حظر استيراد الكتب العربية استنادا الى قانون انتدابي صدر عام 1939!

مراسل حيفا نت | 08/11/2009

 أجرت جريدة "حيفا" حوارا صريحا مع الأستاذ صالح عباسي مدير ومؤسس مكتبة كلّ شيء ومستورد الكتب من العالم العربي.وتساءلنا لماذا على مستورد الكتب العربي أن يتوجه الى محكمة العدل العليا للحصول على إذن لاستيراد الكتب من دول عربية تعتبرها اسرائيل معادية ؟

هل العرب شعب قاريء؟ لماذا قرر عباسي انشاء مركز أدب الأطفال براعم الزيتون؟ كيف ولماذا اختار الكتاب لأن يكون جليسه؟ رحلته مع الكتاب حتى يومنا هذا؟ جميع هذه الأسئلة وغيرها تجدون أجوبتها في هذا الحوار.

مقدمة:

حتى عام 1948 كان المرحوم المؤرخ بولص فرح يدير أكبر مكتبة في فلسطين في ساحة الحناطير في حيفا.وكان يستورد من أكبر دور النشر في العالم العربي حتى نكبة ال 48.وقد حازت فلسطين على المرتبة الأولى  في اليونسكو بالنسبة لعدد القراء في العالم العربي .فعرب فلسطين هم في الدرجة الأولى من القرّاء وذلك بموجب آلاف الكتب التي استوردها بولص فرح(أبو سعاد)  التي وزعت في فلسطين قاطبة.وبعد النكبة حتى عام 1967 سادت فترة من التعتيم والركود ولكن فؤاد دانيال صاحب مطبعة دانيال من الناصرة  قام بطباعة الكتب وله الفضل في الحفاظ على اللغة والتراث العربي. فكان يكرر الكتب حيث كان يستعين بالحجاج المسيحيين المتوجهين الى القدس عبر بوابة مندلباوم قبل عام 67، حيث كانوا يحضرون له كتب لأدباء معروفين ودراسات فأصدر نحو 700 كتاب. كما أنه في حيفا أصدر بيير أوفست موسوعة  الأغاني وللمقارنة مشروع مطبعة دانيال هو مشروع وطني تجاري أما أوفست فهو مشروع تجاري بحت.

كانت الكتب تصدر بكميات ضئيلة وكان الرعيل الأول له الفضل في الحفاظ على اللغة العربية واصدار المؤلفات الأدبية والتراثية والدراسات منهم:جورج نجيب خليل،جمال قعوار،حنا أبو حنا،اميل حبيببي،راشد حسين وغيرهم.

لمحة عن الأستاذ صالح عباسي:

من مواليد حيفا،أنهى تعليمه في الناصرة وبعد انهاء الثانوية التحق بجامعة بن غوريون التي عرفت آنذاك بجامعة النقب. وبدأ يعلم اللغة العربية والتاريخ ومن ثم انتقل للعمل كمدرس الى شفاعمرو. وبعدها استقر في حيفا حيث درّس في الحليصة ومن ثم انتقل للتدريس في  مدرسة المتنبي البلدية وهكذا اختبر عباسي مهنة التعليم لمدة 17 عاما.

 وبعدها بدأت المرحلة الجديدة في حياته ومسيرته مع عالم الكتاب فافتتح مع صديقه الصحفي المرحوم لطفي مشعور مكتب  للنشر في الناصرة. حيث كان يتوجه الى الضفة الغربية لإحضار الكتب الى الناصرة  وعملا سوية لمدة عام، وقد اكتسب تجربة  في تجارة الكتب وبدأ يفكر باستيراد الكتب.وقد حدثت القفزة الهامة في حياته عام 1978 حيث زار الرئيس المصري الراحل أنور السادات حيفا. فتوجه مع وفد للقائه في فندق دان في المدينة فتوجه الى الرئيس المصري وبكل شجاعة وقال بشجاعة "عرب الداخل،عرب ال 48، لا يمكننا أن نحصل على الكتب التي تصدر في الدول العربية بما فيها مصر".

ففي الحال تغيرت تعابير وجه الرئيس ودعا السفير المصري وقال له "أعطوا الفيزا اليوم" وهذا ما حصل ففي اليوم الثاني توجه عباسي الى السفارة المصرية في تل أبيب ومن هناك مباشرة توجه الى غزة عن طريق العريش الى القاهرة مباشرة لوحده. وبات في فندق في القاهرة  أما الرئيس السادات فقد بات في فندق دان في حيفا.

فيقول عباسي بتأثر"أنا لم أصدق أنني في القاهرة عاصمة مصر فنحن كنا نرى القاهرة في الأفلام العربية أيام الجمعة.ولكن في الحقيقة أنا في مصر وعليّ أن استغل الفرصة لإستيراد الكتب العربية وجلبها الى حيفا مباشرة".فمكث في مصر7 أيام وكان ليلا ونهارا يجمع الكتب ولم يذق طعم النوم. فتعامل مع 36 دار نشر وأحضر 6 شاحنات محملة بالكتب مباشرة  الى معرض الكتاب في حيفا. فكانت طريق العودة سهلة فقد كان بين يدي عباسي رسالة من الرئيس السادات سهلت عليه الأمور.

فكانت أول شحنة تدخل الى البلاد بعد عملية السلام هي الكتب "وليس هناك جسرا للسلام أهم من الكتاب عام 1978 والثقافة" كما قال الستاذ صالح عباسي وكان هذا الإستيراد الأول من الكتب العربية في البلاد.أما مرحلة بعد عام  حرب 67 وسقوط القدس الشرقية والضفة الغربية والقطاع فقد فتحت المجال لعرب الداخل التوجه الى مدن الضفة والقدس. فبعد أن تعرف عباسي على المكتبات في القدس توجه الى أصحابها وطلب منهم  تزويده بكتب الأطفال إيمانا منه" حتى أربي جيلا قارئا أن نبدأ التعامل مع قراء أطفال من جيل 3 سنوات، وتستمر معه القراءة حتى الكبر رونصل مستوى الشعوب القارئة التي تحمل الكتاب في الحافلة في البيت في محطة القطار أو الطائرة" كما قال الأستاذ صالح عباسي.

حدثنا بعد هذا السرد كيف استمرت رحلتك مع الكتاب؟

نجحت بتنظيم 5 آلاف معرض كتب للأطفال منها كتب أطفال للكاتب كامل كيلاني،وكتب أطفال مشهورة.ومن ثم بدأت أطلب كتب أدبية من دراسات أدبية ومطالعة وكل ما يطلبه الطالب الجامعي. وهكذا نجحت ولأول مرة عام 1974 بتنظيم أضخم معرض للكتاب العربي في بيت الكرمة وكان نجاحه منقطع النظير وأصبح المعرض تقليديا سنويا منذ 74 حتى يومنا هذا.المرحلة الثانية بعد زيارة السادات الى البلاد حيث تعرفت على ناشرين في مصر، وبدأت أشحن الكتب الى البلاد وتنظيم معارض كتب كما تعرفت على دور نشر  في معرض القاهرة الدولي للكتب.

كما حدث تحول في نوعية الكتب المستوردة بعد حرب 1982 (حرب لبنان الأولى  ) وما يعرف عملية سلامة الجليل،أذكر كان معرض للكتب في بيت الكرمة، وكان في تلك الفترة أهرون زبيدة يخدم كضابط في لبنان وعرض علي استيراد الكتب من لبنان من منطقة صيدا. فتوجهنا الى صيدا واقتنيت الكتب اللبنانية فخلال وقت قصير جهزوا لنا الشحنة معبأة ب 60 كرتونة

ووصلت الشحنة مباشرة الى معرض الكتاب في حيفا. وخلال 3 أيام بيعت الكتب فاتصلت بأهارون وقلت له "ان جميع الكتب قد نفذت فالناس بحاجة الى المزيد ومعرض الكتاب مستمر" فقال لي "غدا أنا متوجه الى صور فانتظرني في الساعة 6:30 صباحا. ولكنني وصلت متأخرا ساعة عن الموعد حيث عملت أنا وزملائي المعلمين في ترتيب الكتب في المعرض ونمت وأنا متعب ولهذا نمت ساعة زيادة عن الموعد.إلا أن الضابط أهارون غضب وعندما وصلنا عكا لم أعد أحتمل عصبيته. فطلبت منه أن ينزلني من المركبة ولعنت الكتب،  فقال لي "لا تغضب فأنا سأتوقف عن العصبية".وحين وصلنا منطقة رأس الناقورة سمعنا دويّ انفجار مخيف هزّ المنطقة ولم نعرف ما السبب.فعرفنا لاحقا أنه وقع انفجار في صور وعلمنا فيما بعد أن الإنفجار وقع في المبنى الذي كان يجب أن يتوجه اليه السيد زبيدة فمررنا بصور وأكملنا طريقنا الى صيدا، وفي طريقنا رأينا المبنى المدمر من الإنفجار وحينها قال لي زبيدة" كل تأخير فيها خيرة".

وقد أحضرت الكتب من صيدا وكانت هذه الشحنة التي تعرفنا فيها على الكتب اللبنانية.وقد استمرينا في احضار الكتب اللبنانية عن طريق معرض الكتاب في القاهرة باستيراد الكتب من الدول العربية حتى يومنا هذا.

ولكن ما سبب التغيير في سياسة عدم احضار كتب من قبل الدولة؟

 جاء يوم  وأوقفوا لنا تأشيرة شحن الكتب الصادرة في الدول العربية بادعاء أنه حسب قانون 1939( وهو قانون انتدابي) أنه ممنوع التعامل مع دول العدو تجاريا وبضمنها الكتب. ففي عام 2005 أوقفوا لنا تأشيرة استيراد الكتب مع العلم أن دول العدو حسب القانون الإسرائيلي هي:

لبنان،العراق،سورية،ليبيا،وايران ولا أعرف ما الذي ذكّرهم بالقانون عام 2005. وفي نفس الفترة وصلتني شحنة كتب عن طريق جسر الشيخ حسين

على الحدود الأردنية، فالتعامل الإسرائيلي في هذه النقطة الحدودية قاسية وسيئة يختلف عن العوجا أو أي حدود اسرائيلية.فأعتقد أنه يمكن مقاطعة هذه المنطقة الحدودية من قبل العرب حتى يتم تغيير المعاملة.فقد أوقفوا الكتب وطلبوا تأشيرة خاصة فتوجهت الى جامعة القدس والى جامعات عدة، وفي النهاية أحضرت تأشيرة وتوجهت الى النقطة الحدودية للشيخ حسين فقد تفاجأت بما قاموا به حيث تم ابادة شحنة الكتب بكاملها أي تم حرقها.

ولكنني لم أسكت عن حقي فتوجهت الى المحكمة وصدر قرار في صالحي

وحصلت على تعويض عن الشحنة التي أبيدت.وبقيت مشكلة قرار منع استيراد الكتب فتقدمت الى مركز عدالة ورافعت في القضية المحامية حنين نعامنة. ونجحت في اقناع المحكمة السماح باستيراد الكتب لمدة عام حتى شهر نيسان من العام القادم 2010.وحاليا سوف نقوم بتجديد التصريح وتحويله لتصريح دائم لأي مستورد كتب تصدر في سوريا ولبنان والعراق.

*ولكن ماذا عن الكتب الممنوعة وكيف تقرر السلطات الكتاب الممنوع؟

علينا أن نميز بالنسبة للمنع فالرقابة العسكرية تحصل على قائمة الكتب  وتطلب من المستورد نسخا من الكتب التي تحتاج الى فحص، فيما إذا حوت على تحريض.فمثلا هناك رواية لإحسان عبد القدوس وردت جملة في كتابه "لا تطفيء الشمس" "اليهود أولاد الكلب". حيث تم مصادرة هذا الكتاب بسبب ورود  هذه الجملة ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن قرر انه يمكن استيراد الكتب إذا لم يمكن توجهها تحريضي وبعد وصول شولميت ألوني الى الكنيست سهلت التعامل مع الكتب المستوردة.

أما اليوم فنحن نرسل قائمة الكتب المستوردة من العالم العربي ونتلقى ردا من الرقابة العسكرية ويكون الرد ما هو مسموح وما هو ممنوع من الكتب المستوردة .والجدير ذكره أن الرقابة العسكرية كانت تأتي بنفسها الى الميناء وتقوم بأخذ عينات من الكتب حتى ولو وصلت كمية الكتب الى 500 كرتونة ويقومون بفحص الكتب كتاب وراء كتاب.فالقضية اليوم هي التعامل مع العدو وليس منع استيراد الكتب.  

كيف نشأت فكرة انشاء واصدار كتب للأطفال المعروفة" براعم الزيتون"؟

كتب الأطفال التي تأتينا الى البلاد من العالم العربي بغالبيتها كتب مترجمة

فقررنا أن ننشيء براعم الزيتون وهو أول مركز لأدب الأطفال يهتم بإصدار كتب للأطفال. فاجتمعنا عام 2001 وترأس الجلسة الأستاذ حنا أبو حنا بحضور روزلاند دعيم والمرحوم الأستاذ رياض اغبارية ونادرة يونس وغيرهم. فجلسنا وقررنا اصدار كتب محلية للأطفال فكان أول إصدارين أحمر أخضر، قطتي أميرة.

وبقيت مشكلة الرسومات فبحثنا عن رسامين وبدأنا التعامل مع رسامين من الأردن والعراق. فلقصة الأطفال أهمية بالغة في الرسومات وفي الفترة الأخيرة تبنينا فنان يدعى لؤي دوخي من الرامة حيث نقوم بتسليمه قصص الأطفال وبدوره يبدع برسوماته الملائمة لكل قصة وقصة.فنحن نهتم في براعم الزيتون باختيار موضوع القصة ولا يمكن أن نكرر أي موضوع طرح. الغيرة نكتب عنها قصة مرة، الكبرياء نكتب عنها مرة كما أننا نهتم بهدف القصة.

فنحن فتحنا المجال أمام كتاب قصص الأطفال ونهتم بنشر القصص، ومن بين كتاب براعم الزيتون: حنا أبو حنا،محمود عباسي،لبنى صفدي،زهير دعيم،أحمد حسين،جودت عيد،نبيهة جبارين،وغيرهم. فصدرت 64 قصة عربية للأطفال، فترجمنا 20 قصة باللغة الإنجليزية بإشراف الأستاذ وجيه عوض ولأول مرة في العالم العربي.

كما أننا أصدرنا 10 عناوين "براعم الزيتون" المرحلة الثانية بأسلوب جديد

وأطلقنا عليها "أغصان الزيتون" لكبار الأدباء كتبها عدد من الكتاب المحلين،راوية بربارة،جودت عيد،محمود عباسي،ادمون شحادة،أحمد حسين.فقد دمجنا بين الأدب الكنعاني والتراث الفلسطيني،ومواضيع عصرية،وحالية.  

 هل هناك كتاب أو كتب تحب قراءتها؟

يصعب علي أن أحدد وأقول هذا كتاب جميل، فأنا أحب قراءة الكتب والدراسات والشعر. فكتب محمود درويش قرأتها  أكثر من مرة ولكن في الفترة الأخيرة قرأت روايتين للكاتب ابراهيم نصرالله  الأولى بعنوان"زمن الخيول البيضاء" وكتاب "شرفة رجل الثلج" فاستمتعت بقراءتهما.

هل برأيك العربي قاريء، أم لا؟

تقرير اليونسكو يقول أن العربي غير قاريء ولكني أقول بان العربي الفلسطيني قاريء، عرب البلاد يقرأون رغم التغييرات وغزو عالم الإنترنت. إلا أننا مازلنا نستورد آلاف الكتب وننظم عشرات معارض الكتب. للكتاب متعة خاصة يتميز بأوراقه ورائحته وكلماته فهو خير جليس

*ما رأيك بمنهاج المدارس العربية خاصة اللغة العربية والتاريخ؟

المنهاج مراقب،كما أن اللجنة أو مؤلفي المنهاج  يتمشون حسب توجه ومتطلبات الوزارة.هذا المنهاج مفروض علينا فرضا فهم يؤلفون الكتب كعمل تجاري وليس تدريسي. فجميع كتب التاريخ في المنهاج هي كتب تجارية حيث يتحمل الطالب السعر والتوجهات الخاطئة. ففي حالة حدوث خطأ كما وقع أخيرا في ذكر النكبة قامت وزارة المعارف بجمع جميع الكتب وأعادت طباعتها بعد حذف هذه الجملة أو الكلمة.فلماذ لا توجد لجنة مؤرخين تضع المنهاج؟

فأنا أتساءل لماذا الإصدارات للوسط اليهودي مسؤول عنها جامعة القدس أو التخنيون وغيرها؟ فأنا قررت في حالة اصدار كتاب من العبرية الى العربية نقوم بترجمته فورا وليس بعد 10 سنوات من صدوره بالعبرية. فمثلا كتب الرياضيات للسوابع نقوم بترجمتها فورا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *