أولويات نتانياهو بعيدة عن السلام … وديع أبونصار

مراسل حيفا نت | 06/12/2009

وديع أبو نصار 

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا بأن ما يوصف بأنه تجميد للاستيطان في الضفة الغربية ما هو إلا أمر مؤقت ولمرة واحدة، محاولا التلميح للعالم عامة وللعرب خاصة وكأن الفلسطينيين "يضيعون هذه الفرصة الثمينة" من جهة ومحاولا من الجهة الأخرى الحد من الانتقادات الموجهة له، لاسيما من رموز اليمين الإسرائيلي، بأن"حكومته أسوأ من الحكومات التي قادها اليسار من حيث معاداة الاستيطان".وقد جاء إعلان نتانياهو هذا في ظل تقبل أمريكي صامت لخطوته هذه ولكن في ظل نقد دولي، لاسيما أوروبي، ورفض عربي جارف لما وصف بأقل من الحد الأدنى المقبول ليس فقط لأن التجميد المزعوم للاستيطان لا يشمل أحياء القدس التي احتلت في العام 1967 وليس فقط للاستثناءات العديدة التي تعطى للمباشرة بأعمال بناء جديدة في المستوطنات، بل بالأساس لأن أعمال البناء لا تزال مستمرة في معظم المستوطنات، وإن كان بحجج مختلفة أبرزها بأن هذه الأعمال أقرت في الماضي.

ومن الواضح بمكان بأن ما يوصف وكأنه تجميد للاستيطان في الضفة الغربية جاء كخطوة محسوبة جيدا من بنيامين نتانياهو. فبعكس ما يشيع من أنه مستعد لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين والتوصل إلى حل دائم للصراع معهم، إلا أنه من الواضح بأن نتانياهو معني إما بالتفاوض من أجل التفاوض، أي إظهار نفسه كمن يبحث عن السلام في حين لن يقدم شيئا ملموسا للفلسطينيين؛ أو أنه معني بأن يفرض وجهة نظره حول حل الصراع والتي تتلخص برغبته رؤية كيان فلسطيني هش مسؤول عن إدارة الحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وبدون أي سيادة حقيقية على أرض الواقع.

لكن، في ظل الرفض الفلسطيني وغياب ثقة معظم أقطاب المجتمع الدولي بنتانياهو وفهمهم لنواياه، فإن نتانياهو طرح التجميد المذكور للاستيطان إرضاء للأمريكيين أكثر منه رغبة في مفاوضة الفلسطينيين.غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، لا بل هنالك من يعتقد بأن نتانياهو معني بإرضاء الأمريكيين ليس فقط لتخفيف ضغطهم عليه بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث يكاد الضغط الأمريكي يكون معدوما في هذا الصدد، بل بالأساس لمقايضة الأمريكيين على موقف أكثر صرامة من إيران، التي يرى بها نتانياهو الخطر الأكبر ليس فقط على أمن إسرائيل بل أيضا على بقائها.

وكما يبدو، فإن نتانياهو مقتنع بأن لا حاجة لإسرائيل أن تسرع لحل صراعاتها مع العرب عامة ومع السوريين والفلسطينيين خاصة، ليس فقط لأن موازين القوى مع هؤلاء هو في صالح إسرائيل، بل أيضا لاعتقاده بأن كل يوم يمضي يساعد إسرائيل في خلق وقائع جديدة على الأرض، لاسيما في المناطق العربية المحتلة (الجولان والضفة الغربية بما يشمل القدس)، التي قد تساعد إسرائيل في المستقبل على تقليل سقف التنازلات التي قد تقدمها لهذه الأطراف العربية.

إضافة إلى ذلك، فإن الكثير من الإسرائيليين باتوا مقتنعين بأن العرب وليس فقط الفلسطينيون منقسمون على أنفسهم ومشغولون بخلافاتهم الداخلية ومن ثم فإن قدرتهم على التأثير على المجتمع الدولي عامة والإدارة الأمريكية خاصة محدودة جدا.لذلك، وفي ظل تعاظم قوة إيران العسكرية وقدرات الحركات الأصولية المرتبطة بها، فإنه ليس من المستغرب بأن نرى قادة إسرائيل ولا سيما بنيامين نتانياهو يعطون أولوية للملف الإيراني، لا بل هنالك من يعتقد بأن "التنازل" الإسرائيلي في موضوع الاستيطان أتى استرضاء للأمريكيين ورغبة منه في الحصول على "ثمن" أمريكي بحيث لا يقتصر هذا "الثمن" على صمت أمريكي إزاء عدم انصياع إسرائيل للقانون الدولي بما يتعلق بالقضية الفلسطينية بل ليشمل أيضا إجراءات أمريكية أكثر صرامة ضد إيران.

ففي الوقت الذي يعتقد فيه نتانياهو بأن كل يوم يمر في صراع إسرائيل مع العرب يعمل لصالح إسرائيل فإنه يبدو مقتنعا بأن أي يوم يمر في صراع إسرائيل مع إيران يعمل لصالح إيران، وبالتالي نراه يسعى جاهدا "لمعالجة" الملف الإيراني في حين يتنصل فعليا من استئناف مفاوضات جدية لا مع الفلسطينيين ولا مع السوريين.

لا بل ان المتحدثين الإسرائيليين، لا سيما المحسوبين على اليمين، يذهبون إلى الادعاء بأن إيران لا تشكل خطرا على إسرائيل وحسب بل على ما توصف بالأنظمة العربية "المعتدلة"، ويذهب البعض الآخر إلى الادعاء بأن الصواريخ الايرانية بعيدة المدى من شأنها أن تشكل خطرا حتى على بعض الدول الأوروبية. وتأتي هذه الادعاءات من باب محاولة تجنيد أكبر قدر ممكن من الدعم الدولي للمطالب الإسرائيلية المنادية باتخاذ إجراءات صارمة لردع إيران من تطوير قدرات قتالية ولاسيما أسلحة غير تقليدية.إن منح نتانياهو أولوية للملف الإيراني على حسابات الملفات العربية وبالذات الفلسطيني منها يدل على جهل أو تجاهل لدى بنيامين نتانياهو للدور المحوري للقضية الفلسطينية في استقرار الشرق الأوسط. لكن، يبدو أن نتانياهو ينطلق بتحركاته من حسابات ضيقة التي لا نوافق معها لكن نتفهمها.

من ثم، لا يمكن لوم نتانياهو وحده لتوصله إلى الاستنتاج وكأن معالجة الملف الإيراني هي الطريق الأفضل لخلق استقرار أفضل في المنطقة، فالانقسام العربي وضعف أداء الأطراف العربية على اختلافها ساهم بتوصل نتانياهو إلى هذا الاستنتاج.لذلك، إذا ما أراد العرب عامة والفلسطينيون خاصة تغيير الوضع الحالي لصالحهم عليهم عدم التعويل على تصريح أمريكي هنا وآخر أوروبي هناك، بل عليهم أخذ زمام المبادرة والتحرك على أكثر من صعيد لطرح أنفسهم كلاعبين جديين ومؤثرين، وإلا فسيبقوا هامشيين ليس فقط إزاء القوى الدولية بل إيضا إزاء القوى غير-العربية في منطقة الشرق الأوسط.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *