أراك عرس دم أخضر
رشدي الماضي

مرّت قبل فترة وجيزة ذكرى ميلاده.. وبالتّحديد في الـ 5 من حزيران عام 1898، وهي، تاريخًا، العودة في تقاويمنا كعرب اليوم..
نعم! إنَّهُ الشّاعر الذي رثاه محمود درويش، فقال: “غيابه ساطع” و”ظلّهُ أخضر” لوركا..
ولا يخفى على قارئ شعره أنّ أطياف قوس قزح لا تُفارق قصائده.. مع أَنَّهُ بقى وفيًّا للون الأخضر بكل دلالاته الربيعيّة..
وقد أبرز المتخصّص في الأدب الإسباني محمود صبح، وهو شاعر بالإسبانيّة أيضًا، معجم الألفاظ العربيّة التي مهر لوركا أشعاره بها: البلّور.. الجُبّ.. الخزامى.. الدّفلى.. القصر.. المسك.. وغير ذلك.
وهذا ليس غريبًا عليه، فشاعرنا الكبير والمعروف عالميًّا، نتاج ثقافة عربيّة وإسبانيّة معًا.. لذلك قال عنه بيكاسو: لوركا نتاج الثّقافة التي صهرت عدّة مكوّنات وعناصر..
أمّا بابلو نيرودا فقد أضاف مؤكّدًا هذه الحقيقة: لوركا نتاج أندلسيّ بامتياز.
حتّى لوركا نفسه تحدّث عن أندلسيّته، فسجّل: إنّ الأندلس شيء لا يصدّق.. شرق بلا سموم، غرب بلا نشاط، فالعربي نحمله جميعًا في ذواتنا..
يؤكّد مبدعنا بمكوّناته أنّ الإبداع عابر للأحوال المدينة والهوّيّات بإنسانيّتهِ وشموليّة رؤاه.. لذلك لم يبخل شعراؤنا على لوركا بالرّثاء بعد رحيله.. ومنهم: صلاح عبد الصّبور، نزار قبّاني، محمود درويش، وقد ضمَّخ به رشدي الماضي عددًا من قصائده رمزًا متعدّد الدّلالات..
وبالعودة إلى توظيف لوركا للألوان في شعره، ومن خلال قراءَتنا الرّائية نرى بأنّ هذه الألوان هي المُكوّنات التي تتشكّل منها “الصّورة الحسيّة لديه”، وهذا ما نلمسه في أشهر قصائده.. “مرثيّة لمصارع الثّيران”، حيث وصف مصارعه البطل بصورة حسيّة بقوله: “كان نهرًا من الأسود التي تعدو…”.
وفي قصيدته: “المتزوّجة غير الوفيّة” وصف شاعرنا المرهف صوت تنّورتها المنشّاة التي تُصدر صوتًا، كقطعة من الحرير تمزّقها عشر سكاكين.
ومع أنّ لوركا لم يتعلّم اللّغة الإنجليزيّة فقد سافر إلى أمريكا، لكنّه كان يحمل في داخله غرناطة.. وهناك، في أحد شوارع نيويورك أخرج خنجره ليقوّض به ناطحات السّحاب..
وقد وثَّق زيارته هذه في ديوانه: “الشّاعر في نيويورك”، الّذي اقترح عليه صديقه نيرودا أن يُسمّيه “مدخل إلى الموت”..
ستظلّ أيّها الكبير وأنت في عربة إله تقودها طير أبابيل الغياب منزوعة الحجارة.. ستظلّ تجلس ربيعًا وحيدًا.. تجرّ القلب عكس الرّيح، إن أمكن، تقارع الغيم كي تُعيق هجرة المطر.