قبل حوالي ثلاث سنوات، حين انتقلنا أنا وزوجتي إلى الشقة التي نسكن فيها اليوم، أحسست بأن شيئًا ما ينقصنا وبأننا نحتاج إلى من يزيد من دفء البيت. يومها قررنا أن نربي قطتين. ذهبنا إلى حانوت الحيوانات "إيلي" في الهدار، فوجدنا لديه في القفص أربعة قطط، ثلاث إناث وذكر واحد. يومها قال لنا إيلي أن القطط أخوة من نفس الأم والأب. نظرنا إليهم فلاحظنا أن ثلاثة منهم متشابهين وشعرهم رماديّ، أما الرابع فكان أنثى شعرها أسود وأبيض. حين مددت يدي لأداعبهم أتت قطّة أنثى للتعرّف علي، فقمنا باختيارها هي وأختها ذات الشعر الأسود والأبيض. لقد اخترنا أن نأخذ قطتين أنثيين كي نتفادى إمكانية أن يتزاوج الذكر والأنثى ويملآن البيت بقطط صغيرة. سمينا الرمادية "مارينا" والسوداء والبيضاء "ميتسا"، ومن تلك اللحظة صارت الاثنتان جزءًا لا يتجزأ من عائلتنا، ومع الوقت تطوّرت علاقة محبة متبادلة بيني وبينهما، حتّى باتت الاثنتان متعلقتان بي لدرجة كبيرة، تستيقظان حين أستيقظ وتخلدان للنوم حين أنام.
من مدّة قصيرة حدثني البروفسور "سام راكوفير"، وهو كاتب ومحاضر في جامعة حيفا، بأنه أصدر كتابًا علميًّا بعنوان "أن تفهم قطًا"، استخدم فيه نظريات معرفيّة وسلوكيّة ونظريات أخرى في علم النفس، لفهم سلوك قطّه "ماكس". بعد سماعي ذلك بدأت أنا أيضًا أحاول أن أفهم شخصيّات قطتي العزيزتين. ما توصلت إليه ليس كافيًا لإصدار كتاب في هذا الشأن، بل أنه بالإمكان تلخيصه في ما يلي: ميتسا جديّة ومسؤولة، أما مارينا فهي دلوعة، لكنها أذكى من ميتسا، فهي تقوم بالقفز وبفتح الأبواب المغلقة لوحدها، كما وأنها تحاول أحيانًا أن تدير الأقفال وتفتح الباب المؤدي إلى خارج البيت. لقد تعلمت القطتان الوقوف على أرجلهما الخلفيّة حين أقول لهما "قفا". لقد نجحت في تعليمهما ذلك من خلال إغرائهما بالأكل والمكافئة.
من حين لآخر كانت إحدى قطط الحارة تصعد درجات العمارة التي نسكنها وتأتي لزيارة قطتانا والأكل معهما. لقد اكتفيت بأن سميتها بـ"القطة الخارجية"، ومع أن علاقتها بقطتينا كانت حسنة، إلا أنها كانت تنافسهما على الطعام، إلى أن جاء يوم أحاطت فيه قطتانا بالـ"القطة الخارجية" وهاجمتاها فهربت ولم تعد تأتي إلى بيتنا كما ولم أعد أراها في الحارة وأعتقد أن متطوعين من مؤسسة "الرفق بالحيوان" قد حضروا وأخذوها.
حين أفكر في الأمر أصل إلى الاستنتاج بأن لقطتينا حياة لا بأس بها، فهما تتلذذان بالعديد من المأكولات الخاصّة بالقطط. بعد أن تملآ معدتاهما بأكلة ممتعة، أراهما تذهبان إلى الشباك وتنظران إلى قطط الشارع وكأنهما تقولان في أنفسهما: "نحن قطط مدللة ولدينا كل ما نشاء"، ولا تخلوا حياتهما من بعض المغامرة فأحياناً تأتي حمامة وتقف على السطح. عندها تبدأ قطتانا بإصدار أصوات أظن بأنها تنم عن الإحباط والتذمر، وكأنهما تقولان: "آه كم نريد اقتناص هذه الحمامة اللعينة!!"
أهلي يعيشون هم أيضًا مع مجتمع قططي، فلديهم أربعة قطط هم "عوض" الملقب بـ"كوشي" و"سامر و"لوسي" و"سعدة" التي حسبوها في البداية ذكرًا فأسموها "سعيد" إلى أن انتفخ بطنها وولدت سبع قطط فغيروا اسمها فصار "سعدة". هذه القطط الأربعة تعيش هي أيضًا حياة هنيئة ومليئة بالنشاط والمنافسة ودائما أتمتع برؤيتها حين أذهب لزيارة أهلي. أحيانًا أرى إحدى القطط وهي تنظر في الليل من الشباك إلى مباني حيفا وأضوائها المشعّة. أظن أنها ربما تُدرك بأن عالم المدينة الممتد هناك هو عالم يملكه البشر وأن القطط، لسوء حظها، ليست بقادرة بعد على منافسة الإنسان المسيطر، وأن عليها الاستمرار في التودد له، ولو عن دون خاطر، إذا ما أرادت أن يكون لها نصيب في عالمه.
”المرء وقططه” بقلم: فؤاد سليمان
مراسل حيفا نت | 21/04/2010