزيدها صلابةً ومِراسًا..
يتذكّر والدي ورفيقي، أبو خالد، عَمَلَ الشّيوعيّين العرب واليهود في حيفا لِمَنْعِ النُّزُوح ولإعادة من نَزَحَ وحتّى تحرير بيوت النّازحين بعد عودتهم إلى حيفا، عامَ سقوط المدينة واحتلالها، ففي حادثة يذكُرُها أنّ الرّفاق اليهود تلقّوا خبرًا من الرّفيقة بنينة فاينهاوز عن شِلّة من جنود الاحتلال اقتحمت بيتًا عربيًّا في شارع عبّاس، فصعدت إلى تلك المنطقة ثلّةٌ من الرّفاق اليهود، وتواجهت مع الجنود نقاشًا وتداولاً حتّى الصّدام، قيل للرّفاق اليهود بعدها ما لكم ولهؤلاء العرب، فكان الجواب: جِئْنَا لنُرجِعهم بيوتَهم ونُرجِع لهم بيوتَهم. فاتّصلْتُ بالرّفيق بنيامين الّذي روى لي حادثة مماثلة، بعد أن صادق على حادثة شارع عبّاس، أنّه ورد نبأ تجميع بعض من سُكَّان حيفا العرب في منطقة جبل الكرمل، في منطقة دانيا لرميِهِم بالرّصاص، لكنَّ قدوم رفاقنا اليهود السّريع لتلك المنطقة، حال دون قيام مجزرة أخرى.
.jpg)
وإذا لم يقرأ أو لم يسمع بعضهم بنضال رفاقنا اليهود ودفاعهم عن البيوت العربيّة من أجل إرجاع أهلها الأصليّين إليها، وما زالوا، هذا لا يعني أنَّ ذلك لم يحدث كَقَوْلِ الشَّاعر:
وَمَا ضَرَّ الوُرُودَ وَمَا عَلَيْهَا إِذَا المَزْكُومُ لم يَطْعَمْ شَذَاهَا
أذكرُ أنّه في إحدى زياراتنا الانتخابيّة في شرق حيفا، استقبلتنا عائلة بحفاوة بالغة عرفنا سببها لاحِقًا حين حضر جدّ العائلة أبو محمّد، معلِنًا تأييده للحزب الشّيوعي والجبهة بقوله: بفضلهم بقينا في حيفا وبفضلهم رجعنا إلى بيتنا ورجع لنا بيتنا ورجِعت لنا أملاكنا. وقد روَت لنا طيِّبة الذّكر أمّ حنّا حجّار من حيّ وادي النّسناس قصّة أخرى مشابهة تذكر فيه دور الشّيوعيين في إرجاعها وجيرانها المطرودين إلى بيوتهم، أو إلى أقسام منها. لقد حان الوقت لإنصاف رفاقنا اليهود الذين دَافَعُوا وَطَرَدُوا أوْباشَ المستوطنين من البيوت التي احتلُّوها، في حيَّيّ وادي النّسناس وعبّاس لإعادة أصحابها العرب إليها وأذكر منهم: بنيامين غونين، إلياهو دروكمان، بنينا فاينهاوز، غريشا، باول دافيد، دافيد شلومو، تسيلا عيرم وعوزي بورنشتاين وغيرهم..
.jpg)
وعجبًا من الذين ينكرون علينا تاريخنا المشرّف، وحاضرنا النّاصع بشراكتنا العربيّة اليهوديّة وبطريقنا الأمميّ ومستقبلنا لتحقيق العدالة الاجتماعيّة بينما كانوا في صالوناتهم على مدار عشرات السّنين بعد النّكبة يسترقون أخبار بطولاتنا من ثقوب شبابيكهم ليروا أحدَاثَ الشّارع ساعة اعتِقال رفاقنا ويسمعون صوت صراخنا وهتافاتنا في مظاهراتنا ومسيراتنا الشّعبيّة الصّاخبة بينما كانت أرجلهم تتعانق مع بعضها البعض وترتجف خوفًا أو كادوا يخرسون صرير أسنانهم، قابِضين على قفصهم الصّدريّ حتى لا يقفز القلب من بين القضبان ويشي بوجودهم، حين تقمّصوا شخصيّة سرحان العلي من عرب الصّقر في قصيدة القائد والشّاعر توفيق زيّاد "سرحان والماسورة":"مَا دَامَ جِلْدِيَ سَالِمًا مَا لِي ومَا لِلآخرين" أو ﴿..يَجْعَلُونَ أَصَابِعُهُم في آذَانِهِم..﴾ لكنّ سرحان وصل إلى قناعته المعروفة..
ومشى رفاقنا على الجمر وألواح الصّبر وكان الصَّمتُ سَيِّدَ "كتبة التّاريخ" الذين نسمعهم الآن بعد أن أصبح الكلام مجَّانًا دون ثمن..




