لقد أوصتني زوجتي أنه إذا ما وصَلَنا مُغلّف يتعلّق بالتصويت للحكومة الألمانية المقبلة، فإن عليّ أن أريها إياه في الحال. المغلف المذكور أتى فعلاً في البريد، لكني وضعته في مكان ما فوق الخزانة ونسيت إخبارها عنه. بعد عدة أيام عثرت زوجتي على المغلف، ففتحته وفَهِمت أن عليها التصويت في الحال، وإلا فإن فرصة التصويت ستفوتها. جئت لأكلمها لكنها حين رأتني لوَّحت بالمغلف وصارت تصيح: "ما هذا!!". أما أنا فكان رد فعلي أن صحت أنا أيضًا: "هذا من هذا….ماذا تريدين مني…"، لكن سرعان ما أدركت خطأي واعتذرت. هذه الحادثة أظهرت لي أن زوجتي مهتمة بمصير الانتخابات الألمانية وأنها تريد فعلاً التأثير فيها.
لا أريد أن أكشف لمن صوتت زوجتي. يمكنني فقط التلميح بأن الحزب الذي صوّتت له سوف ينضم إلى الائتلاف الحكومي. وكما هو معلوم فقد انتهت الانتخابات يوم الأحد الفائت بفوز الحزب المسيحي الديمقراطي والذي سوف يشكّل حكومة ينضم إليها الحزب الليبرالي. المهتمون بالسياسة لا بد يعلمون أن الحزب الفائز، برئاسة أنجيلا ميركل، يميل نسبيًا نحو اليمين السياسي وأنه حزب مسيحي محافظ. الحزب الآخر الذي سوف ينضم إلى الحكومة هو حزب يسعى إلى الحرية والديمقراطية، لكن ليس له موقف سياسي واضح. وإن كنت لأقارنه بحزب محلي، فإنه يشبه ما كان عليه حزب "شينوي". أنجيلا ميركل صرَّحت أنها سوف تسعى إلى تقليص البطالة وأنها سوف تشجع السوق الحرة والتصدير، وهما أمران يشكلان أعمدة للاقتصاد الألماني.
أما بالنسبة إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني فالأخبار حسنة، فهو ينمو ويكبر. أحيانًا أتخيل نفسي أسكن مع زوجتي في إحدى مدن ألمانيا، أكتب في صحيفة اشتراكية ألمانية تشبه "الاتحاد"، أنهي كتابة مقالتي ثم أخرج إلى الشارع قاصدًا أحد المقاهي وأنا أفكر بالسياسة والمجتمع الألماني. إن هذه التخيّلات لطيفة، لكني لا أزال هنا ومشغول بواقعنا البعيد كل البعد عن الحالة الألمانيّة. ومع أني لست هناك، إلا أني ابتسمت برضا وأنا أسمع في التلفزيون أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي قد ازدادت قوته بشكل ملحوظ. أما زوجتي فقد "برمت بوزها" وقالت "إنهم ينمون…هاه". لقد ذكرني تعليقها بصديقة لي من أصل روسي كانت تعاني ممّا يمكن نعته بمرض الـ"كوموفوبيا"، أي الخوف الذي يصل حدّ الفزع من الشيوعيّة. هذه الصديقة هي "قادمة جديدة" روسية تتمسّك بمسيحيتها وتكره الاشتراكية. لقد أتت هاربة من الاشتراكيّة إلى الـرأسماليّة!. أنا متأكد من أن الكثيرين ممن يعانون مثلها من الـ "كوموفوبيا" يقولون لأنفسهم: "روسيا خسرت، معناه أن الاشتراكية غَلَط"، لذلك تراهم يخافون من الاشتراكية الحديثة.
ورجوعًا إلى ألمانيا وانتخاباتها. بعد متابعة البث التلفزيوني للانتخابات الألمانية يمكنني القول أنه كان في قمة الاحتراف. وبعكس "الطوشة العموميّة" التي تملأ استوديوهات البث يوم الانتخابات الإسرائيليّة، فقد خيّم الهدوء على غرف البث الألمانيّة. لم يُبد المذيعون فيها أي علامة من علامات التوتر. لقد كانوا وكأنهم يذيعون تقريرًا روتينيًّا عن مصنع سيارات، وحين كانوا ينتقلون إلى بث مباشر من مراكز الأحزاب، فإنهم كانوا يبقون هادئين وغير متوترين أو عصبيين كما هو الأمر عندنا. الانطباع الذي تتركه مراقبة مذيعي حملة الانتخابات الألمانيّة هو أن الألمان كلهم شقر وهادئون.