ليس غريبا أن تجد من "يحتفل" من العرب بيوم "الاستقلال" على اعتباره عيدا وطنيا, ليس غريبا حقا حين كان يجهل بعض العرب ما لا يُجهل, ربما كان ذلك في سنوات ما قبل الإنتفاضة الاولى والثانية, وما قبل هبة أكتوبر, وما قبل عمليات مصادرة الأراضي التي لم تتوقف منذ نشأة هذه الدولة. وقبل تقرير جولدستون, وقبل أن يدخل الارهابي المدعو ناتان زادا إلى شفاعمرو, ونحر 4 اشخاص راحوا ضحية سلسلة الارهاب والعقلية المقززة الداعية الى طرد وقتل العرب.
تقع جنوبي شفاعمرو منطقة تسمى الخروبية, وتعود تسميتها لكثرة وجود شجر الخروب فيها, وهي التي كان يطلق عليها "تلة الخروبة". وأصبح اسمها اليوم, , יער קרית אתא. تحاذيها "هوشة" غرب جنوب شفاعمرو, والتي كان يقطن فيها سكان عرب قبل عام النكبة, وكان عددهم تحديدا عام 1944 ما يقارب 400 شخص.
هذه البلدة المنكوبة والمهجرة أسوة بغيرها من البلدات, أقيمت على أرضها أحتفالات واعتلت الأغاني وشي اللحوم, أما الأغاني فهي عربية, وأصوات الناس هناك ناطقة بالعربية, ومن يقدم على شي اللحوم هم عرب دون شك, من شفاعمرو.
حاولت أن أقنع نفسي أن لا وجود هذه السنة "لمحتفلين" من العرب في الاستقلال, فقمت بجولة سريعة لمنطقة الخروبية, وهي منطقة معروف عنها أنها تستقبل "المحتفلين" في "الاعياد الوطنية", لم استطع إحصاء عدد "المحتفلين" بيوم الاستقلال من العرب’ إلا أنه وتقديري وجود العرب في تلك المنطقة لا يقل عن 20% وأن كان أكثر, وهذا مؤكد.
لاحظت أن "المحتفلين", والمشاركين في هذه المهزلة المخزية, من أجيال مختلفة, من الشباب اليافع وللأسف, ومن متوسطي الأعمار, ومن كبار السن نساء ورجال.
وقد نسب الباحث د. خليل ريناوي هذه الأجيال إلى فئات ثلاث, على اعتبار الفئة العمرية الكبيرة جيل الزعتر!
قد لا نلوم الاجيال اليافعة, (والتي أطلق عليها الباحث المذكور جيل الماكدونالدز), على اعتبارها ربما وهذا غير مبرر أصلا, انها لم تعرف شيئا عما حصل عام النكبة, وعلى اعتبارها لم تطلع كليا على ما حصل ويحصل من عمليات قتل وإبادة جماعية للفلسطينيين في قطاع غزة وعمليات الطرد والترحيل لفلسطينيي الضفة الغربية, أو ربما لم يعرفوا ما الذي حصل عام 2004, في شفاعمرو كونه ربما بعيدا عن ذاكرتهم, فذاكرتهم لا تحتمل ذاكرة جماعية وخاناتها لا تستوعب كم الجرائم. فهم معذورون, لان عالمنا ضيق ووسائل الاعلام والاتصال شبه معدومة!!
ولكن ماذا عن اؤلئك النساء والرجال من جيل الزعتر؟ ذلك الزعتر لو تجرأوا على قطفه حبا في استنشاقه, لأصدرت بحقهم مذكرة إعتقال!
هل اولئك العجائز لم يعايشوا النكبة؟ هل خانتهم الذاكرة؟ الم تحمل ذاكرتهم ذكرى أحداث شفاعمرو- هوشة والكساير؟ هاتان القريتان اللتان وقعت على أرضهما معارك دامية, راح ضحيتها أكثر من 35 شهيدا من شفاعمرو والبلدات المجاورة؟
إلى متى سيظل عرب النكبة من جيل الزعتر حتى الماكدونالدز, يحييون ذكرى نكبتهم في مشاركة من يحتفلون في استقلالهم.!
أليس غريبا حقا أن يذهب من جيل الزعتر حتى جيل الماكدونالدز, الى مِسكة- احياء لذكرى النكبة, وبالمقابل يذهب من يذهب من ذات الجيل وذات الأصول إلى الخروبية للإحتقال؟
قد يكون كثيرون من اولئك الشباب المحتفلين قد شاركوا قبل سنة أو سنوات في مظاهرات الاحتجاج ضد مصادرة أراض وهدم بيوت لبلدات محاذية لشفاعمرو, أو في مظاهرات الاحتجاج على دخول الارهابي المدعو زادة الى شفاعمرو.
هم ذاتهم يجلسون الان متجمعون كجمهور معجب بالاستقلال. يستمعون للأغاني ويشوون اللحمة وبجوارهم تجلس عائلات يهودية . هم معا تعايش سليم يحتفل به حفيد النكبة مع حفيد الاستقلال, وتحتفل به جداتنا ممشقات الزعتر مع القادمات الجدد الاوائل والثواني والثوالث!! هل نضحك أم نبكي؟
صحيح اللي ما اختشوا ما ماتوا!!!