وقفةُ فخرٍ واعتزاز بمسيحيّي حيفا الشجعان

مراسل حيفا نت | 30/03/2010

 "ما أجملَ وما أطيبَ وما ألذّ أن يجتمعَ الإخوةُ معًا، ففي هذا وَعَدَ الرَّبُّ بالبركةِ إلى الأبد". وهل من كلماتٍ تستطيعُ أن تَصِفَ ما عِشناهُ يومَ احتفالِنا بأحد الشعانين،

بدخولِ ربِّنا يسوع المسيح منتَصِرًا إلى أورشليم. إنّها فرحةُ عارمة، لا تُقاس ولا حدودَ لها، لأنّ ما عِشناه بالفعلِ كان دخولَ السيّدِ المسيح له المجدُ والإكرام الانتصاريّ ليس فقط إلى أورشليم، بل والأهمّ من ذلك كلِّه، دخوله الانتصاريّ إلى قلوبِنا، إلى حياتِنا، إلى إيمانِنا وإلى عائلاتِنا… بدخولِه هذا كَسَرَ المسيحُ جميعَ الحواجزِ التي كانت شامخةً كجدارٍ عازلٍ أمام وحدتِنا التي ليست فقط الإيمانيّة والدينيّة، بل وحدتنا كشعبٍ واحد "كأمَّةٍ ملوكيّة"، كجماعةٍ تحمِلُ عنوانًا واحدًا وشِعارًا واحدًا، كهويَّةِ انتماءٍ إلى مسيحِنا ومسيحيَّتِنا وأخيرًا وحدتنا التي أظهرَتنا بحلَّةٍ جديدةٍ بهيّة هي حقيقةُ وجودِنا كمسيحيّين في هذه الديار المقدّسة. فلقد أعطَينا رسالةً واضحةَ المعالم بخطوطِها العريضة أنّ الوجودَ المسيحيّ مع أنّه يُشكِّلُ في بلادِنا المقدّسة أقليَّةً عدديّة إلا إنّه في الوقتِ نفسِه، يُشكِّلُ أكثريَّةً نوعيّة.

 

 

 

 

 

 

          لا يُمكِنُني إلا أن أعودَ إلى نصِّ سِفر أعمالِ الرسل الذي يتكلَّمُ عن نشأةِ الكنيسة وبداياتِها بربطِه بين خبرةِ الرسل والجماعةِ المسيحيّة الناشئة من جهة، والحياةِ المشتركة التي كانت الدعامةَ الأساسيّة لهذه الخبرة من جهةٍ أخرى. فيقول: "كانوا يُداوِمونَ على الاستماعِ إلى تعليمِ الرسل وعلى الحياةِ المشتركة وكسرِ الخبزِ والصّلاة… وكان المؤمنونَ كلُّهم متَّحدين، يَجعلونَ كلَّ ما عندهم مشترَكًا بينهم… وكانوا يلتقونَ كلَّ يومٍ في الهيكل بقلبٍ واحد…" (أعمال الرسل 2: 42-46). وكأنّي عِشتُ هذه اللحظاتِ يوم الأحد الماضي. عِشتُ اللحظاتِ التي جَعَلَتني أشعرُ بالفخرِ والاعتزاز كوني مسيحيًّا؛ اللحظاتِ التي تمَنَّيتُها ألاّ يكونَ لها انتهاءٌ زمنيّ، إلا إنّها ورغمَ انتهائِها ستبقى محفورةً في قلبي ومنقوشةً على جبيني.

          يا لَفَرحتِنا التي تَغمُرُ كلَّ واحدٍ منّا حين يرى الآلافَ يسيرونَ معًا جنبًا إلى جنب يتقدّمُهم الذي يَجمعُنا صليبُ ربِّنا يسوع المسيح، مُلتفينَ حولَ رُعاتِهم وخدَّامِهم الروحيِّين، يكسرونَ الحاجزَ الأكبر في تاريخ مسيحيَّتِنا، حاجزَ الطّائفيَّة القاتل والمفرِّق. فلم يَعُدْ هناك أرثوذكسيّ، كاثوليكيّ، لاتينيّ، مارونيّ وأنغليكانيّ، إنّنا جميعًا واحدٌ في المسيح وبالمسيح ومع المسيح. فنحن كمسيحيّين نُشكِّلُ أقليّةً في هذه البلاد ومع ذلك، فكلّ مرةٍ نتكلّمُ فيها عن مسيحيّةٍ مجزئةٍ ومنقسمة على ذاتِها، فإنّنا نجعلُ أنفسَنا أقليّاتٍ في قلبِ الأقليّة. إلى متى سنبقى قابعينَ في قبورِ طائفيَّتِنا؟ حتى متى سنبقى واقعينَ في سُباتٍ عميق عن واقعِ مسيحيِّينا وهمومِهم ومستقبلِهم ونحن نرى ونُشاهدُ كلَّ يومٍ الكنيسةَ المجاهدة والمضطَهَدة في العراق ومصر ونيجيريا… أُناشدكم أيُّها الأحبّاءُ المسيحيّون أن تكونوا واحدًا، مُردِّدًا قولَ القدّيس بولس في رسالتِه الأولى إلى أهل كورنثس حين قال: "أُناشدُكم أيّها الإخوة، باسمِ ربِّنا يسوع المسيح، أن تكونوا جميعًا متَّفقين في الرأي وأن لا يكونَ بينَكم خلافٌ، بل كونوا على وِفاقٍ تام، لكم روحٌ واحدٌ وفكرٌ واحد" (1 كورنثس 1: 10). فلا تبحثوا عن ما يُفرِّقُنا، بل بالحري ابحثوا عن ما يجمعُنا بعضنا ببعض: "فأنتم جسدٌ واحد وروحٌ واحد، مِثلَما دَعاكُمُ اللهُ إلى رجاءٍ واحد. ولكم ربٌّ واحدٌ وإيمانٌ واحدٌ ومعموديَّةٌ واحدة وإلهٌ واحدٌ أبٌ للجميع وفوقَهم، يعملُ فيهم جميعًا وهو فيهِم جميعًا" (أفسس 4: 4-6).

 

 

 

 

 

 

          أردتُ أن أختِمَ كلمتي هذه بهذه العبارات القيِّمة من رسالة القدّيس بولس إلى أهل أفسس والتي تتكلَّمُ عن الوحدة الوثيقة التي تربِطُ المسيحيِّين بعضهم ببعض. رسالتي لكم أيّها المسيحيُّون في الأراضي المقدّسة أن نتوحَّدَ فِكرًا ورأيًا من أجل الحِفاظِ على وجودِنا التاريخيّ والجغرافيّ المتجذِّر والأصيل إنْ في البلاد المقدّسة أو في البلاد العربيّة. أدعوكم أيُّها المسيحيّون إلى الاطّلاع أكثر فأكثر على تاريخِنا وتاريخ أماكنِنا المقدّسة وتاريخ وجودِنا في هذه الديار المقدّسة وأن تبقوا القدسَ وبيتَ لحم وسائرَ بلادِنا في فِكركم وتفكيرِكم ونَهجِ حياتِكم وأن لا تُفرِّطوا أبدًا بمقدّساتِكم ولا بأرضكم التي أروَتها دماءُ المسيحيّين في القرون الأولى للمسيحيّة والتي تجذَّرت في فِكرِ آبائنا وأجدادِنا الذين علَّمونا قيمةَ الأرض وترابِها: هذه هي الكنيسةُ المجاهدة والمضطَهَدة والتي في النهاية ستُصبحُ الكنيسةَ الظَّافرة والمنتصرة بنعمةِ قيامةِ ربِّنا يسوع المسيح من بين الأموات. آمين

واقبلوا مني فائق الاحترام والتقدير

الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى- رئيس رعيّة الروم الملكيّين الكاثوليك- حيفا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *