تَحَزَّمُوا..د. خالد تركي – حيفا

مراسل حيفا نت | 22/03/2010
 حين كنتُ أنتظرُ زوجتي في حيِّ الألمانيّة في حيفا لنذهبَ إلى المشْتل لشراءِ بعض الورود والأزهار استقْبَالاً لشَمِّ النَّسيم واحتفاءً بحلولِ فصلِ الرّبيع كما جرت عادتنا في هذا الشّهر من كلّ سنة، مرّت بجانبي سيّارات عديدة لا تُعدّ ولا تُحصَى تعود ملكيّتها، بغالبيّتها، إن لم تكُن جميعها، للعرب، ولفت انتباهي أمرٌ هامٌّ ارتأيْتُ أن أُشيرَ إليْهِ وأدعو  لعلاجه، وأجزم أنّني لستُ وحيدًا.
لقد كانَ سائقو السّيّارات ومن معهُم في الحافلة "أحرارًا" بدون أحزمة الأمان فضلاً عن أصوات الأغاني المندفعة من السّيّارات نشازًا وإزعاجًا بسبب مكبّرات الصّوت المنطلقة في هوائها الطّلق عشوائيًّا دون رسن أو لجام، والصّخب المندفع بعد إطلاقهم العنان لأقدامهم على دوّاسة البنزين، لتسرع حافلاتهم أكثر وأكثر بحركات عبثيّة ضوضائيّة لتأخذَهم إلى مجهولٍ نعرف عقباه..
وصلت زوجتي وبدأت رحلتنا إلى المشتل الواقع في ضواحي حيفا، وحين وقفنا عند الشّارة الضّوئيّة الحمراء وقفت قربنا سيّارة وكان سائقها شابًّا عربيًّا لا أعرفه، تنطلق من سيّارته موسيقى مزعجة جدًّا بسببِ ارتفاع صوت المكبّرات التي كادت تفجّر جسمي وجسمَ سيّارتنا وحين فضّلت أن أختنق داخل سيّارتي بعد أن أقفلت زجاجَها تفاديًا لسماع النّشاز والإزعاج، شعرتُ أنّ الأمر لم يرُق له ولم يستحسنه وبدأ يضغط على دوّاسة البنزين بتحدٍّ محرِّكًا سيّارته إلى الأمام والخلف، منتظرًا الضوء الأخضر لانطلاق صاروخه وكأنّه يدعوني إلى مسابقة سيّارات ربّما تكون جائزتها حفرة على شاطئ حيفا في منطقة العزيزيّة ونيشانها شاهد على الحفرة سيُحفِرَ عليها "زهرة ذبُلت"..
وبهذا يكونُ هو وأقرانه قد كَبَحُوا جِماح آمالِهم وطموحاتِهم في بناءِ حياةٍ سعيدةٍ ورغيدةٍ ملؤها الفرح والسّعادة وكتبُوا لوالديهم وأهلهم وأصدقائهم ومحبّيهم الحسرة والغصّة والحزن مدى الحياة..
لماذا على شبابِنا انتظار شرطيِّ المرورِ ليُحرّرَ لهم مخالفةً نقديّةً كبيرةً تصُبُّ في نهاية المطافِ في خزينة وزارة الحربيّة وتدعم الاحتلال والاستيطان ومن حيث لا يدرون يقُومُون بدعمِ هذه المشاريع ويقولون بعدها إن حرّر لهم مخالفة: "إنّ هذا الشّرطيّ ابن كلب اضطهدني لأنّني عربيّ".
لماذا على زهراتِنا الجميلة، شابّاتنا وشبابنا، حمل أكفانهم على أكتافهم أو في سيّاراتهم وكأنّهم يتسارعون ويتصارعون للقاءِ حتفِهِم وهُم في ريعان شبابهم وعطائهم.
لماذا يريدون مبارزةَ المنون لإثبات قدرتهم وجبروتهم على أنّهم أوّل المبادرين لهذا اللقاء الذي يُعمي أهلهم ببكاءٍ دامٍ..
وكأنّهم فراشات ليليّة تطير بأجنحتها مسرعةً نحو حتفِها حين تشتعل من حرارة الضّوء أو كالقطيع الذي يُساق نحو المسلخ لذبحه.
لماذا على شابّاتنا وشبابنا العربي أن يكون السّبّاق في ظاهرة حوادث الطّرق ومخالفات قانون السّير، لقد صُنِع الحزام لحمايتنا وعلينا أن نستعمله حال اعتلائنا السّيّارة، كان الشّرطي أم لم يكن، فحياتنا نحميها بأنفسنا ولسنا بحاجة للشّرطي أن يحميها بخوفنا من الغرامة الماليّة.
وهل نفوس بناتنا وأبنائنا رخيصة إلى هذا الحدّ لدرجة أنّهم يبادرون الله بأنفسهم  
وهل قرّروا الانتحارَ وهُم وراء المقود!! ليحرموا والديهم من زينة الحياة الدُّنيا.
أم أنّ آذان شابّاتنا وشبابنا صمّاء لا تسمع صوت مكبّراته المزعجة فلا يسمعون نصائح من هو أكبر منهم سنًّا ورشدًا..
أم أنّهم يريدون للآباء دفن الأبناء..
أقول لشابّاتنا وشبابنا في العجلة النّدامة وفي التّأنّي السّلامة.
وإن لم تتقشّطوا بقشاط الأمان تقشّطتم وإن لم تتحزّموا بحزام الأمان تحزّمتم في
حفرة لا ترون النّور أو الحياة فيها.
فيا شابّات وشباب بلادي روحكم غالية عليكم وعلى أهلكم وعلينا جميعًا،
فاحموها.
ولا تهلِكوا أهلكم..
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *