‘آه.. كم يصبح سرحان مُخيفًا إن فهم!’
(توفيق زيّاد، سرحان والماسورة)
"إلتقينا في البنك. كنتُ هناك، كعادتي، لترقيع خازوقٍ جديد، وكان هو هناك لشيء من هذا القبيل.لم أرَ ‘ميم’ سوى مرّتين أو ثلاث منذ تخرُّجنا من المدرسة. ‘الكبيرْ عندي صار بالصف الأوّل’، قال بفخر. بعد بضع دقائق من حوارات الـ’وينْ أراضيك’، وكما يحدث في كل محادثة مع كل ‘ابن صف’ لك – تستذكرون أترابكم؛ الذين تزوّجوا والذين هاجروا، الذين تطلقوا والذين عادوا. تعدّدونهم حسب شلتهم، أو موقع جلوسهم في الصف آنذاك، قبل دزينةٍ من السنين. وتمتنِعون، لسببٍ ما، عن ذِكر ‘سين’، لاعب الكرة الماهر الذي تورّط في السموم وهَرَسَه قطار بضائع قادمٌ من الجنوب؛ وكذلك ‘ح’، الرياضي الأسمر الخجول الذي تخرّج من المدرسة والخزانة معًا، ويُقال إنه يعمل في ‘بستان البلدية’ مثليّ الصيت.
‘جوني صار بوليس’. قلتُ له. فراح يوضح أنه ‘متطوّع فقط’ وليس شرطيًا. ‘مش مهم’، قاطعته، ‘المهم بلبس بدلة بوليس، وطاقيّة’. تردّد قليلا ثمّ قال: ‘كنت أتطوّع معهم. تطوّعت لثلاث سنوات’. حاولت أن أفهم ما الذي شدّه إلى الشرطة. ‘ياخي بحبّ’، قال كطفل في حانوت ألعاب، ‘بحبّ الأكشن. يعني.. زي هواية’. ما المشكلة قلت لنفسي – في جمع الطوابع أو صيد السمك؟ أو حتى الخنازير البريّة؟.. لم يلحظ ‘ميم’ تخبطاتي فتابع: ‘تصوّر يا رجل؛ كنت أترك زوجتي وأولادي في الليالي لأتطوّع في إحدى الدوريات. لكنهم.. العنصريون.. كان الشرطي الذي يعمل معي ويأكل معي يتجاهلني إذا ما رآني في الشارع دون الزيّ الأزرق. وإذا وقع شجار في وادي النسناس أو في الحليصة (1)، كانوا يقولون في اللاسلكي إن الحادث لدى الـ’بني ميعوطيم’ (2)، وكانت هذه الإشارة المتعارف عليها كي لا نقصد المكان؛ كي يضربوا بعضهم بعضًا، ثم تتدخّل القوات الخاصّة إذا اقتضى الأمر’.
– هذه سياستهم. ألم تر ما فعلوا في عكّا؟
‘عنصريون أبناء قحبة. في إحدى المرّات خطفت اللاسلكي وصرخت لهم: هنا في الدورية لديك بني ميعوطيم، لماذا لا تقولون عنهم مواطنين كما تقولون عن اليهود؟!’. ميم ليس مُسيَّسًا ولا مُنخبَبًا. لا يرطن بالحيّز والأصلانية، ولا يحلف بفلسطين التاريخية والانتدابية خمس مرّات في اليوم. هزّ رأسه مُستنكرًا: ‘قال بني ميعوطيم قال.. أصلا نحن هنا قبلكم، قبل أن تأتوا. وأنتم الذين عملتمونا بني ميعوطيم. عنصريون، لا يَحترمون ولا يتشحّرون. في النهاية نزلت من الدورية ورحت إلى البيت’.
– وماذا حصل؟
‘كسرتُ الشارة المعدنية التي عليها اسمي. ذهبتُ إلى محطة الشرطة في اليوم التالي، بُلتُ على البدلة ورميتها للضابط. طلبوني للتحقيق. لم أذهب’.
– وماذا فعلوا؟
‘ما الذي يستطيعون فعله؟ ليركبوا أعلى ما في خيلهم’.
ومضيْنا، كلٌ إلى خازوقِه، راضييْن مُرتضييْن.
الصحفي رجا زعاترة – حيفا