هل انتهى حزب العمل الإسرائيلي؟! وديع أبو نصار- حيفا

مراسل حيفا نت | 31/10/2009

تعرض إيهود باراك، زعيم حزب «العمل إلى هجمة شرسة من بعض زملائه في جلسة قائمة الحزب التي انعقدت في الكنيست يوم الاثنين المنصرم ليس فقط بسبب عدم تعاون باراك بحكم منصبه وزيرا للدفاع في حكومة بنيامين نتنياهو مع النداءات المطالبة بلجنة تحقيق إسرائيلية حول ممارسات السلطات الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة على غزة، ولكن أيضا بسبب التراجع الكبير في شعبية الحزب خلال الأشهر القليلة الماضية حيث دلت استطلاعات الرأي التي نشرت في صحافة نهاية الأسبوع الماضي بأن العمل قد "يتحطم" إلى نحو ستة مقاعد فقط في حال جرت انتخابات للكنيست وذلك بعد أن كان قد تراجع في الانتخابات الأخيرة التي عقدت قبل بضعة أشهر فقط من 19 مقعد إلى 13 مقعد فقط.
وفي الوقت الذي يدور الحديث في بعض أروقة الحزب عن احتمال قيام اسحق هيرتسوغ أو أوفير بينس بالترشح لمنافسة باراك على زعامة الحزب، إلا أن أغلبية الاستطلاعات تدل على أن أي من هؤلاء، وبالرغم من تمتعهم بشعبية في بعض أوسط الحزب، لن يستطيع بالضرورة هزيمة إيهود براك من جهة، وحتى إن استطاع أحدهما فعل ذلك، فإن أي منهما لن يقدر، بحسب الاستطلاعات، على قيادة حزب العمل ليس فقط نحو العودة لقيادة زمام الأمور في الدولة بل أيضا نحو الحصول على الموقع الثاني من حيث عدد المقاعد في الكنيست.
لكن، بعكس ادعاء بعض خصوم باراك في الحلبة الحزبية الإسرائيلية، لا يجوز اتهام براك وحده بالتراجع الكبير في شعبية الحزب خلال الأعوام الماضية ولا سيما في الأشهر الأخيرة.
صحيح أن باراك هو زعيم الحزب حاليا وهو المسؤول الأول عما آلت إليه أوضاع الحزب، إلا أنه منذ اغتيال يتسحاق رابين في العام 1995 والحزب في تراجع مستمر مع أن الحزب غير في هذه الفترة ما لا يقل عن أربعة رؤساء، من بينهم شمعون بيرس وعمرام متسناع وعمير بيرتس وإيهود براك نفسه.
فبالإضافة إلى تفرد باراك بقيادة الحزب وتركيز جل اهتمامه على عمله كوزير للدفاع في حكومة نتنياهو وعدم منحه الاهتمام الكافي لتحسين صورة وقدرات الحزب، إلا أن هنالك ثلاثة عوامل رئيسية التي يمكن اعتبارها العناصر الأهم وراء تراجع شعبية حزب العمل سواء في إسرائيل وفي العالم.
أولا، غياب الصبغة اليسارية عن الحزب، بالأساس منذ اغتيال اسحق رابين في العام 1995. فشمعون بيريس، وبالرغم من التأييد الجارف الذي كان يتمتع به غداة مقتل رابين، تخبط كثيرا ولم ينسحب من الخليل كما كان مقررا، ولم يكمل ما بدأ به رابين من مفاوضات على المسار السوري، لا بل خاض حربا في لبنان (التي سميت آنذاك إسرائيليا بعملية "عناقيد الغضب") ما جعله يخسر الانتخابات التي جرت في أيار من العام 1996 لصالح بنيامين نتنياهو.
ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا وحزب العمل يتخبط بين اليسار واليمين وما كان فوز إيهود براك في انتخابات العام 1999 سوى قصاصا شعبيا لعنجهية نتنياهو بسبب الفضائح المتكررة التي لحقت به وبزوجته، وهو السبب الذي يجعل من مستشاري نتنياهو يصرون على "إخفاء" زوجته عن الأضواء منذ توليه زمام الأمور في الدولة مجددا قبل بضعة أشهر.
إن تخبط العمل بين اليسار واليمين لاسيما بعد اتهامه بالمسؤولية عن فشل مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000 واندلاع الانتفاضة الثانية ساهم بشكل كبير ليس فقط بتراجع هذا الحزب بل ما يسمى بمعسكر اليسار وبالذات الأحزاب الصهيونية "اليسارية" مما قلص مجموع عدد مقاعد حزبي العمل وميرتس من نحو 50 مقعد في العام 1992 إلى 16 مقعد حاليا ومع احتمال تراجع هذا العدد إلى 8 في الانتخابات المقبلة!
ثانيا، ومنذ أن دعم يتسحاق رابين حاييم رامون لمنافسة حاييم هبرفيلد، مرشح شمعون بيرس، لرئاسة نقابة العمل العامة الإسرائيلية "الهستدروت" في أوائل التسعينات فقد تراجعت العلاقة التنظيمية بين حزب العمل والهستدروت بشكل ملحوظ، ولم تعد الهستدروت التي أسسها دافيد بن غوريون في العشرينات من القرن الماضي ذراعا قوية لحزب العمل، بل أصبحت جسما مهنيا منفصلا عن الحزب وبالتالي فقد الحزب قواعد شعبية كبيرة كان يتمتع بها من خلال هذه النقابة.
كما فقد الحزب منذ ذلك الحين علاقاته القوية التي كان يتمتع بها مع العديد من النقابات مما جعله يفقد قواعد انتخابية التي كانت تشكل نواة مهمة في شعبيته، الأمر الذي يجعل شعبية الحزب الآن تقتصر بالأساس على قدامى الأعضاء ممن لا يزالون يحنون إلى الأمجاد الماضية للحزب عندما كان القائد الأوحد لمعظم مؤسسات الدولة.
ثالثا، يفتقد حزب العمل، بالذات منذ اغتيال اسحق رابين لقيادة كاريزماتية قوية تستطيع تجميع الحزب خلفها. فحتى رابين عاني من وجود معسكرات داخل الحزب، ومع مقتله برزت هذه المعسكرات بصورة أكبر وقد خابت آمال أعضاء الحزب بعد كل مرة جرت فيها انتخابات داخلية لزعامة الحزب بأن ينجح الرئيس الجديد إن لم يكن بتوحيد الحزب فعلى الأقل بوضع استراتيجية له وبتنظيم أموره.
باختصار، يمكن القول بأنه لا يمكن التكهن بأن يحدث أي تحسن في شعبية حزب العمل في المستقبل المنظور حتى وإن نجح أحد أقطاب هذا الحزب باستبدال باراك في موقع الزعامة، مع أن فرص حصول ذلك ليست بالكبيرة لأن خصوم باراك يكرهون بعضهم البعض بصورة لا تقل عن كرههم له!
فمشكلة حزب العمل خاصة واليسار الصهيوني عامة تكمن بعدم الجرأة لطرح بدائل حقيقية لسياسات اليمين، مما جعل الكثير من الإسرائيليين وحتى الكثير من اللاعبين الدوليين الذين راهنوا على حزب العمل واليسار الصهيوني في الماضي يفقدون الأمل من عودة هؤلاء للتأثير على مجريات الأمور في الدولة.
لكن، بالرغم من ذلك، فإن تحطم حزب «العمل» لن يحصل على الأرجح مرة واحدة بل سيحصل على مراحل، لأنه في المستقبل القريب سيبقى يحصل على بضعة آلاف الأصوات من قدامى الحزب الذين لا يزالون ينتظرون معجزة ما أو الذين لا يزالون يرون بأنفسهم ملزمين دعم الحزب الذي نشأوا فيه بالرغم من أن هذا الحزب لم يعد يملك رؤية واضحة في أي من القضايا التي كان حازما فيها قبل بضعة عقود!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *