"نوبل" مؤامرة صليبية-صهيونية و"غينس" فرصتنا الوحيدة لولوج التاريخ..
هل تكفي دحرجة مآلنا إلى عتبة الاستعمار، الذي ترزح تحته شعوبنا؟
من الصعب رصد أية قيمة نوعية لكتاب "غينس" (الذي يسميه البعض "موسوعة") للأرقام القياسية. فما الفائدة، مثلا، من معرفة أنّ هناك رجلاً في ولاية مشيغين الأمريكية تمكّن من وضع 16 صرصارًا في فمه لثوانٍ عشر؟ معظم "الأرقام القياسية" التي يؤرّخ لها هذا الإصدار السنوي (التجاري طبعًا) لا تعبّر عن إنجازات فعلية وبالتأكيد ليس عن إبداع من أي نوع. فالحدّاد الذي يستطيع تحضير سارية علم من 60 مترًا (رقم قياسي أردني) يستطيع أن يصنع سارية من 62 مترًا أيضًا.
ومن الأصعب استساغة تهافت أقليتنا الأصلانية الصامدة على دك قلاع التاريخ من خلال كتاب غينس تحديدًا، وحصريًا. أصلاً، هناك إشكالية في مجرّد فكرة المبادرة إلى عمل ما لمجرّد تسجيل أو افتعال رقم قياسي. ناهيك عن تمحوُر معظم "إنجازاتنا" في الفولكلور دون سواه.
بدأت القصة مع "أطول دبكة" ضمن حملة دعائية لشركة مشروبات إسرائيلية، لتتوالى "الإنجازات" بأكبر سدر كنافة (نابلس المحتلة) وأكبر قالب حلاوة (الناصرة)، والآن أكبر جاط تبولة في العاصمة شفاعمرو. هذا طبعًا بعد النصر اللبناني (المُبين لكن غير الإلهيّ) على إسرائيل بأكبر صحن حمص في العالم.
قد يقول البعض إن تثبيت عروبة أو فلسطينية هذه المأكولات يأتي دفاعًا عنها من القرصنة الاستعمارية الإسرائيلية. هذا منطقي ومقبول. لكن هل تعلمون أنّ الرقم القياسي النصراوي مُسجَّل، رسميًا، على اسم إسرائيل؟
ولكن المؤشر الأخطر لهذا النسق الوهمي من "الإنجازات" هو التكيّف مع هامشيّتنا الحضارية والعلمية وتخلفنا عن ركب التطوّر والتقدّم البشري. فجائزة نوبل عبارة عن مؤامرة صليبية-صهيونية، والألعاب الأولمبية والمقاييس الأممية والقيم الكونية منحازة ضدنا ثقافيًا، لتضحي "موسوعة" غينس فرصتنا الوحيدة لصُنع التاريخ، إذا ما استطعنا إلى البقدونس سبيلا.
ويأخذنا هذا إلى التصريحات، العنصرية من حيث السياق والمنطلقات والأهداف، التي أدلى بها مؤخرًا المستشرق الإسرائيلي سيء الصيت دان شيفطان. فبعيدًا عن جلد الذات وتذويت الدونيّة والتماهي مع القاهر، أليس في بعض تشخيصاته ("بيناتنا" كما نقول) شيءٌ من الصحة، بالنسبة للقرون الأخيرة على الأقل؟
فهل تكفي دحرجة مآلنا والمسؤولية عنه إلى عتبة الاستعمار، المباشر وغير المباشر، الذي ترزح تحته الشعوب العربية منذ قرون طويلة؟ وهل يمكننا، نكايةً بعنصرية شيفطان ومن هو على شاكلته، أن نغضّ الطرف عما هو صحيح في أقواله، مهما أراد به من باطل؟