قبل بضعة أيام، مرضتُ بفيروس يصيب المعدة ويسبب الإسهال والتقيؤ وانعدام الشهيّة. لقد أُصِبتُ بالعدوى من أحد أفراد عائلتي والذي أصيب بدوره من خالتي التي تسكن في الناصرة. وبما أنّ غالبيّة أفراد عائلتي قد شفوا بعد أيام قليلة من بداية المرض، لذا فإني أتوقع أن أُشفى أنا أيضًا في القريب العاجل. هذا أمر جيّد، فقد عادت زوجتي للتوّ من جنوب إفريقيا، بعد ثلاث أسابيع من انضمامها إلى ورشة عن حقوق الإنسان هناك، وقد استقبلتُها أمس وطبختُ لها الـ"سباجتي"، ثم جلسنا أمام الحاسوب وبدأت تريني صورًا من رحلتها. وفعلاً، فقد أدهشتني طبيعة المكان وألوان الجبال وغيرها من التفاصيل اللطيفة.

أما اليوم فقد استيقظت من النوم والحلم الذي حلمته لا يزال في رأسي. قد يكون بسبب الواقع الذي أعيشه أو بسبب صور جنوب إفريقيا التي شاهدتها البارحة أو نتيجة لمرضي الحالي، أو كلّ هذه الأسباب مجتمعة، فقد حلمت بأن هنالك انتفاضة تجري في جنوب إفريقيا. أحداث الحلم جرت في أجواء طبيعة جنوب إفريقيا الخلابة، وفيها كان يسكن اليهود والعرب مع البيض الهولنديين والسود الأصلانيين، وقد دارت هناك حرب مسلحة عشوائيّة، فكل جيش كان يهاجم الآخر، ثم خرجتُ لأشرب القهوة مع أبي الذي قال: "أنا خايف إنّو اليهود راح يهجموا علينا بالسيوف والرماح زي مبارح"، ثم نظرت إلى الغابة، وفجأة رأيت جيشًا من اليهود يركبون الخيل ويحملون الرماح. عندها انتقلت إلى لقطة أخرى في الحلم، كنتُ فيها داخل شاحنة، مع الكثير من العمّال العرب المسافرين للعمل في إحدى المدن. أذكر أنني توجّهت إلى أحد العمّال، والذي كان يجلس بجانبي، وسألته: "بكم يمكنك أن تشتري بندقية في هذه الأيام؟"، فأراني البندقية التي كانت معه وقال "هذه بسبعة شواقل"، ثم استيقظت.
إنّ العنف الذي عشناه واقعًا في منطقتنا قد رشح إلى داخل أحلامنا، فالنرويجيون لا يحلمون بانتفاضات، وأنه لأمر مُحزنٌ ومخيفٌ ملاحظة مدى العنف الذي يتغلغل إلى حياه الأطفال في هذه البلاد. أذكر كيف كنت في طفولتي أذهب إلى الحرش المجاور لكي أتمرّن على قذف الحجارة، وكيف كنت أحلم بالمقلاعيّة المثالية التي سوف يخرط لي جدّي فؤاد "شاعوبها" من الحديد الصلب.
اليوم وبعد سنين عديدة أبعدتني عن طفولتي فإني قد نجحت إلى درجة ما في التخلص من نزوعي إلى العنف، لكن يزعجني أني لا زلت أحلم أحلامًا عنيفة مثل الذي ذكرته. بعد أن استيقظت وأطعمت القطط، حضَّرت فنجان شاي وأشعلت سيجارة وفهمت أن صحتي في تحسّن، وعلى رأي أبي "بركي بَضعَفلي شوي من هالمرض".
وأنا أدخّن قلت لنفسي أن حلم انتفاضة جنوب إفريقيا ربما يكون نتيجة لحالة التوتر التي تلازم المرض. فكّرت في هذا وأخذت رشفة من السيجارة وأحسست بالشمس التي أشرقت بعد الشتاء العاصف وأحسست معها بالأمل.