صَادفَت وفاة رفيقنا د. أحمد سعد مساء التّاسع عشر من شهر نيسان من العام ألفين وعشرة مع مسيرة العودة، في العشرين منه، إلى قرية مسكة المُهجَّرة في منطقة المثلّث التي تنظِّمها جماهير شعبنا في كلّ عام في ذكرى النّكبة، حسب التّقويم العبريّ، وتتزامن وفاته مع الذّكرى الثّانية والسِّتِّين لاحتلال مسقط رأسه البروة، في أيدي لواء كرميلي في عمليّة بن عامي في الحادي عشر من حزيران من ذلك العام الذي انتكب فيه شعبنا، كذلك تُصادف وفاتُهُ ذكرى ميلاد معلّم وقائد الثّورة الاشتراكيّة العُظمى في روسيا القيصريّة فلاديمير إيليتش لينين.

الراحل د.أحمد سعد
رحل عنّا بعد عراك شجاع وطويل ومرير ومثابر مع الأمراض المزمنة لبلادنا ضدّ الاحتلال ومن أجل التّحرير والأمميّة والعدالة الاجتماعيّة والمساواة والدّيمقراطيّة وحقّ العودة ولَم تنل من عزيمته قيْد شعرة لكنّ أمراضه الصِّحيَّة على أنواعها حالت دون رؤيته النّصر الآتي الموعود والمنشود..
تركنا على الأرض التي أحبّها وعشقها وترك إرثًا كبيرًا عزيزًا أورثه لجميع الأحرار من رفاق وأصدقاء الحزب والجبهة دون إعلان حصر إرث في الصّحف، لأنّ هذه التِّركة الغالية هي مُلْكنا جميعًا دون منازع أو منافس.
منح جميع العمّال والفلاحين والكادحين والمنكوبين واللاجئين والمُضطَّهدين والمثقّفين الثّوريّين، في بلادنا، قرطاسًا وقلمًا ورمحًا وسيفًا مشهرًا ومشرعًا عاليًا بوجه الظّالمين والمُحتلِّين بعد أن عرفته الخيل والليل وعرفت وطأته البيداء والبطحاء..
.jpg)
رحلَ دون إذننا أو مشورتنا، رحل دون أن يودِّع قريته، البروة، ويُطمئنها بعودته الأكيدة، تلك البروة البعيدة عنه بُعد مرمى الحجر، بعيدة عنه منذ أن هجّرت عساكر صهيون أهله وأهلها منها لتكون مسكنًا لغرباء ادّعوا أنّها أرض ميعادهم بصكّ إلهيّ جائر، يحرِّم الوطن على أهله الذين يعرفونه كَأَكُفِّ أيديهم ويُحلِّله للغرباء. لكنّها تسكن قلبه مع كلّ خفقة قلب ومع كلّ نبضة عرق من عروقه، فقد سكنت البروة فؤاده وعقله وخلّدها في أحاديثه وقصصه البرناويّة، وكان "خالد البرناوي" أو "سويد اليمن" بارعًا وهادِفًا ومبدعًا بإتقان وامتياز.
فقد كان والدي، أبو خالد، يقرأها في صحيفة الاتحاد في زاوية صباح الخير، بمتعة لوالدتي، على شرفة المنزل بعد أن أخذ مرض السُّكَّري من أعصاب وشرايين عينيها حيِّزًا واسِعًا..ويخبرني عبر الهاتف تفاصيل ما قرأ وكم حزِن والدايَ عند سماعهما خبر وفاته.
حين وقفتُ مع والدي والرّفيق أبي فاتن حسين مباركي ابن قرية النّهر المهجّرة مع الآف المشَيِّعين في مقبرة كفر ياسيف همس قائلاً ذهب الذي يُنكر على نفسه حقّ "الأنا" وعمل بكدٍّ وتعبٍ وتفانٍ متجاهلاً كلمة "أنا"، التي لَم تكن في دفتره الخاصّ ولا في قاموس مفرداته.
رحل عنّا الشّيوعي والعروبي والفلسطيني والمناضل والكاتب والأديب واللاجئ البرناوي ذو الأخلاق الحميدة والدّمثة والمتواضع أبو محمّد وهو في قمّة عطائه ونحن في أحوج الظّروف إليه وما أصعب الفراق حين يكون مفاجِئًا.
وإذا كان عجز بيت من قصيدة الشّاعر حسّان بن ثابت حين بكى وفاة الرّسول العربيّ الكريم محمّد (ص) بعد أن صلى الله عليه"والطَّيِّبُونَ عَلَى المُبَارَكِ أَحْمَدِ"، فإنّ بيت القصيد لأبي محمّد بأن يحافظ الشّيوعيّون والجبهويّون والوطنيّون على درب المبارك أحمد، أبد الدّهر حتّى تتحقّق مطالبه/نا وأهدافه/نا.




