فؤاد سليمان
حين أفكّر بتركيا أتخيلها دولة شرقيّة الروح، مليئة بالطبيعة الخلابة وبالمأكولات واللحوم الشهية، وبما أنّي لم أزرها بعد، فإن تخيلاتي عنها تبقى في إطار تخيلات سائح إسرائيلي عادي يريد أن يستجم ويتمتع بالطبيعة ويأكل الشاورما التركية اللذيذة. وكما هو معلوم، فإن تركيا هي دولة أوروبية إسلامية متحررة، تسمح بالملذّات كالكحول وغيرها ويتمتع سكانها بنظام ديمقراطي يسمح بحرية التعبير عن الرأي. أما السؤال الذي بودي أن أطرحه فهو: نحن نعلم أن لتركيا وإسرائيل علاقات صداقة وتعاون عسكري-إستراتيجي، إذًا لماذا تقف تركيا اليوم وتقول للإسرائيليين: "كفاكم إجرامًا بحق الفلسطينيين"؟ والجواب الوحيد الذي يمر ببالي هو: لأن العالم بأكمله وقف ضد الحرب الشرسة التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزّة. وتركيا، مثلها مثل أية دولة متحضرة، تشمئز عندما ترى عدوانًا لا أخلاقيًا يشنّ على أناس لا حول لهم ولا قوّة.
لقد تعلمت في دروس علم الاجتماع التي حضرتها في جامعفة حيفا، وبالأخص في دروس البروفسور سامي سمّوحة، أن إسرائيل هي بمثابة شبه دولة، ذلك لأنه ليست لها حدود ثابتة ومستقرة. كذلك فإنها تبذل قصارى جهدها لكي تنتمي إلى أوروبا، مع أنها تنتمي جغرافيًّا للقارّة الآسيويّة. أما الاتحاد الأوروبي فإنه يرفض طموحاتها للانتماء إليه ويعوّضها عن ذلك بمساعدات مالية معيّنة وبتسهيلات تجاريّة وبدمجها في الأورفزيون وببطولة كرة القدم وغيرها من البرامج وكأنه يقول: "أنت دولة غير أخلاقية، لذا لا نريدك جزءًا منّا، لكن يمكنك الانضمام الى ألعاب كرة القدم السخيفة التي نجريها". والاتحاد الأوروبي هو ليس الوحيد الذي يرى في إسرائيل دولة غير أخلاقية، فنحن نعلم الآن أن تركيا تشاركه هذا الرأي، وهي بالطبع محقّة في ذلك.
أحد أقربائي" الـلزم" ينتمي إلى عشّاق الشاورما التركية ولقد عاد منذ أيام من تركيا وحدثنا عن لحومها الطيّبة، كما وأن أختي التي تزور تركيا من حين لآخر تمتدح شمسها وبحرها. أما أنا فأفضل السياحة الى "خشّة" في سيناء والاستمتاع بالراحة النفسية هناك. لقد أدرت اليوم مفتاح الراديو إلى محطة "غَلغالاتسْ" كي أستمع إلى بعض أغاني الـ"بوب" الحديثة. بعدها بدأت المذيعة بالحديث عن السياحة الى تركيا واتّهمت الحكومة التركية بالتجنّي على إسرائيل، وكان مما قالته أنة "رغمًا عن أن تركيا تتهمنا بقتل الأطفال، إلا أننا نواصل السفر إليها والسياحة فيها. إنهم يريدون نقودنا …". أما أنا فقلت حينها بيني وبين نفسي: "بالفعل، إنّ المواطن التركي يريد الشاقل الـ"لطخ" بكل ثمن، وإسرائيل تحاول دائمًا أن تشتري مَن حولها بالنقود وأن تستعبدهم ماديًا، ومع هذا فإنه ربما آن الأوان أن تتعلم إسرائيل أنه إن أرادت أن تكون مقبولة على من حولها، فإن عليها أن تُظهر وجهًا أكثر إنسانية".
الجميع يعرف طبع السائح الإسرائيلي. إنه وقح، صوته عال، "لطخ" و"سِقع". إذًا لماذا يريدون شاقله المدمّر؟! أمّا فيما يتعلّق بي، فإنني مع كل تصوراتي الـ"إسرائيلية" لتركيا أظلّ عربيًا، أي ألطف بكثير من السائح الإسرائيلي المتوسط.
عندما أغلقت "غَلغالاتسْ" منزعجًا من تحليل المذيعة المغرِّض، أشعلت سيجارة ورشفت رشفة من فنجان قهوتي وقلت لنفسي: "تركيا للأتراك ولأول مرة بِوَرجو وجه عادل مَعانا".