كلثومية الصوت… طربية الأداء- بقلم: مارون سامي عزّام- شفاعمرو

مراسل حيفا نت | 24/04/2010

في عالم الموسيقى، يستخدم النّقاد وبعض المحلّلين الموسيقيين، مصطلح "الزّمن الجميل" الذي يدُل على أصالة أيّام زمان الفنية التي كانت سائدة قبل نصف قرنٍ أو أكثر، أي أيّام عمالقة الطّرب آنذاك، وهذا المصطلح في فنّنا المحلي مفقود بل معدوم تماماً، في تاريخ الموسيقى المحليّة، فأخذ بعض مطربينا المحليين يؤدّون بعضاً من هذه الأغاني الأصيلة، ولكن الرّيادة تبقى للمطربة القديرة فيوليت سلامة، التي تجمع في صوتها العراقة والأصالة فاتحدا وغمرانا عبقاً أصيلاً مليئاً بالطّرب.
جلستُ أنتظر لحظة صعودها إلى المسرح، كمَن ينتظر لحظة صعود كوكب الشّرق، وما أن أطلّت، تخيّلتُها تجرُّ وراءها رداء الهيبة، فوجّهت تحيّة إلى جمهورها، وإلى فرقتها الموسيقيّة الشرقية، فأدركت حقاً أنها فنانة مخضرمة، لأنّها عاصرت كبار مطربي العالم العربي، فعاشت في أجواء موسيقيّة راقية وسليمة، خالية من أي تزلّف أو استهتار، لأنّها بكل بساطة، جلست مع كبار الملحّنين، من الذين لحّنوا لمطربين كبار في العالم العربي، فبدأت تصقل موهبتها، وتحترم مهنة الفن، وتؤدّيه بإتقان، فاستفادت من تجاربهم الطويلة، حتّى سطع نجمها في رحاب الفن الأصيل، وبرعت وأبدعت في غناء مثل هذه الأغاني الصعبة فعلاً، والتي بحاجة إلى تدريبٍ وتحضيرٍ مضنيين.

ممّا زاد من إعجابي بفنّها، هو مصاحبتها لدفتر، على الأغلب مكتوب فيه أسماء الأغاني أو كلماتها، فلَم أدرِ بالضّبط ماذا كانت محتوياته، ولكن هذا الأمر، لا يعني أنّها لا تعرف الكلمات أو ترتيب الأغاني التي ستغنّيها في تلك الليلة، ولكن هذا دليل تواضع، كي لا تغلط بكلمة، أو لئلاّ تفقد ترتيب الأغاني، التي تدرّبت عليها مع فرقتها الموسيقية، وأيضاً كي يبقى ذهنها يقظاً دائماً لأي هفوة غير مقصودة، هذا الأمر الهامشي، يجب أن يكون مثالاً لكل مطربٍ محلّي، أذكُر أن العملاق وديع الصّافي استخدم دفتراً كهذا، فليس في هذا انتقاص من القيمة الفنيّة للمطرب، على العكس تماماً، فهذا يزيده افتخاراً، كما افتخرنا في تلك الليلة بملكة الأداء… بأميرة الطَّرب… بسيِّدة الأناقة والحضور، فيوليت سلامة.
وقار حضورها ورزانة وقفتها الهادئة على المسرح، شكّلا سوياً بُعداً حقيقياً لطبقات صوتها، أي أن صوتها كان مرتاحاً وغير مرهَق، لإدراكها طبيعة التماشي مع النّغمات الموسيقية… لإجادتها فن الانتقال من مَطلعٍ لآخر، دون أن نشعر… لاحترافها فن الدخول في أغنية أخرى، بانسياب لا يُشوّه إيقاعها اللحني، واستطاعت التّحكُّم به جيداً، فأطرَبَت الحضور الذي تحرّك حسب الخامة المميّزة لصوتها، فتناغم معها طرباً، وتفاعلت أحاسيسه مع حركات يديها، فتفاعلت معه بابتسامتها اللطيفة… لم تلاحق ركب الموجات العارمة من الإعجاب والتصفيق، فبريق عينيها لاحق وتابع وميض هذه الموجات.
كانت الفرقة الموسيقية تسير حسب إرشادات فيوليت، لأنّ خبرتها الطويلة تسمح لها بذلك، وأسلوبها الغنائي الخاص لا يُشبهُ أحداً، فأضافت بعض الإضافات الجميلة على بعض الأغاني، وأعتقد أنّني لأوّل مرّة أسمعها، وإبرة الإيقاعات أشارت إلى رتابة ذبذبات صوتها، الذي كَرَّم في تلك الليلة العديد من كبار مطربي العالم العربي، الذين بالفعل يستحقون هذا التكريم الغنائي اللائق. انتقادي الوحيد هو، عدَم وجود كورال مؤلّف من 4 أشخاص مدرّبين، كحد أدنى، ليُردّدوا لازمات الأغاني كما يجب، ذوي أصوات نقيّة، ولكن نقاوة هذا الصوت القدير والفريد، جعلني أحلِّق تلك الليلة في سابع سموات النَّشوة والاستمتاع، لأن عَظَمَة فيوليت سلامة، جعلتها كلثومية الصوت وطربيّة الأداء.     

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *