عقد في قاعة مسرح الكرمة في حيفا أمسية ثقافية- فنية خاصة مع الشاعر سميح القاسم، في إطار فعاليات شهر الثقافة والكتاب العربي الذي جرى تكريسه هذا العام للاحتفاء بالقاسم وإبداعه تحت العنوان "ويبقى الشعر". وشملت الأمسية، التي افتتحها وأدارها الناقد أنطوان شلحت، قراءات شعرية للقاسم وحوارًا معه حول تجربته الأدبية وحول شؤون ثقافية وأدبية أخرى. وتخللها فقرات موسيقية- غنائية باشتراك العازف درويش درويش والمطربة رنا خوري. هذا وقد حضر الأمسية الشعرية رئيس ادارة بيت الكرمة حمودي عيسى،العشرات من الشعراء والأدباء والمثقفين استمعوا واستمتعوا بشعر القاسم .
وأكد حمودي عيسى، رئيس إدارة بيت الكرمة، أن اختيار القاسم عنوانًا لشهر الثقافة والكتاب العربي هذا العام جاء نظرًا لما يشكله من ظاهرة إبداعية متميزة في المشهد الشعري العربي المعاصر وفي خريطة الثقافة الفلسطينية والعالمية".
وأجمل ما كتبه الإعلامي نادر أبو تامر حول الأمسية فأطلق عليها"الأمسية السميحية" وفيما كتبه" في قاعة مركز بيت الكرمة في حيفا اجتمع التقديم الجميل مع الأنغام الموسيقية الملتزمة مع إلقاء الشعر بصورة تأخذك إلى البعيد مع عريس الحفل عندما يتجلّى. حين سأل عريف المهرجان ضيفَه: "هل الشعر هو غذاء الروح؟"، أجاب سميح القاسم: "تصوّر يا أنطوان، أن يقضم أحدُهُم ساندويشًا من الشعر".في أمسيته الخاصة في بيت الكرمة كان الشاعر فارسًا. متجليًا. كانت نكتتُه حاضرة وبديهته متوقّدة، وكان صريحًا إلى درجة مفاجئة. وكان سميح كما نريده ونحبّه. حوالي مائتين من محبي الشعر والقاسم تقاطروا إلى قاعة بيت الكرمة للاحتفاء بسميح. أصاخوا السمع. لم يتلووا في جلساتهم ولم يتبرموا إلا عندما كانت رنات الهواتف الخلوية المنسية تشق الهدوء والإصغاء العميق، واستمعوا إلى الشعر والإجابات الجريئة على أسئلة جميلة من عريف الحفل أنطوان شلحت.
قال سميح: "لم نختر ان نكون شعراء المقاومة". هكذا أطلقوا علينا فَكُنَّا. ومعي كان محمود درويش، سالم جبران، توفيق زياد وآخرون. ثم جاء غسان كنفاني وأقرّ التسمية في كتابه عنّا، فصرنا شعراء المقاومة."
وراح سميح يلقي قصائده الملتزمة والغزلية مرنما الجمهور منتشيا بأدائه ومنطلقا بمساحاته الصوتية الطالعة إلى السماء والنازلة إلى البحر في حيفا. صوته الجهوري يقودك إلى لبّ القصيدة ودرامية الحدث. يسير بك في أجواء من الخيال الحالم والواقع الملموس، وهو يرافقك بحركات جسده مرخيا ربطة العنق منعتقًا من بدلته الأنيقة وعائدًا إليها. هذا ما لمسته في قصيدة "هناك متسع" التي تنضح إنسانية وتفيض اتساعًا لكل شيء، أيّ شيء.
وأكّد كما فعل من قبل، من منطلق قناعة لا تتزحزح، أنّ الشعر ما زال هو "ديوان العرب"، متسائلا: وهل نحن السُّمر، والبدو، نستطيع أنْ نحمل آلة البيانو ونتنقل بها بين الكثبان الرملية. هذا الجهاز، قال، كان بين أيدي الموسيقيين الغربيين الكبار. أما نحن فلم نكُنْ نحوز، بين البراري والقفار سوى الشعر والقوافي.
ودافع عن الصحف العربية المحلية حين زعم عريف المهرجان ضمن حديثه حول تراجع المساحات الصحفية الثقافية أن زميلاتِها من العالم العربيّ أرقى منها، فقال: "فشروا"، متابعًا: ربّما تكون "أغنى"، لكنّها ليست "أرقى" من صحفنا.ومن خلال قفشات ومزحات لطيفة تتطاير في أجواء القاعة كان للأخ العقيد معمر القذافي حضوره الطفيف، بُعَيْدَ عودة وفد الجماهير العربيّة من هناك،.ووجود، للموت كان، في الأمسية السميحية. قال الشاعر إنه لا يخاف الموت. ويتحرّش به ليأتي. لا يحبّه لكنّه لا يخافه بتاتًا.وراح درويش درويش يعزف، ورنا خوري تغني من كلمات القاسم. منتصب القامة أمشي. واحكي للعالم احكي له.أمسية ناعمة كانت. وراوح فارسها بين الانتشاء والنبرة الرسمية التي ما لبثت أن توارت بين ثنايا اللقاء التلقائي العائلي، كما وصفه، في المدينة التي احتضنت عقدين من أجمل سني حياته".




