تل السمك: مكان الأيام السعيدة

مراسل حيفا نت | 01/11/2009

كميل ساري-مدير قسم الرقابة, الأبحاث وسياسة صيانة الآثار في سلطة الآثار

كما أسلفنا الذكر سابقا, نتابع معكم سلسلة المقالات عن آثار مدينة حيفا عبر العصور. في المقال السابق ذكرنا المواقع الأثرية بلمحة عامة شاملة, تمركزت حول موقع تلك الآثار وأسمائها. أما الآن, نبدأ سلسلة المقالات والتي من خلالها نتمركز حول موقع واحد لنجلب لكم نتائج الحفريات الأثرية في كل موقع على حدا. وأول ما نبدأ به التقارير المفصلة, اخترنا الموقع المشهور "تل السمك", لكونه من أهم المواقع, ليس في حيفا فقط, بل على شواطئ إسرائيل عامة, حيث لعب دورا هاما في اقتصاد وسياسة المنطقة على مر عصور مختلفة.

لمحة عامة:
يعتبر تل السمك أحدى المواقع الأثرية الغنية بالمكتشفات الهامة, التي بدورها تنير معلوماتنا عن سلسلة متواصلة من الفترات الأثرية, ابتدأ من القرن التاسع عشر قبل الميلاد وحتى الفترة الإسلامية في القرن السابع ميلادي. يتواجد تل السمك على شاطئ البحر, 1.3 كم إلى الجنوب الغربي من جبل الكرمل, وعلى الطريق الرئيسي القديم المار من قيسارية إلى عكا.
إلى الشرق من التل (شرقي شارع حيفا تل أبيب) تتواجد مقبرة تل السمك الأثرية, وقد تم الكشف عن ما يقارب 22 قبرا منحوتا بالصخر, جميعها تعود للفترات الرومانية والبيزنطية, ما بين القرن الثالث وحتى السادس ميلادي, سوى قبرا واحدا يعود إلى الفترة الكنعانية الوسطى ما بين 1750 – 1550 ق.م.
الحفريات الأثرية:
جرت الحفريات الأثرية المنتظمة الأولى بالموقع بين الأعوام 1963-1979 من قبل المتحف للفنون القديمة التابع لبلدية حيفا, وبإدارة الباحث د. يوسف ألغابيش (ד"ר יוסף אלגביש).
بين الأعوام 1998-1999 قام الباحثان حاجيت تورجة وعوزي عاد (חגית טורגה ועוזי עד) بأجراء حفريات إنقاذ أثرية بأعقاب اكتشاف تحف أثرية, أثر حفريات بلدية حيفا لوضع أنابيب بالمنطقة المتواجدة بين سكة الحديد وبين شارع حيفا – تل أبيب.
حفريات إنقاذ أضافية, أجرتها سلطة الآثار بين الأعوام 1999-2000,  أدارها الباحث راز كليتر (רז קלטר) بالمنطقة المتواجدة شرقي الشارع حيفا – تل أبيب والتي كانت معدة لتوسيع الشارع من قبل شركة المواصلات (מ.ע.צ).
المكتشفات الأثرية:
يعود الأستيطان الأول في تل السمك الى عصر البرونز الأخير (القرن التاسع عشر ق.م.) حيث أقيم لأول مرة بالموقع معسكر بيد الجنود المصريين ليكون مركزا لهم, في محاولات الأجتياح والأحتلالات شمالا. ألا أنه ومع مرور الوقت تحول المكان الى مستوطنة للمواطنين الأعتياديين بدلا من قوات الجيش.
وقد كشفت الحفريات الأثرية عن بقايا المنازل السكنية والتي يعود تاريخها للفترة الكنعانية الأخيرة, الى جانب المبان العمومية التي عثر بداخلها على أدوات الفخار المحلية وتلك المستوردة, من قبرص واليونان بالأضافة الى الحلى والختام المصرية. جميعها معا تدل على العلاقات التجارية للموقع مع قبر واليونان والرابط بين تل السمك والحضارة المصرية آنذاك.
للعصر الحديدي (القرن 12 حتى القرن السادس ق.م.) تعود آثار  أسوار مبنية بشكل جدران مزدوجة, بالأضافة الى آثار معاصر الزيتون, مخازن وغرف تابعة للمنازل السكنية. اما أدوات الفخار فشملت بقايا لصناعات محلية ومستوردة, أضافة الى البعض من التماثيل الصغيرة المستعملة في الطقوس الدينية.
خلال الفترة الفارسية (القرن السادس – الرابع ق.م.) كان الموقع تحت سيطرة المدينة الفينقية صور, الأمر الذي ساهم في توسيع القرية الصغيرة في تل السمك الى مدينة كبيرة. تشير الى ذلك القلعة التي عثر عليها بالموقع, الى جانب التحف الصغيرة والتي شملت أدوات الفخار, الأسلحة القديمة, الحلى وغيرها.
قلعة أضافية بنيت بالموقع خلال الفترة الهيلانية (القرن الرابع ق.م.) منها لا زالت بالقية حتى أيامنا آثار المخازن فيها جرار كبيرة مختومة باللغة اليونانية.  وقد استمر بناء القلاع بالموقع خلال الفترة الرومانية أيضا (القرن الأول ق.م وحتى القرن الرابع ميلادي).
الى أوج ازدهارها وصلت المدينة خلال الفترة البيزنطية (القرن الرابع – السابع ميلادي), ونجد خلال الحفريات الأثرية, أن الجزء الأكبر من المدينة بتلك الفترة, امتد بالمنطقة المجاورة للتل وليس عليه. الى تلك الفترة تعود آثار المباني العمومية, المنازل السكنية, المناطق الصناعية وغيرها. العديد من تلك المباني كانت مرصوفة بالفسيفساء المزخرف بشتى الأشكال والألوان. إلى جانب ذالك كشفت التنقيبات عن آثار كنيسة تابعة لدير للرهبان يعود للفترة البيزنطية. أحدى أرضيات الدير, رصفت بالفسيفساء الملون والذي كان يحمل كتابة باللغة اليونانية تقول "هذا مكان الأيام السعيدة".
أما الحفريات التي جرت بين الأعوام 1998-1999, كشفت عن آثار خمسة مباني يعود تاريخها الى الفترات البيزنطية وحتى الأموية (القرن السادس – السابع ميلادي). تلك المباني تمركزت على الطريق الرئيسي المار شمالا مما يشير إلى أن سكان تل السمك بتلك الفترة, اعتمدوا على التجارة وضيافة المارة بالمنطقة, إضافة إلى صيد السمك والاستيراد.
من بين المكتشفات البارزة جدا خلال حفريات العام 1998, كانت الجدران المتعرجة التي تشير إلى هزة أرضية أصابت الموقع خلال القرن السابع ميلادي, مما أدى إلى دماره, حيث لم يعد ليبنى من جديد بعد ذلك سوى القليل من المباني هنا أو هناك وليس كمدينة كما كانت عليه في أوج مجدها.

كتب: كميل ساري مدير قسم الرقابة, الأبحاث وسياسة صيانة الآثار في سلطة الآثار

شرح الصور:
1. تل السمك لمحة إلى الموقع


2. صحن فخار مستورد من قبرص – القرن 13 ق.م


3. جرة فينيقية من قبرص – القرن 10 ق.م


4. رسم الآلهة إيزيس – القرن 6 ميلادي


5. سكين من الحديد – القرن 6 ق.م.


6. أرضية فسيفاء من الدير البيزنطي تحمل كتابة باللغة اليونانية "هذا مكان الأيام السعيدة"


7. جدران متعرجة من منتصف القرن السابع ميلادي دلالة على هزة أرضية


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *