كل هذا سبب لي الكثير من الأسى، هذا ناهيك عن زوجتي التي لا تنفك تتذمّر من كوني لا أجلب ما يكفي من النقود، وعن أبي الذي يعتقد بأني أضيع وقتي في كتابة القصص والروايات، ولا أبذل ما يكفي من الجهد للحصول على عمل مربح. لا بدّ من الاعتراف بأن الحقّ معهم، فما ربحته حتّى الآن من روايتي الأولى لا يستحقّ الذكر، خاصّة وأن الكثير من الأصدقاء يُعِملون عليك ضغوطًا نفسيّا غير معتدلة، إلى أن يقنعوك بأنه من العيب أن يدفعوا نقودًا لصديق. عندها تستسلم وتهديهم، من دون مقابل، روايتك التي اشتغلت في كتابتها أكثر من سنة. الخيار الوحيد الذي يبقى لمن هم مثلي هو الاستمرار في الـ"تطِقطِق"، أي في تكلّف أعمال صغيرة كترجمة بعض الصفحات من الانجليزيّة إلى العربيّة أو بالعكس وتدقيق لغوي لهذا النصّ أو لذاك، وكل هذا طبعًا من أجل حفنة صغيرة جدًا من الشواقل.
إنّ العالم الذي نعيش فيه يهتم أكثر ما يهتم بالمال، وكما تقول الأغنية: "النّقود تسبّب للعالم الدّوران". الناس مستعدون أن يفعلوا أشياء غريبة من أجل النقود، فمثلا، هنالك من هم على استعداد للتنازل عن كلية من كليتيهم لشخص غريب من أجل بضعة آلاف من الشواقل، وهنالك أمثلة أخرى أكثر غرابة، مثل ما نسمعه بين فترة وأخرى عن فتيات تحملن وتلدن أطفالاً ثم تعطينهم لنساء عاقرات بهدف الربح المادي. الفتاة من هؤلاء تحمل تسعة أشهر وذلك لكي تنجب طفلاً لن يكون ابنها. أليس هذا أمر مثير للاشمئزاز؟. يجب الاعتراف أن مجتمعنا بكامله يحترم فقط من يملك النقود، وذلك بغض النظر عن أخلاقه وجودة عمله وما يفعله من أجل الحصول على نقوده. أنا أراهن أن الناس ستغض النظر عن أن شخصًا ما يعمل ممثلا في أفلام (بورنو) وذلك إذا ما علمت بأنه يربح ثلاثين ألف شاقل في الشهر!!.
إن وضع العمل في البلاد يسبب اليأس، فالكل يفضّل أن يوظّف الأقرباء والأصدقاء ولا يهتم للمهنية، وأشخاص مؤهلون يجدون أنفسهم بلا عمل لأنهم "مقطوعون من شجرة" والنقود كثيرا ما تذهب إلى أشخاص ليس لديهم المؤهلات وكل مؤهلاتهم أنهم أقرباء فلان أو علان، والكثير من رجال الأعمال يحيطون أنفسهم بسكرتيرات، هنّ أقرب إلى عارضات الأزياء، وكأنهم أسود تحيطهم لبؤات. كلّ هذا يجعلني أحس أحيانًا وكأني أعيش في فيلم "بورنو" طويل، حتّى أني صرت أتساءل: "ماذا جرى للإنسانية والأخلاق والمهنية. مثل هذه الأفكار راودتني حين استيقظت اليوم وأصابني بإحباط شديد. لكن مع هذا فقد قمت وأطعمت القطط وشربت الشاي مع السيجارة وفكرت بأنه عليّ أن لا أيأس، فلست أدري، ربما يفرجها الكريم في وجهي يومًا من الأيام.