مغارة الميلاد إبداع فني يبهر الناظر في كنيسة الملاك جبرائيل الحيفاوية

مراسل حيفا نت | 01/12/2009

بعد شهرين من العمل الدؤوب والإبداع الفني أنهى فرسان رعية كنيسة الكاثوليك في حيفا، وبإشراف الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى (الرئيس الروحي للروم الملكيين الكاثوليك) التحفة الفنية الرائعة في كنيسة الملاك جبرائيل ألتي تقع في حي المحطة الحيفاوي، ألا وهو مشروع مغارة الميلاد.
 فمن يتجول في أرجاء المغارة يعود به التاريخ الى فترة السيد المسيح، قرية بيت لحم( حيث مولد السيد المسيح)، قرية بيت ساحور(حيث الرعاة الساهرون) القدس،الحضارة الرومانية، حدث التجسّد، بيت القديسين يواكيم وحنّة، نبع الماء، مغارة الميلاد (بيت لحم)،وكلّ ما يحيطها من معاني ورموز( على سبيل المثال:العذراء مريم،الحضور الفارسي للمجوس،يوسف خطيب مريم).
 تفتح المغارة أمام الجمهور بالتنسيق مع المشرفين على المشروع وتكون الزيارة مجانية تعليمية يرافقها الشرح.
بقي أن نقول أنّ هذا العمل الإبداعي حيث تتدفق المياه، وتسمع أصوات الحيوانات، والإنارة التي تضفي أجواء تجعلك تغوص في عمق التاريخ، المجسّمات،الزينة، الحياة الزراعية البسيطة وغيرها، فرصة ذهبية للإطلاع على العصر الذي عاشه السيد المسيح خاصة لدى طلاب المدارس والروضات.

اضغط play لمشاهدة جميع الصور ولكن اذا كانت خلفية الالبوم لون احمر اضغط على refresh او רענן(F5)

 

 

بعد تشغيل الفيديو إضغطوا على  حتى تملىء الخلفية الرمادية  لكي تشاهدوا الفيديو بشكل سريع

المغزى الروحيّ لمغارة كنيسة الملاك جبرائيل

محطة الكرمل – حيفا

ميلاد 2009

          كعادتِنا في كلّ عامٍ وكقناعةٍ راسخةٍ منا بأهميّة التحضير الروحيّ لحدثٍ عظيمٍ تمّ في بيت لحم، حدثِ التجسّد الإلهي وليس كما اعتدنا القول "عيد الميلاد". إنّه ليس عيدًا لميلاد شخصٍ عاديّ ولا يمكن لهذا الحدث أن يكون كذلك لأنّه حدث صيرورةِ الله مولودًا كطفلٍ من أمٍّ لم تعرفْ زواجًا. ففي بدء إنجيله المقدّس، عبَّرَ القدّيس يوحنا الحبيب بكلماتٍ لاهوتيّة مُحلِّقةٍ كالنّسر في أجواء السّماء، عبَّرَ عن هذا الحدث العظيم والرهيب حين قال: "في البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة الله … والكلمةُ صار بشرًا وسكن فيما بيننا (في النصّ اليونانيّ الفعل "سكن" يأخذ طابعًا يذكّرنا بخيمة العهد في العهد القديم وتفسيره "والكلمة صار بشرًا ونَصَبَ خيمتَه فيما بيننا" (يوحنا 1: 1، 14). وكم هو بليغٌ كلامُ القدّيس بولس عن هذا الحدث العظيم إذ قال في رسالته إلى أهل فيلبي: "هو في صورة الله، ما اعتبرَ مساواتَه لله غنيمةً له، بل أخلى ذاتَه آخِذًا صورة عبدٍ، صائرًا شبيهًا بالبشر …" (فيلبي 2: 6-7). ويَصِفُ القدّيس إيريناوس في أواخر القرن الأول للمسيحيّة سرّ التجسّد الإلهي بقوله الشهير: "لقد صار الإلهُ إنسانًا، لكي يُصبح الإنسانُ إلهًا".

          وانطلاقًا من هذه الروحانيّة الإيمانيّة سأُقدّم لكم بعضًا من تصوراتي العمليّة من ناحية الشرح المفضَّل أن يكون لعامّة الشعب القادمين لزيارة المغارة ليأخذوا معهم وإلى بيوتهم وعائلاتهم زوّادةً روحيّة ويجعلوا من قلوبهم مكانًا لتجسّد السيّد له المجد والإكرام.

1.    مدخل المغارة الرئيسي: الحضارة الرومانيّة وحدث التجسّد

          يُدعَى هذا المدخل في التقليد الكنسيّ الشرقيّ "النرثكس" أي المكان المخصَّص "للموعوظين" أي الذين لم يقتَبِلوا بعد سرَّ العماد المقدّس ليكونوا في عِداد الجماعة المسيحيّة، فيبقَون واقفين في آخر الكنيسة ولا يُسمَح لهم بالمشاركة في الذبيحة الإلهيّة.

          في الجوّ نفسِه نُلاحظُ أنّ المغارة فعلاً بيَّنتْ هذا المكان على أنّه يُمثِّل البُعد الرومانيّ الوثني لأنّنا نعلمُ جميعًا أنّ فلسطين في تلك الحقبة كانت مُحتَلَةً من قِبَلِ الإمبراطوريّة الرومانيّة الوثنيّة وقد كان قرارُ يوسف الذهاب إلى بيت لحم في تلك الفترة بناءً على القرار الذي أصدره الإمبراطور أغسطوس قيصر بإحصاء كلّ المسكونة (لوقا 2: 1). بمعنى آخر، البُعد الرومانيّ في المغارة يُعبِّر عن الأجواء الرومانيّة التي كانت مسيطرة على فلسطين. هذا هو السببُ الأول.

          السببُ الثاني لأهميّة هذا الحضور الرومانيّ هو أنّ الرومان كانوا يَحتفِلون في الخامس والعشرين من شهر كانون الأول من كلّ عام بعيد ميلاد الشمس التي لا تُغلَب ولا تَغيب. وقد كان هذا العيدُ عيدًا وثنيًا بحتًا، كانوا يحتفلون به من خلال شعائر دنيويّة كالاحتفالات الصّاخبة وشرب الخمر حتى السكر …

          فعندما تنصَّرت الإمبراطوريّة الرومانيّة وأصبحت المسيحيّة هي الديانة الرسميّة للإمبراطوريّة، أراد المسيحيّون إخفاء مظاهر الوثنيّة وأعيادَها. وبما أنّ السيدّ المسيح بالنسبة للمسيحيّين هو شمسُ العدل وهو نورُ العالم، فاستبدلوا عيد ميلاد الشمس بعيد ميلاد السيّد المسيح الشمس التي لا تُغلَب ولا تَغيب، وهكذا جرت العادة منذ ذلك الحين.

 

2.    بيت القدِّيسَين يواكيم وحنّة

          إنّ هذين القدّيسَين غير مذكورَين بتاتًا في الأناجيل المقدّسة. إلا أنّ التقليد الكنسيّ يذكرهما على أنّهما والدا العذراء الطّاهرة. ويُقال أنّهما كانا مؤمنَين جدًّا وتقيَّين ولم يُرزَقا بطفلٍ في حياتهما (بحسب التقليد 50 سنة بدون إنجاب). وقد نذرا بأنّه إذا جاءهما طفلٌ صبيٌّ كان أم بنتٌ سيقدّمانه لخدمة الهيكل. وبالفعل، فعندما وَلَدَتْ حنّة العذراء الطّاهرة وقد بلغت مريم عامَها الثالث قدّماها لخدمة الهيكل وقدس الأقداس كتهيئة لتكون فيما بعد قدس أقداس الربّ يسوع وقد لازمت العذراءُ الهيكلَ فترةً من الزمن قبل أن تُخطَبَ لرجلٍ من بيت داود اسمُه يوسف.

          لا بدَّ من الإشارة هنا إلى موضوعٍ بالغِ الأهميّة في تلك الحقبة من التاريخ إذ كان اليهودُ في فلسطين يعيشونَ حقبةَ الانتظار المسيحانيّ (أي مجيء المسيح) من عذراء يهوديّة  انطلاقًا من سِفر أشعيا الذي نَجِدُهُ بين يدَي يواكيم: "ها إنّ العذراء تحبلُ وتَلِدُ ابنًا تُسمّيه عمّانوئيل" (أش 7: 14). وعلى هذا الأساس نَجِدُ أيضًا إلى جانب بيت هذين القدِّيسَين مشهدَ بشارة العذراء في قرية الناصرة على يد الملاك جبرائيل.

 

3.    نبـــعُ المـــاء

          في آخر يومٍ من العيد أعلنَ يسوع عن نفسِه بأنّه "الماءُ الحيّ" وقال: "إنْ عَطِشَ أحدٌ فليُقبِلْ إليَّ ويَشرَب. من آمنَ بي، كما قال الكتاب، تَجري من جوفِه أنهارُ ماءٍ حيّ" (يوحنا 7: 37-38). كما ويُمكِنُنا الاستعانة بالحوار الذي جرى بين يسوع والمرأة السامريّة في إنجيل يوحنا الفصل الرابع عن الماء الحيّ.

4.    مدينة القدس

          إن القدس وبيت لحم بلدتان مرتبطتان الواحدة بالأخرى والسبب في ذلك لاهوتيّ. فنحن نؤمن أنّ يسوع الكلمة الإلهيّة المتجسِّد في بيت لحم إنّما جاء ليُخلِّصنا والخلاص النهائيّ حدث في القدس بالصّلب والقيامة أي أنّ التجسّد مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بحدث الصلب والقيامة ولذلك فالإيقونة البيزنطيّة ترسم الطفل ملفوفًا بِقُمُطٍ إشارةً إلى موته المحيي.

          إنّه ليس وليدَ الصُدفةِ أن نرى بقربِ مدينة القدس مرورَ يوسف ومريم الحبلى بالربّ وهي تَنظُرُ إلى هذه المدينة بعيونٍ تَغمرُها حزنٌ وألم لأنّ سمعان الصّدِّيق قد تنبَّأَ عن أنّ "سيفًا سيجوزُ في نفسِك (أي مريم)" (لوقا 2: 35) وهذا السيف سيكون آلامَ وموتَ ابنِها الوحيد على خشبة الصَّليب.

 

5.    مدينة الرعاة السّاهرين "بيت ساحور" (لوقا 2: 8-20)

          لا يُمكنُنا أن نُغفِلَ ذكر الرعاة السّاهرين على خرافهم وقُطعانِهم والذين كانوا أولَ مَن تبلّغَ البُشرى السارة بميلاد طفل المغارة على يد الملائكة الذين ظهروا لهم في السّماء يُبشّرونهم قائلين: "المجدُ لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة. وُلِدَ لكم اليوم مخلِّصٌ في مدينة داود وهو المسيحُ الربّ". وحالاً وبدون تأخير ذهبَ هؤلاء الرعاة إلى مدينة بيت لحم ليرَوا المسيح الملك ويُقدِّموا له هداياهم الوضيعة والبسيطة. وهل أنت على مثال هؤلاء الرعاة تذهبُ إلى بيت لحم لتقدّم للمسيح هديتك؟ وما هي الهدية التي تنوي أن تُقدِّمَها له؟

 

6.    مغارةُ الميلاد

1)   معنى المغارة الروحيّ        

نَصِلُ معًا إلى محور عملِنا ومركزِه، إنّها المغارة التي احتضنت في داخلها الطفلَ الإلهيّ، طفلَ المغارة. للمغارة دلالاتٌ عميقة على الصعيد الشخصيّ يجب أن نُركِّزَ عليها في جولاتِنا مع الجميع: المغارةُ هي القلب الذي يجب أن يولد فيه الطفلُ الإلهيّ ليُحوِّلَه من قلبٍ متحجِّرٍ إلى قلبٍ وديع كوداعة الأطفال. إنّ يوسف ومريم لم يَجِدا في تلك الليلة مكانًا تضعُ فيه مولودَها، فهل يكون قلبُك هو المكان؟ هل تكونُ عائلتُك هي المكان؟ هل تُريد حقيقةً أن يولد الطفلُ الإلهيّ في بيتك الخاص وفي عائلتك وفي قلبك؟

 

 

 

 

 

 

2)   العذراء مريم

          نرى في المغارة الأمَّ العذراء الطّاهرة الصّامتة المتأمِّلة في هذا الحدث الإلهيّ الذي يَصعُبُ على عقلنا أن يُدرِكَه ويتصوَّرَه بدون الإيمان. مريم المؤمنة بمشيئة الله وإرادتِه هيَّأتْ من إيمانِها البسيط مكانًا وضيعًا لاستقبال المولود الإلهيّ بنُطقِها "نعم، أنا أَمَةٌ للرّبّ فليكن لي بحسب قولك". من هنا يُمكِنُنا القول بأنّ مريم هي "حواءُ الجديدة" التي مَنَحَتِ الخلاص للجنس البشريّ بأكمله.

 

3)   يوسف خطيب مريم

          ما نراه في يوسف أُبُوَّةً بالتبنّي ليسوع. إنّه مِثالُ الإنسان المتوكِّلِ على الله والإنسان الذي يعمل ولا يتكلّم. مع أنّه إنسانٌ واقعٌ في حيرةٍ من أمره بسبب حَبَلِ مريم وميلادِها البتوليّ إلا أنّه خادمُ السرّ الإلهيّ وحاميه.

 

4)   الحضور الفارسيّ ممثَّلٌ بالمجوس (متى 2: 1-12)

          استخدمت الكلمة اليونانية magos   في البداية للإشارة إلى أفراد سبط ميديّ تولّى المهام الكهنوتية في إمبراطورية مادي وفارس. وكان هؤلاء الكهنة ذوي قدرة على تفسير بعض العلامات والأحلام وتضمّنت ممارساتهم السحر والشعوذة. لكن بالإضافة إلى هذه الاستخدامات السلبية، فقد استخدمت الكلمة أيضًا للإشارة إلى "من يمتلك معرفة وحكمة فائقتَين". لقد قدّم المجوس للطفل الإلهيّ عطاياهم عن حبٍّ وإيمان، قدَّموا له ذهبًا ولبانًا ومرًا، وكان الذهب يرمز إلى السيد المسيح كملك، واللبان يرمز إليه ككاهن، والمر يرمز إلى آلامه التي سيُقاسيها من أجلنا.

 

          أخيرًا يبقى السؤال: الأرضُ قدَّمت للطفل يسوع المغارة؛ السّماء قدّمت له النجم؛ الرعاة والمجوس الهدايا وأنتَ يا أيُّها الزائرُ الكريم لهذه المغارة، ماذا تُريد أن تُقدِّمَ للطفل يسوع؟ سؤالٌ ينتظرُ جوابًا شخصيًّا ويتطلَّب من مجيبه فحصَ ضميره وتقييمَ حياته على ضوء هذا الحدث العظيم. هذا هو هدفُنا من كلّ ما فعلناه هنا في مغارة بيت لحم.

 

الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *