عن أوبــاما, جائزة نوبل و…. هاري بوتر! بقلم: هشام عبدُه

مراسل حيفا نت | 23/10/2009

تمهيد:-
أثار خبرُ فوز أوباما بجائزة نوبل للسلام عاصفة من التحفظّات, ومن الإستهجانات, وحتى الانتقادات الشديدة اللاذعة, ابتداء باليمين الجمهوريّ الأمريكي اليميني الذي هاجم القرار في وسائل الإعلام قاطبة, ومرورا بصحفيين في فضائية الجزيرة, وانتهاء برفاق شيوعيين نشروا مقالاتٍ من الإنتقادات في صفحات الإتحاد.
ستحاول هذه العجالة أن تظهرَ جانبا آخر هامّ قد يكون قد فات المنتقدين الشيوعيين
لنبتدئ مقالتنا ب… قصة هاري بوتر الثالثة: "هاري بوتر والسجين  (الهارب. هـ. ع.) من أزكابان."
1. عن "الديمنتورات" في قصص هاري بوتر وعن فُـقدان الأمـل:-
تسردُ الكاتبة جي. كي. رولينج قصة الديمنتورات ألا وهم حرّاس في سجن خيالي أسمه "أزكابان" (هل تقصدُ رولينج يا تـُرى أيضا في كتابها سجن أفغانستان للمرأة الأفغانيّة,  وللشعب الأفغاني الذي احتل بلاده الأمريكيون؟).
تسردُ رولينج في كتاب هاري بوتر الثالث, قصة َ اقتراب طلاّب مدرسة السحر هوجوارتس من تلك المخلوقات المخيفة, الديمنتورات:-
" تابع "نيفيل" بصوت أعلى من المُعتاد:-
"لقد كانَ مـُخيفا هل شعرتَ بهذه البرودة الشديدة التي أحاطت بنا من كل صوب عندما دخل (الديمنتور. هـ. ع.) هـُنا؟"
قال رون وهو يحرّك كتفيه: " لقد شعرتُ بشعور ٍ غريب, وكأنّي لن أشعرَ بالفرحةِ مرة أخرى أبدا!".
ثمّ عاد هاري يتساءل:" ولكن ألم يسقط أحدكم من فوق مقعده؟"
أجاب رون: " لا… لقد أخذت جيني ترتعدُ, كما لو مسّها جنون عندما اقترب الديمنتور الحارس!"
وفي مكان آخر من نفس القصّة, تسردُ المحادثة التالية بين أستاذ في مدرسة السحر "هوجوارتس" وبين هاري بوتر:-
" قاطع الأستاذ لوبين هاري بوتر, كما لو كان يقرأ أفكاره: "الأمر لا علاقة له بالضعفِ أو القوّة, إنّهم (الديمنتورات هـ.ع.) يؤثرون عليك بهذا الشكل لأنّ حياتك السابقة بها رعبٌ لم يعرفـُه الآخرون (يشير لوبين إلى مقتل والد هاري بوتر وأمّه أمام أعينه وهو طفل رضيع!هـ.ع.).
إنّ هؤلاء الحرّاس من أكثر المخلوقات غباء, إنّهم لا يطيقون السلامَ ولا الأمل, أو السعادة, إنّهم يمتصّونها جميعا, وحتى العامّة (فئة تختلف عن فئة السحرة في قصص بوتر. هـ.ع.) يشعرون بوجودهم. اجعل فقط واحدا منهم (أي من فئة العامّة. هـ. ع.) يقتربُ قليلا من أحد هؤلاء الديمنتورات لن يلبث إلا ويشعرُ أنّ كل شعور طيب وكل ذكرى سعيدة قد ذهبت منه. ولن يتركك الديمنتور إلا حتى يجعلك مثله كئيبا وبلا روح, لتبقى لك فقط أسوأ خبراتِ وأحداث حياتك!"

متى شعرت جماهير شعبنا الفلسطينيّة بالغضب الشديد وبفقدان الأمل في حلّ عادل وحتى انعدامه؟
ألم تشعرُ الجماهير العربية الفلسطينيّة بالغضب الشديد وبفقدان الأمل عندما حدثت مجزرة صبرا وشاتيلا بقيادة وزير حرب لبنان الأولى شارون وخرجت في مظاهرات في الناصرة وحيفا وأم الفحم, وغيرها, كانت أروع المظاهرات بعد يوم الأرض, وأكبر المظاهرات في العالم العربي قاطبة.
فكلما تبوّأ هذا الإسرائيلي القابع كالنبتة الصفراء في مستشفى بيت-ليفنشطاين, منصبا عسكريّا سياسيّا كانت تحدث كوارث عديدة لشعبنا الفلسطيني! كان شارون بمجرّد وجوده في منصب رسميّ ما, يمتصّ كل بارقة صغيرة من الأمل, تماما مثلما تفعل الديمنتورات في سجن أزكابان!
فعندما كان شارون قائد المنطقة الجنوبيّة كان مسؤولا مباشرا عن مجزرة قبية. وعندما أصبح وزيرا للحربيّة الإسرائيلية كان مسؤولا مباشرا عن حرب لبنان الأولى, وعن مجزرة صبرا وشاتيلا وعن طرد منظّمة التحرير من بيروت إلى تونس البعيدة.
وعندما أصبح رئيسا للمعارضة في الكنيست, داست قدماه باحة مسجد الأقصى فدنّسته وقتل في هذه الزيارة ثلاثة فلسطينيون, وجـُرح العشرات, وانطلقت هبّة أكتوبر المجيدة.
وعندما فاز شارون أخيرا برئاسة الحكومة فوزا ساحقا, شنّ حربا همجيّة ثانية على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية في عمليّة "الجدار الأمنيّ", وباشر في بناء جدار الفصل العنصري. (يبدو أن شارون مهووس بالجدران: منذ بناء الجدار الطيّب في جنوب لبنان, ومن ثمّ عملية الجدار الأمني (חומת מגן), ومن بعدهاقام بدكّ جدران مخيم اللاجئين في جنين, واخيرا في بناء جدار الفصل العنصري. أي باختصار تواجد هذا المسؤول الإسرائيلي في الساحة العسكرية أو السياسية, كان يمتصّ كل بارقة أمل في السلام أو بالشعور بالإرتياح, فشارون هو ديمنتور إسرائيل وفلسطين, فليبقَ نبتة صفراء قابعة بين أربع جدران (فهو يحبّ الجدران في كل مراحل حياته). في مستشفى بيت-ليفتشتاين.
وعندما اعتلى بوش الإبن (أو بالأحرى الولد) شنّ حربا همجيّة على أفغانستان الضعيفة للغاية, وقتل عشرات الآلاف من الأفغانيين , ومن ثمّ شن حربا ثانية أكبر وأوسع في العراق راح ضحية لها مئات الآف العراقيين وحوالي خمسة الآف جنديّ أمريكي.
عندما فاز بوش بالمرّة الأولى في الرئاسة جلب على العالم ويلات الحروب (في أفغانستان والعراق), وويلات التعذيب في معسكر غوانتانمو!
ولم تبق بارقة أمل لشعوب المنطقة بأي حل سلميّ ممكن. لقد امتص كل شعاع أمل ممكن. وعندما فاز بوش بالمرّة الثانية, أتت كارثة هوريكان كاترينا, فتبيّن أن الحكومة الأمريكية لا تملك الوسائل, أو الميزانيّات, بسبب حروبها الخارجيّة البعيدة, لأن تنقذ مواطني نيو-أورلينس ففقد سكان هذه الولاية الأمريكية الكبيرة الذين غالبيتهم من الأفارقة الأمريكيين.
 الأمَل في بناء بيوتهم من جديد!

عن جائزة نوبل للسلام:-
هي جائزة نوبل الوحيدة التي تحسـِمُ فيها لجنة تحكيم نرويجييـّه, وليست سويدية. (وذلك وفقَ وصيّة مكتوبة للعالم ألفرد نوبـِل), فقد رغب نوبل أن تكون دولة النرويج المسالمة في تاريخها بالذات هي التي تمنح الجائزة المميّزة. وقد منحت اللجنة هذه السنة الجائزة لبراك حسين أوباما للأسباب الهامّة التالية:-
1. "اللجنة تمنح الجائزة لأوباما بفضل عمله الخارق من أجل تعزيز الدبلوماسيّة الدوليّة والتعاون بين الشعوب"
2. "اللجنة تعطي الجائزة بفضل مبادرة أوباما المباركة من أجل عالمٍ منزوع من الأسلحة النوويّة."
3. لقد أكّد أوباما أنّ الحوار الدبلوماسي والعلاقات الدوليّة هي الطريق الوحيدة المتاحة التي تستطيع حلّ المشاكل الدوليّة, حتى المشاكل المعقّدة جدا منها.
والسبب الرابع والأخير والأهمّ برأيي:-
4. "من النادر حقا أن يجذبَ إنسان واحد قائد اهتمام العالم بأجمعه وأن يمنح الشعوب الأملَ في مستقبل أفضل!" (Yes we can!)
إنّ الذي تقوله اللّجنة باختصار شديد وبكلمات أخرى: لقد ولّى عهدُ الديمنتور الأكبر, بوش الإبن (وولّى معه عهد ماكين لو فاز بالرئاسة) بفضل فوز أوباما الساحق عليه, وعلى سياسته الكارثيّة اتجاه أبناء شعبه أولا, واتجاه أفغانستان والعراق والعالم أجمعين.
إنّ بثّ الأمل بين شعوب العالم, حسب تقدير اللجنة, هو أحد الأسباب الكافية والهامّة لمنح رئيس أمريكا الأفريقي الأوّل في تاريخ الولايات المتّحدة الأمريكيّة, جائزة نوبل للسلام للعام 2009
عن الرئيس براك أوباما:
لقد كان فوز أوباما أسود البشرة, التي تنحدر زوجته ميشيل من سلالة "عبيد" أفريقية امريكية (من قبل ثلاثة أجيال فقط!) بالرئاسة مفاجئا جدا على الرغم من كل الاستفتاءات العديدة التي تنبّأت بفوزه الأكيد.
لا شكّ أنّ الولايات المتحدة, بعد عهد مارتن لوثر كينج, ونضال حركات حقوق الإنسان, قد قطعت شوطا كبيرا لكسر حاجز العنصريّة (وفي المُقابل في بلادنا هنا, يتبوّأ عنصري كليبرمان منصب وزير الخارجيّة!).
إنّ صورة أوباما وهو يخطب على شاشات التلفزيون تجعل المشاهدُ يتأكّد أنّ أمامه شخص يفهم ما يقوله, (وليس أحمقا  مثل بوش الإبن. فمتّى بالضبط سمع القارئ بالأخبار مؤخرا, عن رئيس دولة يختنق وهو يأكل كعكا مسمّـما – أقصد طبعا كعكا مـُسمسماً! – عندما كان يشاهدُ مباراة رياضيّة بالتلفاز, فيسقط فاقد الوعي من الكنبة ليضرب رأسه بالأرض؟ متى؟؟).
والأهم من كل ذلك, يرى المشاهد أمامـَه شخص يفكّر بعقلانيـّة.
• إنّ خطاب أوباما الهامّ في برلين, الذي دعا فيه إلى نزع كل الأسلحة النووية, واعترافه بأن المسؤوليّة الأولى والكبرى لهذا المشروع السلميّ تقع على كتفي بلاده, لأنها كانت أول من استعمل الأسلحة النوويّة في هيروشيما وناغازاكي (وحتى هذه اللحظة هي آخر من استعملها!).
• إن براك أوباما كان السيناتور الوحيد تقريبا من حزب الديموقراطيين الذي صوّت ضد الحرب في العراق!
• إنّ براك أوباما هو الذي صادق كرئيس على كشف ملفّات التعذيب الفظيعة التي قامت بها أجهزة الأمن الأميريكية وعلى رأسها السي. آ. إي, وذلك على الرغم من هجوم متواصل شرس وعنيف من نائب الرئيس اليميني السفر السابق ديك تشيني, ومن لفيف من أعضاء الكونغرس الأمريكي.

• إنّ براك أوباما تعهّد بالإنسحاب التامّ من العراق حتى نهاية العام 2012 وتعهّد بإغلاق معسكر الإعتقال الهمجيّ في خليج غوانتانامو حتى نهاية السنة الحاليّة.
كما إنّ براك أوباما استطاع أن يمرّر أول قانون تأمين صحي في تاريخ أمريكا كله, يحتضن بداخله تأمين صحيّ كامل لأكثر من 30 مليون مواطن أمريكي من الطبقات الفقيرة!
ويعود القائل السابق يسأل: ولكن ماذا مع الحرب في أفغانستان, وهل سينسحب حقا من العراق, أم أنّ هذا التعهّد هو مجرّد مناورة انتخابيّة فحسب؟
هنا بالضبط تظهر أهميّة الجائزة وذكاء أعضاء لجنة نوبل النرويجية الشديد (اللجنة أقرت الفائز أوباما من بين 250 مرشّحا ً):
لقد أحاطت الجائزة أوباما بوسائد خيالية وثيرة يملؤها قطن مكثّفٌ أبيض من الأمل يسلام دوليّ, وبعيدة كل البعد عن سجن أزكابان وحرّاسه, فأثقلت عليه طريق العودة إلى عهد بوش المأساوي. أو كما كتب المعلّق رؤوفين بيدهتسور باختصار في صحيفة هآرتس (14-10-09):
"بعد منح جائزة نوبل للسلام هذه لأوباما, ولّت إلى غير رجعة إمكانيّة ضرب إيران عسكريا!".
لقد "قيـّدت" الجائزة أيدي الرئيس أوباما بسلاسل ذهبيّة من الإلتزامات إذ كتبت اللجنة: "لقد أكّد براك أوباما أنّ الحوار الدبلوماسي والعلاقات الدوليّة, هي الطريق الوحيدة المُـتاحة أمام الدول من أجل حلّ المشاكل الدوليّة, وحتى المشاكل المعقّدة جدا منها."
الآن تستطيع هيلاري كلينتون (التي أيّدت في حينه شنّ الحرب على العراق!) أن تشاركَ بمؤتمرات صحفيّة كما تشاء مع نظيرها الإنجليزي لتهدّد فيها إيران بنفاذ الوقت والطرق الدبلوماسيّة,  ولكنها وزيرة خارجية الولايات المتحدة (أو كما يطلق عليها الأمريكيون بحقّ: سكرتيرة الخارجيّة) . إذن هيلاري هي مجرّد سكرتيرة الخارجية الأمريكيّة التي تعمل في… مكتب الرئيس أوباما. وهي ستفعل بالضبط ما يأمرها به الرئيس. ولكنّه لن يأمرها, بعد تلقيه جائزة السلام, بتبرير حرب أميركيّة على إيران! (كما تشير الأخبار, قبل ساعات معدودة, إلى أنّ لجنة الطاقة النوويّة توصّلت في جينيف بعد محادثات دبلوماسيّة مكثّفة, إلى اتفاق مع إيران حول تخصيب الأورانيوم في روسيا)

ويعود القائل السابق ليسأل ثانية : ولكن ماذا مع أفغانستان؟
على الرغم من ضغوط عسكريّة شديدة في الآونة الأخيرة, ومن انتقادات صحفيّة عديدة ما زال أوباما,  يرفض حتى الآن إرسال المزيد من الفرق العسكريّة الأميريكية إلى أفغانستان.
أعطوه وقتا كافيا, يا زملائي الشيوعيين الذين تكتبون المقالات بغزارة … في صحيفة الإتحاد (ويا أستاذي في موضوع اللغة العربية محمّد علي طه) وسوف ينسحبُ أوباما بجنوده من العراق, كما وعد, و ثمّ من … أفغانستان أيضا. (فما زال لديه 10 ملايين فقير أمريكي لا يشملهم التأمين الصحيّ الجديد).
كما أنّ أوباما قد يلقي خلال فترة رئاسته, القبض على بن-لادن ليحيله إلى المحكمة الدوليّة في هاغ من أجل محاكمة بن-لادن على جرائم ضد الإنسانيّة! (لكن من المستبعد أن تتمّ المحاكمة المتوقّعة لأنّ  بن- لادن بدون شكّ سينتحر, كما انتحر من قبله هيتلر داخل ملجأ في برلين,  قبل لحظات من القبض عليه في داخل كهف في تورا بورا.)
خاتمة:
يقول الشعرُ العربيّ: "ما أضيقَ العيش لولا فـُسحة الأمل!"
(حتى لو كانت فسحة أمل قصيرة كتلك التي خيّمت على هيتلر في آخر أيام حياته )
وما أصعبَ وأضيق حياة الشعوب قاطبة داخل سجن أزكابان-أفغانستان في حينه, الذي انعدم الأمل فيه تماما, بسبب وجود جورج  د(بليو)يمنتور بوش الأحمقّ (الذي كان ألعوبة بين أيدي نائب الرئيس ديك تشيني اليمينيّ المتطرّف) في منصب الرئاسة الأميركيّة, وهو أقوى وأخطر منصب وعسكري وسياسي عالمي, منذ أيام الإمبراطور يوليوس قيصر, قيصر روما وحتى يومنا هذا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *