مدارسنا العربية.. وطلاب الهيب هوب – مطانس فرح

مراسل حيفا نت | 28/11/2009

صعدت بداية الأسبوع المنصرم، إحدى الحافلات في ساعات الظهيرة، قاصدًا كرملنا الجميل. كانت الحافلة تقلّ عددًا لا بأس به من المسافرين، من كافة الأعمار والأطياف والأديان؛ إلاّ أنه لفت انتباهي وجود عدد كبير من طلاب مدارسنا: الابتدائيّة، والإعداديّة، والثانويّة منها، داخل الحافلة.
لأوّل وهلة، ظننت أنّني قد أخطأت هدفي؛ فأصوات الموسيقى الصاخبة الصادرة من أجهزة الهواتف النقّالة، وأجهزة الـ MP4 (اللاعب الموسيقي) التي يحملها طلاّبنا وطالباتنا، تشعرك وكأنك تستقلّ حافلة لفرق موسيقى الـ "بوب" والـ "هيب هوب" والـ "روك" وغيرها.. ولفرق أخرى عربية، بقيادة المثيرة هيفاء، والدلوعة نانسي.
كان الطلاّب، يتجمّعون في وسط ومؤخرة الحافلة. وكان البعض منهم "يحتلّ" مقعدين: مقعدًا لمؤخرته، وآخر لقدميه وحقيبته، ناسيًا أو مُتناسيًا أنه يستقلّ حافلةً عامّةً، لا خاصّة، "مُلكًا لوالده".

صورة توضيحية
إنّ أصوات الموسيقى – الغربيّة منها والشرقيّة – الصادرة من الهواتف وأجهزة الـ MP4، تثير الغضب فعلاً. فكلٌّ يحاول أن يرفع صوت جهازه ليُسمع الآخرين، من أصدقاء ومسافرين، موسيقاه أو أغانيه المفضّلة. بالإضافة إلى ذلك، وخلال محادثة هاتفيّة، تجد الطالب يرفع صوته قدر المستطاع ليُسمع السائق، في مقدمة الحافلة، فحوى المحادثة "الساخنة" بينه وبين صديقته الحميمة.
لا أنكر بأنّي أملك هاتفًا نقّالاً حديثًا، يحوي العديد من التحديثات وآخر "صرعات" العصر، وبضمنها الـ MP4 والفيديو، إلاّ أني أعرف – وبتواضع – كيفية استعمال الهاتف جيّدًا. فعند حاجتي إلى الاستماع لموسيقايَ المفضّلة، أربط الهاتف بالسمّاعات الأذنية (earphones) كي لا أزعج أحدًا، وخلال محادثتي بالهاتف أحاول – من باب الأدب – أن أخفض صوتي.
أنا متأكّد من أنّ غالبية طلاّبنا، المستمِعين والمُسمِعين لموسيقى الـ"هيب هوب" و"البوب" وغيرها، لا يفهم معاني كلمات الأغاني ولا حتى فحوى رسالتها؛ فتجد الطالب، أو الطالبة منهم، لا يعرف أن يركّب جملة واحدة مفيدة بالمستوى المطلوب في اللغة الإنكليزيّة؛ أو تراه لا يتقن الإنكليزية بمستوى يليق بطلاب مدارسنا – وأنا لا أعمّم.
ما يزعجني ويقلقني في الموضوع، أنّ هؤلاء الطلاّب – ذكورًا وإناثًا – يغنّون، يتراقصون ويتمايلون على أنغام موسيقاهم الصاخبة، في عرض هزليّ رخيص، بالإضافة إلى استعمالهم كاميرا النقّال بشكل مُعيب، في طريقهم من وإلى مدارسنا العربية، وهم يلبسون الزيّ المدرسيّ الذي يحمل شعار المدرسة؛ يمثّلون بذلك شريحةً لا يُستهان بها، تثير الفوضى والإزعاج، وتُظهر الوقاحة و"التفاهة" أحيانًا، وتعكس صورة سلبيّةً عن مدارسنا العربيّة.
لا أفهم سبب اصطحاب الطالب لهاتفه النقّال إلى المدرسة، وكأنّه كتاب ضروريّ مطلوب في المقرر المنهجي، مثله مثل كتب الأدب والعلم.
ألوم بدايةً أهالي الطلاب؛ فلا أجد سببًا مقنعًا يحفّز الأهل بالسماح لبناتهم وأبنائهم على اصطحاب هواتفهم النقّالة، الطنّانة، والطبّالة، والرجّاجة منها، إلى المدرسة. للأسف، لقد أصبحت هذه الهواتف رفيقًا ملازمًا للطلاب؛ فآمل من الأهل أن يهتموا ليكون الكتاب هو الرفيق في هذه المرحلة على الأقل من حياة بناتهم وأبنائهم.
أما اللوم والغضب الأكبر فأوجهه إلى مديري، ومديرات، ومعلمي، ومعلمات، وإدارات مدارسنا التي تسمح لطلابها بإدخال الهواتف النقّالة إلى داخل الحرم المدرسي!
فكما تفرض الإدارة الزيّ المدرسيّ، الذي يحمل شعار المدرسة، وتمنع الطلاب من دخولها إلاّ بلباسهم هذا الزيّ، وتمنع كذلك، إدخال السموم والسلاح الأبيض بكافة أنواعه؛ عليها أن تستعمل صلاحياتها – وهي قادرة – لتمنع إدخال الهواتف النقّالة؛ هذا "السلاح الرجّاج"،  الارتجاجيّ – إلاّ في حالات خاصة جدًا واستثنائيّة.
فالهاتف النقّال، سلاح ذو حدّين لمن لا يعرف استعماله، خصوصًا إذا كان ملازمًا لطلاب وطالبات في جيل المراهقة. فلا تستطيع المدرسة، بجميع طواقمها، فرض السيطرة والرقابة التامة على ما يحدث داخل أروقتها. فـ "الهاتف" يتابع ما يحدث في الحصة التدريسية، تمامًا مثل زميله الطالب: يسجّل، ويدوّن، ويصوّر أحيانًا، على الرغم من أنه لا يشارك في الحصة، ويبقى في وضع ارتجاجيّ.
إنّ المدارس تقوم بواجبها التربوي، والتثقيفي، والتعليمي، ولكن عليها أن تعمل، جادًّا وسريعًا، على منع الهواتف النقّالة، لأنّ هذا السلاح "الرجّاج"، على وشك أن يتحوّل إلى سلاح خطير، بيد أي طالب – أو طالبة – من طلابها يحمل على صدره الشعار المدرسيّ، لأنه أوّلاً وأخيرًا، بلباسه هذا الزيّ يمثّل المدرسة ويعكس صورةً عنها.
(حيفا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *