شارك العشرات في أمسية ثقافية بمناسبة صدور الكتاب "المهد العربي" – المسيحية المشرقية على مدى ألفي عام" من تأليف الكاتب والإعلامي سميح غنادري، نظمتها جمعية "سرد" للتثقيف الأدبي التراثي والفني، في قاعة كنيسة مار الياس للروم الكاثوليك في حيفا.
وحلّ ضيفًا على الندوة سيادة المطران الياس شقور وباركها وقدّم تحياته مشيدًا بحديثه على أهمية الكتاب قائلا "ما يجمعنا مع الإسلام ليس الله فقط إنما القيم تحت المظلة الواحدة، مع احترام خصوصيات كل فرد واندماجه في الجماعة". وأضاف بقوله "إن الكتاب يبرز التساؤل إلى أين نحن سائرون؟ وأراد أن يقول لا تبحثوا عن أخطاء وجرائم جرت في التاريخ الإسلامي فمثلها جرت في التاريخ المسيحي بل وأكثر لأن تاريخه أطول. ابحثوا في التاريخ عن الجيد والمشترك والنظر إلى المستقبل الموحّد فبعد هذا الكتاب علينا أن نقيم حلقات وندوات ونشر الفكرة في دور العبادة والكنائس عن السماحة والوحدة في التعدّدية فيجب أن نتوقف عن القراءة الانتقائية للكتب السماوية، فزادت الطائفية بناء على هذه الانتقائية"
أدار الندوة المؤرخ د. جوني منصور الذي واكب الكتاب منذ بداياته مشيرًا إلى "تميّز الكتاب "المهد العربي" بشموليته من حيث عرض المادة تاريخيًا، ونظرته النقدية الواضحة، وتطلعات كاتبه نحو المزيد من تثبيت الوجود العربي المسيحي من خلال توثيق شبكات العلاقات مع المسلمين العرب الذين معًا، وفقط معًا يواجهون نفس المصير". مضيفًا بقوله "لا يفوت الكاتب ذكر مساهمات المسيحيين المشرقيين العرب والمتعرّبين في رفع مكانة العروبة بكافة مركباتها الثقافية والحضارية والقومية من خلال مبادرات ومساهمات بارزة عبر الأزمنة الغابرة".
وتحدّث الأب أغابيوس أبو سعدى الرئيس الروحي لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك ومما قاله في كلمته عن "أهمية الكتاب في تأكيده على تاريخ المسيحية العربية كقضية عربية وطنية وكوننا ذات هوية قومية واحدة تجلت في الدور الوطني للمسيحيين العرب في حياة شعبهم".
وأثنى المؤرخ بروفيسور بطرس أبو منة في حديثه على "جهود الكاتب الجبارة وبشكل عميق ومدروس وبلغة بسيطة مؤكدا الوحدة الوطنية للمسيحيين والمسلمين العرب" ثم استعرض أبو منة فصول الكتاب ورسالته مشيرًا إلى "إبراز الكتاب للهوية القومية لا الطائفية عن طريق دراسة الماضي وفهمه وتوقفه عند دور المسيحيين العرب ومساهمتهم في الحضارة العربية الإسلامية إذ أن مظاهر التعصب المسيحي أو الإسلامي هي دخيلة على الديانات وفي تاريخنا ما يعزز وحدتنا الوطنية".
وقال المحامي علي رافع في كلمته "إن الكتاب عروبي بكافة حذافيره وهو لائحة دفاع عن الإسلام الصحيح والمسيحية الحقيقية بمعزل عن التفاسير المضللة".
واختتم الندوة مؤلف الكتاب، سميح غنادري قائلا :" كان همّي أن أثبت بوقائع التاريخ، أن المسيحية العربية نبتة أصيلة وأصلانية في هذا الشرق، وأنهم من هذا الوطن وتاريخه وجغرافيته وبناة حضارته. وأبين العلاقة مع الإسلام في الوطن العربي، مشيرًا إلى تسامح الإسلام عمومًا مع المسيحية ووحدة المسيحيين والمسلمين العرب في بقاء وحضارة هذا الشرق" وأكّد غنادري رسالته الوطنية قائلا "أردتها دعوة في مواجهة قبلية الطوائف وطائفية القبائل وتذويت هوية قومية ديمقراطية جامعة. كان علي أن أنبش تاريخ ألفي عام لإثبات هذا وأن المسيحية العربية ليست طارئة أو عابرة أو أقلية في هذا الشرق وفي تاريخنا ما يؤكد تسامح الإسلام مع المسيحية. لا أقول أن تاريخنا وردي ولكن أقول أن ما حدث من ظلومات وتمييز بحق هذا الطرف أو ذاك يجب عدم إعادتها إلى النص الديني فهذا منها براء. هي ظلمات وتمييز لسياسيين وبعض الخلفاء أو الأباطرة، اتخذوا الدين ستارًا لممارستهم القمعية، وشتان بين دين النص والدعوة ودين الممارسة والسياسة".
وتطرق المؤلف سميح غنادري في كتابه إلى تاريخ وتطور المسيحية المشرقية منذ فترة السيد المسيح وحتى مطلع القرن العشرين، معالجًا مجموعة من القضايا المركزية ذات الصلة بالوجود العربي المسيحي والعلاقات المسيحية الإسلامية العربية عبر العصور وما ميّزها، إضافة إلى القضايا الداخلية التي تخص الكنائس الشرقية، وعلى وجه الخصوص كفاح المسيحيين في سبيل عروبتهم وقوميتهم.
سميح غنادري:
الكاتب والأديب سميح حنا غنادري هو من مواليد بلدة الرامة في الجليل عام 1950 ومن المقيمين في الناصرة منذ عام 76. دراسته الأكاديمية: لقب ثاني في موضوعي الأدب العالمي والصحافة والعلوم السياسية. ويحمل دكتوراه في الفلسفة: فلسفة التاريخ والعلوم السياسية.نشيط وطني وكاتب صحفي عن القضايا العربية خصوصا في موقع عرب 48 وعن القضية الفلسطينية.
كتاب المهد العربي:
صدر عن دار 30 آذار للنشر في الناصرة، لكن الكتاب، بل المجلد مكون من 608 صفحات، ليس تأريخاً عاديا للكنيسة العربية بقدر ما هو بحث تاريخي وفكري لمواقف ودور العرب النصارى على مدى تاريخهم وللعلاقات بين المسيحية المشرقية والإسلام.
يحتوي الكتاب على خمسة فصول هي بالتوالي: نشوء وأفكار المسيحية في الشرق، والمسيحية في ظل الإمبراطورية الرومانية بعد تنصّرها، والعرب النصارى وموقف وتعامل الإسلام معهم في دول الخلافة المتعاقبة من راشدية وأموية وعباسية، والحروب الصليبية – حملات الفرنجة، والمسيحيون في الخلافة العثمانية ودورهم ومساهمتهم في وضع أسس النهضة العربية الحديثة.يشمل الكتاب ملحقا بالخرائط التوضيحية بالألوان، وهو مطبوع على ورق صقيل بشكل أنيق وبغلاف مقوّى تزينه لوحة للفنان عبد طميش الذي قام بتصميم الكتاب مستعملا الرسم بالفسيفساء (الفن البيزنطي السوري) للوحة أرابيسك (الفن العربي الإسلامي)، عاكسا بهذا موضوع الكتاب وجوهره – العرب المسيحيون والمسلمون الذين عاشوا وبنوا معا حضارة وتمدن الشرق العربي عبر تاريخه، كما يؤكد المؤلف في أكثر من مكان في كتابه.
.jpg)
