روضة غنايم: حياة عائلة في صور

مراسل حيفا نت | 26/10/2017

حيفا في ناعورة الزمان/حاراتٌ بيوتٌ وناس (11)
روضة غنايم مصوّرة وباحثة – حيفا
روضة غنايم: حياة عائلة في صور
خلال بحثي وكتابتي عن السرديّات الفرديّة التي أنشر قسماً منها أسبوعياً، أكشف وأعثر على خفايا مختبئة وبعيدة عن الأعين، وهي الأجمل والجذابة بالنسبة لي.
وفي هذه المقالة أتطرق إلى زيارتي إلى السيدة وداد بحوث، المقيمة في شارع عباس 84. وبهذا المقال سأخرج من حيّ عباس، لأبدأ في الأسبوع القادم الكتابة عن حي وادي النسناس في حيفا. وأما عن تكملة بحثي في حيّ عباس سأنشره في كتابي عن الحارات العربية في حيفا الذي سيصدر العام القادم.
الدخول إلى البيوت ليس بالأمر المفهوم ضمناً. هي فرصة لنرى ونفهم ما يستتر وراء الأبواب والشبابيك والجدران.
وداد زكي بحوث من مواليد مدينة حيفا ترعرعت في (الكولونية الألمانية). بيت أهلها احتل في عام 1948 ولم تستطع العائلة العودة للسكن فيه. في بداية التسعينات من القرن الماضي هدمت الطائفة البهائية هذا البيت لتوسيع حديقة الطائفة على سفح جبل الكرمل.
وبعد أن تُرك البيت قسراً، بدأ والد وداد، زكي في البحث عن بيت بديل. وكان متيقّناً أن يجد بيتاً خاليا من عفش السكان الأصليين الذين أجبروا على الرحيل.. من منازلهم.لأنه كان مؤمناً أنهم سيعودون إلى أملاكهم.
وبعد فترة من البحث الشائك سكنت العائلة في شارع عباس، في بيت 34 حتى عام 1965 ثم انتقلت إلى الكرمل الفرنسي في شارع بيت إيل. وفي عام 1975 عادت بعدها إلى حيّ عباس، لتستقر في بيت رقم 84، وفي هذا البيت استقبلتني وداد بحوث. هذه التنقلات تروي قصة تهجير سكان حيفاالأصليين داخل مدينتهم.
تعلمت وداد الابتدائية حتى أول ثانوي في مدرسة راهبات الناصرة، والمرحلة الثانوية في مدرسة مار يوسف في الناصرة. تعلمت اللغة العبرية في معهد تعليم اللغات في شارع المخلص.ثم أكملت دراسة السكرتارية وإدارة مكتب في بيت هبكيد. كما تعلمت الطباعة في كلية همعليه. وإلى جانب اللغة العربية والعبرية تتقن اللغة الإنجليزية، الفرنسية حديثاً وطباعةً.
عملت في دائرة ضريبة الأملاك في شارع هرتسليا وفي عدد من مكاتب المحاميين المعروفيين. من أبرزهم المحامي يوحنان مرغولين، نجل بنحاس مارغولين الذي كان عضواً في المجلس البلدي في بلدية حيفا في سنوات الانتداب البريطاني. كما عملت عند المحامي شموئيل سيسو الذي عيّن لاحقاً رئيساً لبلدية كريات يام، وتميّزت وداد بعملها. وكانت وداد ناشطة في أطر السلام المختلفة. وهي إحدى المؤسسات لحركة “جسر السلام” نساء عربيات ويهوديات. وكانت عضوة وناشطة في بيت الكرمة.
تمارس وداد هواية العزف على الأورغ والتصوير والتطريز وصنع البراويز الجميلة التي تزيّن جداران بيتها.
والدها زكي حنا بحوث كان يعمل تاجراً للحبوب. وكان صاحب بقالة في شارع عباس التي يمتلكها اليوم أيوب. وأما والدتها فهي أجلي إبراهيم عزام.ولوداد أربعة أخوة، إدوارد رجا جوني وأديب.
حدثتني وداد عن يوم الاستقبال عند والدتها أجلي، الذي كان يوم الثلاثاء من كل أسبوع بعد الظهر. قالت: “كانت والدتي تحضّر لقدوم صديقاتها وتصنع الحلويات،مثل القزحة، المغربية، المعمول،المكرونة،التبولة وكانت تدار النارجيلة بين النساء.ومن النساء اللواتي كن يحضرن هذا اليوم سيدات من عائلات المشعلاني،الطبراني،الخوام، منصور،العباسي وأخريات.
وكانت والدة وداد من أوائل النساء اللواتي تعلمن قيادة السيارات، وذلك في سنوات الستينات من القرن الماضي، حيث حصلت على رخصة لسياقة سيارة ثم اقتنت سيارة خاصة بها.
بيت وداد واسع وهناك شرفة كبيرة حوّلت إلى غرفة صالون، فأصبح الحجر العربي المدقوق جدران الغرفة من الداخل. وهنالك صور من أعمال التطريز لوداد ومقتنيات أخرى من الماضي مثل جرن الكبة وطناجر وماكنة خياطة ومكواة. وإلى جانب هذه المقتنيات طقم صالون تُقدر صناعته قبل حوالي المائة عام،مازال يُحافظ على جماله.وعندما جلسنا للحديث وتصفّح الصور، كان يلازمنا مشهد من الشباك المُطل إلى ميناء حيفا، حيث السفن والبواخر تأتي وتغادرالمكان.
لقد رأيت البيت في أوقات مختلفة من اليوم. صباحاً ومساءً. البناية القديمة لا تزال تُحافظ على جمالية الشكل وذلك على الرغم من أن هنالك قسماً بني لاحقاً ليحوي المصعد. وانطباعي من البيت هو انه يندمج في مشهد الطبيعة التي تحيطه. هذه نوعية البناء وليس فقط ذاكرة، بل إلهام كذلك لبناء بيوت في أيامنا.
E- [email protected]
9

4

13

2 وداد ووالدها على شرفة بيت عباس 34

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *