التقويم والسنة الجديدة- كميل ساري مدير قسم الرقابة، الأبحاث وسياسة صيانة الآثار

مراسل حيفا نت | 04/01/2010

 

التقويم الميلادي هو التقويم المتبع اليوم في حياتنا اليومية بجميع أنحاء العالم. أما الفكرة ذاتها لأتباع التقويم الميلادي والحسبان استنادا لميلاد المسيح, تعود إلى القرن السادس ميلادي, وهي تستند على التقويم الذي كان متبعا في الإمبراطورية الرومانية وسوف نشرح الفكرة والتطورات والتغيرات التي طرأت على هذا التقويم مما أدى إلى إتباع مواعيد متغايرة للاحتفال بالأعياد والمناسبات لدى الطوائف المختلفة.

 بداية التقويم عند الشعوب المختلفة:

منذ العصور القديمة كان الإنسان بحاجه إلى حساب الوقت والزمن. وكانت أول الحسابات متعلقة بظواهر طبيعيه لاحظها الإنسان مثل ظهور كواكب معينه, بالأضافه إلى عوامل طبيعيه عاشها الإنسان مرتبطة بالزراعة: هكذا على سبيل المثال, كانت الأشهر تسمى على أسم شهر الحصاد أو شهر الزرع أو أشهر معينه تسمى على أسم نوع من الخضار التي تنبت في هذا الشهر. كذلك لاحظ الإنسان بأن الأشهر والزمن المتعلق بعمل الزراعة يواكب ظهور كواكب معينه بالسماء. من هنا بداء عد الزمن وفقا للكواكب.

حدد الإنسان منذ البداية الأشهر والسنة وفقا لدوران الأرض حول الشمس ودوران القمر حول الأرض. إستنادا الى ذلك, هنالك ثلاث انواع من التقويم:

1.     تقويم قمري – يرتكز فقط على دوران القمر حول الأرض دون الأخذ بالاعتبار  حسابات المتعلقة بدوران الأرض حول الشمس.

2.     تقويم شمسي – يرتكز على حسابات شمسيه فقط دون الأخذ بالحسبان العد القمري.

3.     تقويم شمسي قمري – تعتمد عملية الحساب هنا على الملائمة بين الحساب الشمسي والقمري. وهو أساس التقويم الحالي

 تشير المعلومات والمكتشفات الأثرية إلى أن المصريين حاولو بناء تقويم شمسي منذ اكثر من 4500 عام قبل ايامنا, وقد قسمت اسنة عندهم الى 12 شهرا, كل شهر أحتوى على 30 يوما. ذلك أدى الى فائض 5 أيام كانت تضاف بآخر ألسنه. ذلك لأن المصريين ارتكزت حساباتهم على الشمس فقط دون الأخذ بعين الاعتبار التصحيحات القمرية. والمعروف أن بداية السنة عند المصريين كانت مع ظهور الكوكب "سيروس" الذي بشر فيضان النيل. عام 238 ق.م. صحح المصريون السنة إلى 365 يوم. اما البابليون, فكانت السنة عندهم, بداء مع بداية الحاكم الجديد, شرط أن يحكم على الأقل سنه كاملة.

 التقويم خلال الفترة الرومانية:

حتى منتصف القرن الأول ق.م. لم يكن للرومان تقويماً ثابتا: فمرة كان الحساب الشمسي ومرة أٌخرى أتبعوا الحساب القمري. كما أن السنة كانت مكونة من ثمان أشهر فقط تبدأ بشهر آذار لأنه الشهر فيه يبدأ فصل الربيع.عام 46 ميلادي, تعين "يوليوس قيصر" لمنصب "ألكاهن ألأكبر  Pontyfex Maximos", والذي ضمن صلاحياته كانت أيضا تحديد مواعيد الأعياد والتقويم. خلال عمله بالمنصب الجديد, لاحظ الخلاف المستمر بالتقويم الروماني الأمر الذي أدى به لأجراء تعديلات بالتقويم ووضع تقويم ثابت يستند على أسس وحسابات علميه صحيحة.أدخل يوليوس قيصر التصليحات إلى التقويم, بحيث قرر عدم الالتزام بالحسابات القمرية وعندها, حدد أيضا بأن شهر يناير (كانون الثاني) هو بداية السنة. وقد حدد السنة إلى 365 يوما. ومرة كل 4 سنيين, كانت السنة تشمل 366 يوما. كما أنه قسم السنة إلى 12 شهرا فيها 30 أو 31 يوما ما عدا شهر فبراير الذي شمل 28 يوما. وقد سمي هذا الشهر "يناير" نسبة  للآلهة "يانوس" وهو اله له وجهين الواحد يتطلع إلى الجهة المعاكسة للوجه الآخر. كان هذا التقويم يستند إلى الحسابات الشمسية وقد سمي بالتقويم "اليولياني" نسبة إلى مؤسسه يوليوس قيصر.

التقويم المسيحي:

ورثت الكنيسة المسيحية التقويم من الفترة الرومانية أي التقويم "اليولياني" الذي وضعه "يوليوس قيصر".  وبقي هذا التقويم دون تغيير حتى عام 1582 حينها أجريت التصحيحات بيد اللجنة التي عينها ألبابا "غريغوريوس 13", سوى تغييرا واحدا أجرته الكنيسة بالقرن السادس ميلادي, حينها أقترح الراهب ديونيسيوس بأن يبداء العد الزمني المسيحي من ميلاد السيد المسيح. وقد أجرى الحسابات وحدد نسبتا لها السنة الميلادية. منذ تلك الفترة ينسب العالم السنوات والأحداث التاريخية نسبة لميلاد المسيح, دون أجراء تغييرات بطريقة الحسبان (التي اعتمدت الحسبان الشمسي فقط).

بالقرن السادس عشر, لاحظ البابا غريغوريوس 13 بأن مواعيد عيد الفصح متفاوتة جدا وليس هنالك موعد محدد لحلول العيد, عين لجنه خاصة مهمتها فحص التقويم وطرق حسبان السنة. هذه اللجنة فحصت التقويم ووجدت بأن هنالك خطأ في حسابات يوليوس قيصر إذ أنه اعتمد الحساب الشمسي دون أن يعتبر الحساب القمري وإدخال التعديلات اللازمة لذلك. لتصحيح هذا الخطاء أوصت اللجنة بحذف 11 يوما من السنة. وقد حذفت هذه الأيام, بتاريخ 04 أكتوبر عام 1582 حيث تحول تاريخ يوم الغد مباشرة إلى 15 أكتوبر من عام 1582.بما أنه كان خلاف بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية, فأن الكنيسة الشرقية رفضت التصحيح "الغريغورياني" واستمرت بنهج الأعياد وفقا للتقويم "اليولياني". وقد تراكم هذا الفرق حتى اصبح في ايامنا 14 يوما. من هنا وعلى سبيل المثال, تحتفل الكنيسة الغربية بعيد الميلاد بتاريخ 25 كانون الأول بينما تحتفل الكنيسة الشرقية بهذا العيد بعد 14 يوما أي بتاريخ 07 كانون الثاني. أما دول العالم فتقبلت هذا التصحيح بمواعيد مختلفة. فعلى سبيل المثال: أيطاليا, أسبانيا والبرتغال تقبلوا هذا التغيير بتاريخ 04/10/1582 وتحول التاريخ إلى 15/10/1852. بينما تركيا واليونان تقبلتا التغيير فقط عام 1923-1925.

احتفالات السنة الجديدة:

 إنّ الشهر الثالث "مارس" كان عيد السنة الجديدة عند الرومان لأنه بداية الربيع. وقد سُمي على أسم ألآله "مارس" أله الحرب, لأن ألأسطورة تروي بأن ألإمبراطوريه ألرومانيه انتصرت على أعدائها بالحرب بهذا الشهر.  حوّل "يوليوس قيصر" العيد إلى شهر الأول بالسنة والذي سماه "يناير" على أسم اله المنزل "يانوس" والذي له وجهان: الواحد يتطلع إلى الأمام والوجه الثاني إلى الخلف. وقد سُمي الشهر الأول على اسم هذا الإله ليرمز بأن هذا التاريخ يودع السنه الماضية مع ما فيها من مساوئ والوجه الآخر يستقبل السنة الجديدة مع آمال لعام أفضل.    بالقرن السادس عند إدخال تصحيحات الراهب ديونيسوس, تحول عيد السنة الجديدة إلى تاريخ 3/25 وهو ذكرى البشارة والتي تبشر للعالم ميلاد المسيح الذي سوف يأتي بالعهد الجديد. إلا أنه عام 1582 عند إدخال تصحيحات البابا غريغوريوس الثالث عشر، تم إعادة العيد إلى تاريخ 01/01.   أما "سلفستر" فليس له أية صله بهذا العيد. كان سلفستر البابا الذي عمد قسطنطين وأدخله الديانة المسيحية. وقد شاءت الظروف بأنه توفي بتاريخ 340/12/31 لذلك، كانت الكنيسة تقيم يوما لذكرى البابا في هذا التاريخ. مع مرور الوقت أختلط بتاريخ احتفالات السنة الجديدة. 

الصور المرفقة:

1.     تمثال مارس – ألاه الحرب عبد الرومان المتحف الاتيراني

2.     تمثال الآله يانوس – اله المدخل والمنزل عند الرومان متحف الفاتيكان

3.     البابا جريجوريوس الثالث عشر

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *