في لقاء خاصّ وصريح مع الرّئيس الأعظم للمحفل الماسونيّ الأكبر في البلاد، سليمان سالم:

مراسل حيفا نت | 31/03/2017

في لقاء خاصّ وصريح مع الرّئيس الأعظم للمحفل الماسونيّ الأكبر في البلاد، سليمان سالم:
لم تأتِ الماسونيّة لتقلب المفاهيم الحياتيّة!
* نُسأل.. فنجاوِب! *

مطانس فرح
نظام البنّائين الأحرار (الماسونيّين) أثار مَظنّة ملايين الأشخاص منذ مئات السّنين، أسماء وشخصيّات مشهورة، أمثال: ليوناردو ديڤنشي، إيزيك نيوتن، موتسارت، باخ، بتهوڤن، ألبرت أينشطاين، ليو تولستوي، وينستون تشرتشل، سيچموند فرويد، وغيرهم من الرّؤساء والملوك ورجال الدّين والسّياسيّين والاقتصاديّين والقضاة و.. و.. ارتبطت بهذه الحركة السّريّة، الّتي نُشر حولها عدد لا يُحصى ولا يُعدّ من الأساطير والأقاويل والإشاعات. وبخلاف الحديث الّذي يدور حول نظام يهتمّ بالسّيطرة على العالم، والّذي يرتبط بفرسان الهيكل والكأس المقدّسة، فالحديث يدور عن مجموعة من الأشخاص الّتي تهتمّ بتحسين أوضاع المجتمع من خلال التبرّع لجهات خيريّة، وتحوم من حولهم شبهات القيام بأعمال سريّة تعود لتقاليد قديمة ولسبب انتساب عدد من الأشخاص المشهورين في التّاريخ لهذه الحركة.
ويدّعي البعض أنّ المحافل الماسونيّة تتخفّى دائمًا وراء أسماء منظّمات وجمعيّات وهميّة لمزاولة أنشطتها الفكريّة والسّياسيّة والتّغلغل في مفاصل السّلطة، عبر زعماء وقادة ومسؤولين كبار ساعدتهم الحركة في الوصول إلى المناصب الرّفيعة والبقاء فيها مقابل خدمة أهدافها والالتزام بعهودها، حيث يؤدّون جميعهم قسم الولاء لخدمة تلك الأهداف ولا يجرؤون على التّراجع عن قسمهم تحت طائلة أيّ ظرف من الظّروف. ويشير المطّلعون إلى أنّ “الأخ الماسوني” يقسم عند دخوله الحركة على مساعدة “إخوانه” في أيّ مكان وفي أيّ ظرف كان!

** الماسونيّة – بطاقة تعريف
الماسونيّة أو البنّاؤون الأحرار، منظّمة أخويّة عالميّة، يتشارك أفرادها عقائد وأفكار واحدة فيما يخصّ الأخلاق، الميتافيزيقيا (ماهيّة الأشياء وعلّة العلل، أي القوى المحرّكة لهذا العالم)، تفسير الكون، الحياة، والإيمان بخالق إلهيّ. تتّصف هذه المنظّمة بالسّرية والغموض الشّديدَيْن خاصّةً بكلّ ما يتعلّق بشعائرها، ما جعلها محطّ كثير من الأخبار والأقاويل والإشاعات حول حقيقة أهدافها، في حين يقول بعض المحلّلّين المتعمّقين في دراسة الماسونيّة، بأنّها تسعى للسّيطرة على العالم وتوحيدهم ضمن أفكارها وأهدافها، كما يُتّهم المنتسبون لها بمحاربة الفكر الدّيني ونشر الفكر العَلمانيّ.

** الاسم والرّمز
هناك الكثير حول تسمية الماسونيّة، فهي تعني هندسة باللّغة الإنچليزيّة، بينما يعتقد البعض أنّ في هذا رمزًا إلى مهندس الكون الأعظم.
للماسونيّة رموز عدّة، أشهرها تعامد مسطرة المعماريّ مع فِرجار هندسيّ. ولهذا الرّمز مَعنيان: معنى بسيط والذي يدلّ على حِرفة البناء ومعنًى باطنيّ والّذي يدلّ على علاقة الخالق بالمخلوق؛ إذ يرمز إلى زاويتين متقابلتين: الأولى تدلّ على الاتّجاه من أسفل إلى أعلى ويرمز إلى علاقة الأرض بالسّماء، والأخرى من أعلى إلى أسفل لتدلّ على علاقة السّماء بالأرض.
وهنالك عادةً حرف G بين زاوية القائمة والفِرجار، ويختلف الماسونيّون في تفسيرها، فالبعض يفسّرها على أنّها الحرف الأوّل لكلمة الخالق الأعظم (God) أو الإله، بينما البعض الآخر يعتقد أنّها تمثّل أوّل حرف من كلمة هندسة (Geometry).

** سريّة الهيكل التّنظيمي
من النّاحية التّنظيميّة هنالك العديد من الهيئات الإداريّة المنتشرة في العالم، وهذه الهيئات قد تكون، أو لا تكون، على ارتباط مع بعضها البعض. ويرجع عدم التّأكّد من هذا إلى السّريّة التي تحيط بالهيكل التّنظيمي الدّاخليّ للماسونيّة، إلّا أنّه في السّنوات الأخيرة بدأت الحركة تتّصف بطابع أقلّ سريّة. ويعتبر الماسونيّون أنّ ما كان يعتبر سرًّا أو غموضًا حول طقوس الحركة وكيفيّة تمييز الأعضاء الآخرين من التّنظيم، كان في الحقيقة تعبيرًا عن الالتزام بالعهد والولاء للحركة التي بدأها المؤسّسون الأوائل، وسارت على نهجها الأجيال المتعاقبة.
إنّ معظم محافل الماسونيّة هي تحت إشراف ما يسمّى المقرّ الأعظم الّذي تمّ تأسيسه عام 1717 في بريطانيا، ويطلق على رئيس هذا المقر الخبير الأعظم، حيث تعتبر غالبيّة الفروع في العالم المقرّ الأعظم في بريطانيا المرجع الأعلى لها.

** المبادئ والطّقوس
يصف البنّاؤون الأحرار (الماسونيّون) حركتهم على أنّها مجموعة من العقائد الأخلاقيّة، تمثّل الحبّ الأخويّ والحقيقة والحريّة والمساواة.
ورُغم ذلك هنالك الكثير من الغموض حول رموز وطقوس وتعاملات الحركة الماسونيّة. وفي السّنوات الأخيرة أدرك قادة الماسونيّة أنّ كلّ هذا الغموض لا يصبّ في صالحها، وأنّ السّريّة التي كانت ضروريّة في بدايات الحركة تمّ استعمالها لنشر الكثير من نظريّات المؤامرة حول الحركة.
اِستنادًا إلى الماسونيّين فإنّ الطّقوس المستعملة والتي يصفها البعض بالمرعبة ما هي إلًا رموزًا استعملها البنّاؤون الأوائل في القرون الوسطى، لها علاقة بفنّ العمارة والهندسة.

** شروط الانتساب
لكي يصبح الفرد عضوًا في الحركة الماسونيّة يجب عليه أن يقدّم طلبًا لمحفل فرعيّ في المِنطقة التي يسكن فيها، ليتمّ قبول الفرد أو رفضه في اقتراع بين أعضاء ذلك المحفل. يكون التّصويت على ورقتين: ورقة باللّون الأبيض في حال القبول، وأخرى بالأسود في حال الرّفض. وتختلف المقاييس من مقر إلى آخر، ففي بعض المقرّات صوت واحد رافض يعتبر كافيًا لرفض عضويّة الشّخص.
ومن شروط القبول: * أن يكون رجلًا حرّ الإرادة * أن يؤمن بوجود خالق أعظم بغضّ النّظر عن ديانة الشّخص المنتسب * أن يكون قد بلغ سنّ الرّشد (18 عامًا)، وفي بعض المحافل (21 عامًا) * أن يكون سليمًا من ناحية البدن والعقل والأخلاق، وأن يكون ذو سمعة حسنة * أن يتم تزكيته من قبل شخصين ماسونيّين على الأقل.

** الماسونيّة والدّين
لا تعتبر الحركة الماسونيّة نفسها ديانة أو معتقدًا بديلًا للدّين، ونظرتها عن فكرة المهندس الأعظم للكون/ الخالق الأعظم مطابقة للأديان السّماويّة الموحّدة الرّئيسَة. وبحسب الفكر الماسونيّ يعتبر العضو حرًا في اختيار العقيدة الّتي يراها مناسبة له للإيمان بفكرة الخالق الأعظم، بغضّ النّظر عن المسمّيات أو الدّين الّذي يؤمن به الفرد.

** نظريّة المؤامرة
يعتبر بعض المناهضين للماسونيّة وبعض المؤمنين بنظريّة المؤامرة، بأنّ المنظّمة في حقيقتها عبارة عن منظّمة سياسيّة واقتصاديّة هدفها الرّئيس هو الهيمنة على العالم.

** الرّئيس الأعظم
تمّ، مؤخّرًا، انتخاب الحيفاويّ سليمان سالم، رئيسًا أعظم للمحفل الماسونيّ الأكبر في دولة إسرائيل.
ولأنّ الضّبابيّة تحيق بالماسونيّة وتلفّها، والغالبيّة تجهلها وتهابها، أجرينا لقاءً خاصًّا مع الرّئيس الأعظم للمحفل الماسونيّ الأكبر في البلاد، لهدف الوقوف على بعض النّقاط المرتبطة بحركة اقترن اسمها بالصِّهيونيّة، وغلّفها الغموض، لأسباب عدّة..

– هل لك أن تعرّف قرّاء صحيفة “حيفا”، بدايةً، عن سليمان سالم؟
سليمان سالم حيفاويّ الأصل، من مواليد عام 1958، أسكن حيَّ الكبابير.. درست في المدرسة الابتدائيّة “نور”، ومن ثمّ انتقلت في المرحلة الثّانويّة للدّراسة في مدرسة “عيروني (أ)”. أحمل إجازة جامعيّة في إدارة الأعمال، وأعمل منذ 37 عامًا في بنك “ليئومي”. متزّوج، أب لابنتين، وجدّ لحفيدتين.
انتسبت إلى محفل “نعمان” الماسونيّ في مدينة حيفا، عام 1982، ومع مرور السّنين، تقدّمت في الرّتب الماسونيّة، إلى أن انتُخبت رئيسًا أعظمَ للمحفل الأكبر للماسونيّين في دولة إسرائيل.

– ما هي العوامل الّتي تحرّكك بعد تنصيبك رئيسًا؟
الوصول إلى هذه المرحلة، وترَؤُّس سلم الهرم، لم يكن بالأمر السّهل. وصلت إليه وتمّ انتخابي له، بعد سنوات من الانتساب والاجتهاد والمثابرة والعمل. لم يغيّرني المنصب، فكوني رئيسًا أعظمَ للمحفل الأكبر للماسونيّين في دولة إسرائيل، يضع على كاهلي مَهمّة كبرى، ويزيدني مسؤوليّة. في مثل هذه الرّتبة يجب عليّ إيجاد التّوازن الصّحيح بين العوامل الدّاخليّة الّتي تحرّكني (تحرّك الإنسان) والجانب الرّوحي الّذي يربطني بالخالق الأعظم، لهدف إدارة الحركة الماسونيّة في البلاد بشكل سليم وسالم.

– حدّثنا عن سرّ الضّبابيّة الّتي تكتنف الماسونيّة..
السّريّة مطلوبة في كلّ محفل، تمامًا كما هي مطلوبة في أيّ مكان عمل عاديّ بين طاقم العمّال والموظّفين، كما هي في المنزل الواحد بين الرّجل والمرأة، فلِمَ ينظر إليها في محافلنا بنظرة مغايرة؟ لِمَ تطلب منّي إلغاء خصوصيّتي والاستغناء عنها تمامًا، وأنت تحرص على الحفاظ على سريّة بيتك؟! نُسْأل فنجاوِب..!

– كم يبلغ عدد المحافل الماسونيّة في البلاد، وما هو عدد المنتسبين لها؟
هنالك 60 محفلًا ماسونيًّا في البلاد. وعدد المنتسبين إلى الحركة الماسونيّة والفعّالين فيها يبلغ 1100 منتسب. يوجد تعاون واضح بين المحافل المختلفة، في داخل البلاد وخارجها أيضًا. هنالك محافل يتمّ التّحدّث فيها بلغات مختلفة، قد تصل إلى 8 لغات. يدفع المنتسبون رسوم تسجيل سنويّة تصل إلى 2500 شيكل، تكلفة العضويّة، وتُستخدم لدفع ثمن مآدب الغذاء حول المائدة البيضاء، مرّة في الشّهر.

– ما علاقة الماسونيّة بالصِّهيونيّة؟
لنفترض أنّ الماسونيّة كلمة مرادفة للصّهيونيّة، كما تدّعي الغالبيّة نتيجة جهلها للأمور؛ فدولة إسرائيل في المبدأ، قامت نِتاج الصّهيونيّة العالميّة، ومن المعلوم أنّ غالبيّة السّكان اليهود صهايِنة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فإن كانت الماسونيّة مرادفة للصّهيونيّة – كما تدّعي الغالبيّة – فمن المفترض أن تكون هذه الغالبيّة منتسبة إلى الحركة الماسونيّة الّتي تتوافق مع أفكارهم، ووفق حسابات بسيطة كان من المفترض أن يصل عدد المنتسبين إلى الحركة الماسونيّة، إلى نصف مليون يهوديّ صِهيونيّ وأزيدَ من 100 ألف عربيّ مُتَصَهْين.. إلّا أنّ عدد المنتسبين من العرب واليهود لا يتعدّى الـ 1100 عضو فقط! وهذا يُبطل الفكرة من أساسها. الماسونيّة ليست نِتاجَ الصِّهيونيّة، إنّ الحركة الصّهيونيّة قامت قبل نحو 150 عامًا، بينما الماسونيّة المُؤسّسة قامت قبل نحو 300 عام. لذا فكلّ مَن يدّعي أنّ الماسونيّة حركة صِهيونيّة كلامه ساقط وباطل ولا يقبله أيّ عاقل. لا يوجد أيّ إثبات لدى أيِّ كان بأنّنا منظّمة صِهيونيّة.. أنا “لا دينيّ ولا سياسيّ”. تجد لدينا منتسبين من أحزاب وأقطاب سياسيّة متناقضة ومختلفة. ونحن لسنا طابورًا خامسًا كما يدّعي البعض.

– ومع ذلك، يُقال بأنّ الماسونيّة تنظيم سياسيّ..
لا يمكنك إثبات ذلك بتاتًا. الماسونيّة بخلاف ما يُروّج عنها، لا يتدخّل أعضاؤها في الأمور السّياسيّة والدّينيّة بتاتًا. في محفل واحد يمكنك أن تجد منتسبًا ينتمي إلى “البيت اليهوديّ” وآخر ينتمي إلى “التّجمّع الوطنيّ الدّيمقراطيّ”، تجمعهما الإنسانيّة تحت سقف واحد. فلا رابط سياسيّ ولا دينيّ ولا عقائديّ يجمع بينهما، سوى الحديث الإنسانيّ والاحترام المتبادل إلى أقصى الحدود. نستغلّ الاختلافات والتّناقضات لا للتّناحر، بل لتقبّل الآخر واحترام آرائه وتقبّله وفهمه، وهذا ما يجعل الحركة مميّزة تقرّب بين أقطاب وأفراد مختلفة في المجتمع الواحد وباقي المجتمعات.

– العلاقة نقيضة بين الماسونيّة والأديان..
على العكس تمامًا. هنالك مفهوم مغلوط وإشكاليّة بهذا الخصوص. لِمَ يجب علينا الانصياع التّام والأعمى للدّين من دون أن نملك التّحليل والتّفكير السّليم والواعي لمناقشته وفهمه. الاجتهاد في الدّين مطلوب، ونحن نجتهد لنغوص به ونفهمه أكثر. مَن قال إنّ رجال الدّين مرفّعون عن الخطأ. إنّ الموقف الدّيني من الماسونيّة يعود لأسباب تسلّط وتحكّم المحافل الدينيّة، وخاصّةً المسيحيّة منها، على زمام الحكم والسّلطة في عهود تاريخيّة سابقة. إنّ السّلطة الكنسيّة اليوم عبارة عن سلطة روحيّة لا سلطويّة. لم تعد أمام الكنائس إمكانيّة السّيطرة السّياسيّة وفرض الحرمان كما كان متّبعًا في السّابق. لكنّنا ما زلنا نحمل مرارة الماسونيّة نتيجة هذا الحرمان. الماسونيّون المتواجدون في هذه البلاد من أكثر الأشخاص خدمةً وعطاءً وانتماءً للأديان السّماويّة الثلاثة، في الكُنس والكنائس والجوامع.

– ما هي الفكرة الأساس من وراء الماسونيّة؟
تحويل المجتمع إلى مجتمع راقٍ وصالح. نحن لا ندحض الفكر السّياسيّ أو الدّينيّ أيًّا كان هذا الفكر، ولكنّنا نحاول أن “نرتقي” إلى مستوى أعلى. يتمّ التّعامل فيما بيننا ومع الآخرين، حسب المبادئ الإنسانيّة، من دون أيّ مرجعيّة عرقيّة أو لغويّة أو دينيّة أو سياسيّة أو غيرها، ولكنّنا في المقابل نحافظ على خلفيّات وسمات الشّخص ونحترمها. نحترم الإنسان بكلّ ما يملك.. لا نطلب منه أيّ تنازلات، لا دينيًّا ولا سياسيًّا.. نحن ننظر إلى الفحوى الأساس، إلى الإنسان. التّعامل فيما بيننا مربوط على أساس كوننا بشرًا. كلّ النّقاشات تتمّ وفق مفهوم ديمقراطيّ، نحترم الآخر لأنّ الرّابط بيننا وبينه هو إنسانيّ صرف، نتعامل بالمحبّة. ادّعاءات الجاهلين والمحرّضين والأفكار المسبّقة عن الماسونيّة بأنّنا ضدّ الدّين والسّياسة وبصدد بناء دولة عظمى، مغلوطة وعارية عن الصّحّة.

– بما أنّكم حركة إنسانيّة، لِمَ لا تناهضون الاحتلال؟!
نحن لا نعمل كحركة سياسيّة، ولا نصدر قرارات من داخل المحافل تتعلّق بأمور سياسيّة. نحن حركة تؤمن بالمساواة والخير والسّلام وندعو للعمل بها لنجعلها جزءًا من ذاتنا. هدفنا الارتقاء بالمجتمع ونشر الإنسانيّة، ولكلّ منّا حريّة التّصرف الفرديّ خارج الإطار الماسونيّ وفق رؤيته وانتماءاته.

– تؤمنون بالمساواة والسّلام، وتغيّبون المرأة..
إنّ الحركة الماسونيّة حركة رجاليّة في أساسها. أسّسها عمّال بناء ماهرون، كانوا يجتمعون بعد يوم عمل طويل وشاقّ لتداول الأمور الحياتيّة. حيث عمل المعماريّون/البنّاؤون الأحرار المهَرَة في بناء الجسور والقصور والكاتدرائيّات، فسُمح لهم في التّنقّل للعمل بين مدن أوروبيّة مختلفة، فكانوا يلتقون لتبادل الأفكار والتّشاور. إنّ تغييب المرأة يأتي لسبب تاريخيّ وتقليديّ، حيث قرّر البنّاؤون الأحرار المُضيّ بالطّريقة ذاتها والحفاظ على الشّروط التّقليديّة. نحن نجلّ المرأة ونحترمها ونكرّمها إلى أبعد الحدود. ننظّم حفلًا خاصًّا، مرّة كلّ عام، لنحتفل بقدوم الرّبيع واحتفاءً بالمرأة في يومها وعيدها، حيث تحضر الحفل النّساء، فيدخلنَ المحفل ويُكرّمنَ.

– تعيشون تناقضات يوميّة..
جميعنا يعيش تناقضات حياتيّة مختلفة. نعيش المتناقضات ما بين داخل المحافل وخارجها. حيث تفترش أرضيّة المحفل سجّادة أشبه برقعة الشّطرنج، أو ترصف الأرضيّة ببلاطات من الأسود والأبيض. تمثّل هذه المربّعات المتناقضات الّتي نعيشها يوميًّا. لولا المتناقضات لما تطوّرنا. الأسود والأبيض يمثّل كلّ شيء ونقيضه.. ملحد/متديّن، نجاح/فشل، كبير/صغير، امرأة/رجل، وغيرها من التّنافضات.. لذا علينا أن نعلم متى يفضّل أن ندوس على الأسود أو الأبيض..!

– تقومون بالتبرّع خُفيةً لمؤسّسات معيّنة..
لا يتمّ العمل في الخُفية بتاتًا. تمّ، مؤخّرًا، التبرّع بـ40 ألف شيكل لـ20 طالبًا جامعيًّا، حيث أعلن مسبّقًا عن شروط التّقديم للمنحة. كما تمّ، على مشارف السّنة الدّراسيّة، توزيع أزيدَ من 1200 حقيبة على الطّلّاب المحتاجين من الوسطين، العربيّ واليهوديّ، في كافّة أنحاء البلاد. نجري سنويًّا حفلًا خيريًّا نتبرّع بمدخوله إلى مؤسّسات مختلفة، ونقوم بدعم مؤسّسة “قلب يسوع”. ندأب على تقديم المعونة والدّعم لكلّ مَن نجده يحتاج ذلك لهدف خدمة المجتمع. نؤمن بالمساعدة والانتماء واحترام البشريّة، وحبّ الآخر والعطاء.

– هل تجمعكم روابط بين نادي “الرّوتاري” و “اللّيونز”؟
لا يوجد أيّ علاقة أو رابط بين النّاديين والحركة الماسونيّة. لا يوجد أيّ تنسيق بينهم، فمفهوم الماسونيّة يختلف كليًّا عن مفاهيم باقي الحركات والنّوادي، إلّا أنّ هذا لا يمنع انتساب أيٍّ من أعضاء النّاديين لحركة الماسونيّة بشكل منفرد.

– وما هي علاقة الحكومات بالماسونيّة؟
لا علاقة للحكومات بالماسونيّة بتاتًا، رغم انتساب عدد من الرّؤساء والملوك لهذه الحركة، أيضًا.

– مفهوم الماسونيّة مركّب..
مفهوم الماسونيّة أبسط بكثير ممّا تعتقد. الماسونيّة تدعو إلى التّآخي بين الشّعوب، إلى المحبّة، إلى ممارسة الحريّات المطلقة، دون التعدّي على حريّة الآخر وبعيدًا عن الفوضى. نؤمن بالحريّة الدينيّة والسّياسيّة والإثنيّة، وغيرها.. وهذه أمور فِطريّة، باعتبار أن أفكار الإنسان وتصرّفاته جِبليّة، وموجودة في النّفس قبل التعلّم والتّلقين والتّجربة. مفهوم الماسونيّة يتلاءَم مع أيّ إنسان ديمقراطيّ يملك حِسًّا بشريًّا ويؤمن بالسّلام والتّآخي والمحبّة. نؤمن بحبّ الآخر لهدف الارتقاء بالعلاقات البشريّة والتّرفّع عن كلّ المفاهيم المغلوطة.

– ورغم “الترفّع”، لديكم أخطاء..
نحن لا نملك جهازًا كاشفًا للضّمير الإنسانيّ النيّر، منعًا من الوقوع في أخطاء ومطّبات. نحاول بما أوتينا من حكمة ومعرفة تقييم الغير وتقييم ذاتنا. نحن بصدد تحسين الذّات بشكل دائم، لهدف تحسين العلاقات المجتمعيّة فيما بيننا. نحاول أن نحسّن لنكون أفضل.

– ومع ذلك؟!
لا يمكننا أن نكون تنظيمًا شاملًا. قال المسيح: “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”.. أراد بذلك أن يعلّم درسًا بليغًا في العدالة والاعتدال في كلّ شيء. إنّها الطّريقة المثلى للتّعامل مع الغنى والالتزام والمساهمة في خلق مجتمع أفضل. وفي المقابل الحفاظ على الله في مقام أوّل لائق به. بما معناه يجب فصل الدّين عن السّلطة/السّياسة. لا آتي هنا لأشرّع ولا لأبشّر ولا لأكرز باسم الماسونيّة. هدفنا توظيف اجتهاداتنا في أماكن أخرى لهدف الارتقاء بمجتمع الأفكار المسبّقة والأحكام الجائرة، الارتقاء بمجتمع يتأصّل بأمور لا يمكنه نقاشها أو الحياد عنها.

– تدّعون التّميّز الفكريّ والفلسفيّ.. أتصنّفون أنفسكم من أهل العلياء في المجتمع؟!
نصبو لنكون فنار البشريّة والإنسانيّة، نرتقي بتفكيرنا البشريّ. نشعر وكأنّنا فلاسفة في الإنسانيّة، في الانفتاح على الآخر وتقبّله. فلو تأثّر الآخرون بفكرنا وعمل به لحلّ السّلام منذ مدّة طويلة بين البشر!

– ماذا أعطتكَ الماسونيّة؟
أعطتني الماسونيّة إمكانيّة التّحرّر فكريًّا وإنسانيًّا، بعيدًا عن أصفاد وقيود كان تحدّني وتكبّلني في السّابق. الحريّة لدينا ليست مطلقة ونحن لسنا كاملين، لكنّنا نصبو إلى الكماليّة. عندما نتعامل فيما بيننا وفق هذه الصّيغ سنتبادل الآراء ونتعرّف إلى الآخر وبهذا سنرتقي بالمجتمع.

– كيف يمكنكم الدّمج بين الماسونيّة والقوميّة الفِلَسطينيّة؟
إنّ أكثر الأمور تعقيدًا وتركيبًا أن تكون عربيًّا فِلَسطينيًّا، مسيحيًّا أو مسلمًا أو درزيًّا، وتقطن دولة إسرائيل.. عليك أن تترفّع عن كافّة هذه التّعريفات/ “اللّاصقات” والقيود المكبّلة، وفي الوقت ذاته عدم التّفريط بها والحفاظ عليها، ولا أجد أيّ تناقضات في ذلك. نحن لم نَختر قوميّتنا ولا ديننا.. ولدنا لنكون إنسانيّين، وكلّ منّا يُعامَل ويتعامل مع الآخر بحسب إنسانيّتهِ.

– كلمة أخيرة، ونحن على مشارف مرور قرن ثالث على الماسونيّة..
نعم.. سأشارك هذا العام، بصفتي الرّئيس الأعظم للمحفل الماسونيّ الأكبر في دولة إسرائيل، في احتفالات القرن الثّالث (300 عام) على تأسيس الماسونيّة في إنچلترا. لم تأتِ الماسونيّة لتغيّر المجتمع أو تقلب المعايير المعيشيّة الحياتيّة.. هدفها الرّئيس بناء إنسان أفضل.
unnamed (34)

unnamed (33)

unnamed (32)

unnamed (31)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *