الرفيق بطرس سمعان من سحماتا المهجرة الى حيفا. بقلم د. خالد تركي

مراسل حيفا نت | 23/08/2009

 

صادَفْتُ الرّفيق بطرس سِمعان، أبا خليل، في أحد الشَّعانين قبل عدَّة أعوام، وعندما هنّأته بالعيد، أجابني: عيدُنا الحقيقي، يا رفيقي، عيدان، الأوّل من أيّار والعيد الأكبر، هو حين تكون عودتنا إلى قريتنا، سُحماتا، بهاتين الجملتين يُلخّص أبو خليل مسيرته النّضاليّة التي ما زال يعيشها دهرًا على دهرٍ وعقدًا على عقدٍ من أجل هدفه السّامي.

فهذه هي صفات الرّفيق الكادح والمُثقّف الثّوريّ الذي خدَمَ وما زال يخدم شعبه وطبقته العاملة من خلال نقابة عمال البناء ولجنة الحيّ، حيّ ابن المُقفّع ودرج البُستان وبوّابة الدّير، فهذا اللاجئ في وطنِه، يُناضلُ من خلال لجنة المُهجّرين من أجل العودة إلى بلدته وعودة باقي المُهجَّرين إلى مدنهم وقراهم التي يبعِدون عنها بُعد مرمى الحجر ولا يسمحون لهم بالدّخول إليها، بينما أولائك الغرباء الذين أتوا بلادنا، من شتّى أنحاء العالم واستوطنوها، وبنوا عليها بيوتهم بعد أن هدّموا بيوتنا وطردونا منهم، ليمنعوا السّكان الأصليّين من العودة إلى ديارهم بحجّة أنّها أصبحت ملكهم، وإن دخلها صاحبُها الأصلي يُتّهم بانتهاك حرمة أملاك الغير، وكأنّهم يعرفون احترام حرمات النّاس وأملاكهم..

يُداوم رفيقنا بطرس على زيارة قريته مع أهلها، مرّة واحدة في السّنة، حين يُصادف التّاريخ العبري للنّكبة ويحتفلون باستقلالهم، حيث يُسمح لأهل القُرى المُهجّرة بزيارة بلداتهم لأنّها في ذلك اليوم لا تُعَدّ مغلقةً، ونُسمّي هذه الزِّيارة بمسيرة العودة، أملاً بالعودة، ويقول أبو خليل " كانت بلدنا ثاني بلد بامتلاكها لأشجار الزّيتون بعد قرية الرّامة، لكنّ الاحتلال جرفها واقتلع غالبيتها، وأنا أُداوم على زيارة بلدي مع أهلها لنؤكِّد على تشبَّثنا بأرضِنا وتمسكِّنا بأملاكنا وعلى حقِّنا الشَّرعي بالعودة إلى قريتنا الغالية، وفي كل مرة أزورها أولَدُ من جديد لأنّها

بطرس سمعان

 تُعيدني إلى طفولتي ومرتع صباي والمطلوب منّا الوحدة والصّمود والأمل والعمل على المثابرة والثّبات على الموقف"…

تقعُ قرية سُحماتا على الطّريق الموصِل بين مدينة صفد ومستوطنة نهاريا السّاحليّة حيث كانت تابعة لقضاء صفد في فترة الحكم العثماني، وبعدها، في فترة الحكم

البريطاني تَبِعت قضاء مدينة عكّا. وتقع القرية شمال شرق مدينة عكّا، وتبعد عنها

حوالي خمسة وعشرين كم وتحيطها أخواتها، القرى المجاوِرة، سبلان وبيت جنّ

وفسّوطة وترشيحا وكفر سميع وحُرفيش.

كانت قرية سُحماتا تعدّ حوالي ألفٍ ومائتين نسمة، من مسلمين ومسيحيّين، عاشوا بسلام وتآخٍ وانسجام وتجانس، حيث كان حمّام العريس المسيحي عند جاره المسلم والعكس صحيح ويخصُّ الفرح أو التّرح أهل كلّ القرية، حيث أنّ فرحهم واحد وترحهم واحد وهمّهم واحد.

سقطت القرية في الثّلاثين من شهر تشرين الأوّل من العام ألفٍ وتسعِمائةٍ وثمانيةٍ وأربعين، بعد أن دخلها لواءان، جولاني وعوديد، كانا قد التقيا عند مدخل القرية، بعد قصفٍ جويٍّ شديدٍ وعنيفٍ وواسع النّطاق من الطّائرات الصّهيونيّة المُغيرة، بعد خروج جيش الإنقاذ منها، وقُتل خمسة عشر مواطِنًا، ما بين امرأة وطفل وكهل، كانوا يحلمون بغدٍ أفضل، كانوا يحلمون بمستقبل أجمل..

لقد تساقطت القنابل مثل "زخّ المطر" على رؤوس المواطنين العُزّل والأبرياء، لإخافتهما وإرهابهم، ليهربوا. "وبقِيَ لعرب أرض إسرائيل وظيفة واحدة – الهرب"(تصريح دافيد بن غوريون، 21/10/1948).

تذكر الباحثة، الإسرائيليّة، الجريئة نوغا كدمان، في أطروحتها للّقب الثّاني في

موضوع علوم السّلام والتّطوّر في جامعة غوتبورغ السّويديّة "في جوانب الطّريق

وفي هوامش الوعي" كيف تُحاول المؤسّسة الصّهيونيّة والمستوطنون اليهود الذين استوطنوا فلسطين أو حتّى سكنوا بيوت الفلسطينيّين بعد طردهم ونزوحهم

منها، مَحْوَها من ذاكرة ووعي الفلسطيني.

لقد تجاوز عددُ هذه القُرى العربيّة التي "أفرَغوها من سُكّانها" (حسب تعبيرها) وفي مكان آخر تكتب احتُلَّت، العددَ أربعمائة..

فقد نهج الاحتلال على هدم البيوت ومسحها مع الأرض، ليمنع عودة اللاجئين إلى ديارهم، حيث قام بعدها بزرع وريِّ الأشجار العاليّة والكثيفة حتّى لا تظهر بقايا البيوت المهدَّمة للعيان "وتُشوِّه المنظر" (حسب تعبيرهم)، كذلك كانت تمنح مُقاولي البناء الحقّ في الدّخول إلى تلك القُرى لجمع أحجار البيوت المهدومة وبناء بيوتٍ أخرى، للمستوطنين، في نفس المكان أو على مقربة منه أو في مكان آخر، بعد أن تُعطي المكان اسمًا آخر لا يمتّ بصلة لاسمه العربيّ أو تمنحه اسمًا قريبًا منه، أو تمنحه اسمًا توراتيًّا، كان الهدف تهويد البلاد والذّاكرة والانتماء ومحو هويّة الوطن العربيّة وعروبة الذّاكرة والشّعور، ومحو أي أثر لهذه البيوت، محو كلّ شيء عربيّ.

فقد أقيمت مستوطنتان على أرض سُحماتا، مستوطنة حُوسِن في جنوب غرب القرية ومستوطنة تسوريئيل في شرقها، حيث اقتطعوا من الأرض مساحات واسعة لتربية المواشي والدّواجن، ويُعقِّب رفيقنا أبو خليل قائلاً: "يظهر أنّه لا يحقّ لنا العيش في أرضنا، حسب قاموسهم، وأنّه يحقُّ  لحيواناتهم الأليفة العيش في أرضنا أكثر منّا"..

عملت المؤسّسة الصّهيونيّة على "منع الفلسطينيّين من العودة أو العمل في أرضهم عن طريق حرقها أو قتلهم بإطلاق الرّصاص عليهم إن عادوا، وتأجير الأراضي العربيّة لمستوطنات يهوديّة، وإقامة مستوطنات يهوديّة جديدة على أراضي اللاجئين وإسكان اليهود في بيوتهم، ومصادرة قانونيّة للأراضي حسب قوانين الطّوارئ البريطانيّة، والإعلان عن هذه المناطق، مناطق عسكريّة مُغلقة بإحكام للضّرورات الأمنيّة وتوكيل الملكيّة التّامّة للكيرن كييمت وجهات حكوميّة رفيعة

المستوى.." (في جوانب الطّريق وفي هوامش الوعي، ص 23).

سحماتا المهجرة اليوم

   

يُعرِّفُنا رفيقنا أبو خليل على نفسه: "اسمي بطرس خليل أسعد سمعان، ولِدْتُ في قرية سُحماتا في العاشر من شهر أيلول من العام ألفٍ وتسعِمائةٍ وأربعةٍ وثلاثين، وتملك عائلتي نحو مائة وثمانين دونمَ أرضٍ أو يزيد، أنهيتُ الصّفّ الرّابع الابتدائي في القرية وانتقلتُ بعدها إلى قرية فسّوطة لتكملة دراستي، أذكر شيئًا، ربّما من ذاكرتي أو ذاكرة من حدّثني في طفولتي، عن ثُوّار الستّة وثلاثين في بلدنا أنّهم حين دحروا الانجليز، بعد أن قتلوا بعضًا من جنوده وأسروا قائدهم حين حاولوا احتلال قريتي، لكنّهم عادوا للانتقام، إذ بعد أن أحكموا الطّوق حول عنق سُحماتا، دخلوها وأفسدوا المؤن وحطّموا أثاث المنازل وأهانوا سُكّانها وأزهقوا أرواحنا وحطّموا خوابي الزّيت والسّمن ورشّوا القمح والطّحين في الشوارع حتّى كِدْتَ تحسب أنّ الأرض بيضاء وخوفًا على أنفسنا هربنا من القرية لكِنَّنا عُدنا إليها بعد أيّام معدودة".

كان عمر أبي خليل أربعة عشر عامًا حين سقطت قريته، في عام النّكبة، بأيدي لوائي غولاني وعوديد، وهُجِّرَ أهلها وبقي في كنيسة القرية المتقدِّمون في السّن وحضرت والدته إلى المدرسة في فسّوطة لأخذه والهرب إلى لبنان، بعد أن أقلّتهم الشّاحنات إلى قرية كفر برعم، كذلك هرب أخوه أسعد إلى لبنان، لكنّهم عادوا إلى الوطن بعد بضعة أيّام مع الرّفيق شفيق متري، بعد أن سمعوا حال عبورهما الحدود نداء شخصٍ من فسّوطة، لا يذكرُ اسمه، "سايق عليكو الله إنكو ترجعوا ولا تتركوا بلادكو" وبعد ذلك عاد أخوه أسعد، ولم تكن هناك حاجة لاستعمال قوانين لَمِّ الشّمل حيث أن عودتهم تزامنت مع عمليّة إحصاء السّكّان ولم يعلم أحد بنزوحهم، وسكنوا قرية البقيعة. أمّا الذين احتموا في كنيسة الكاثوليك، طُرِدوا منها لاحقًا في ليلة عيد الميلاد من عام النّكبة إلى الحدود اللبنانيّة قرب قرية كفر برعم، ومن لم تُسعِفه رجلاه في الهرب والاختباء وجد أهلُهُ أنّ رصاصة

الغدر استقرّت في رأسه.

نصّ رفيقنا بطرس سمعان في الأوّل من شهر تمّوز عامَ ألفٍ وتسعِمائةٍ وتسعةٍ

وأربعين رسالةً، كتبها بخطٍّ جميلٍ طيّب الذّكر أبو عفيف سمعان، موجَّهةً إلى مدير مكتب الأراضي المتروكة مُذيَّلةً بختم وتوقيع مُختارَي البلد أيّوب إيليّا الصّالح وحسين عبد الله الصّالح طالبًا فيها إعادة الأرض لعائلته، حيث تملك عائلته نحو مائة وثمانين دونمَ أرضٍ أو يزيد، والتي تركها اضطراريًّا لظروف الحرب (كما جاء في نصِّ الرّسالة) لينجو مع عائلته من دمارها بعد أن بقيَ في حدود الدّولة ولم يتركها، بقيَ في البلاد مقيمًا ويشهد المختارون والوجهاء على ذلك بعد أن حصَلَ على أوراق التّسجيل من دائرة الإحصاء، ويُبيِّن فيها حقّه في عودته إلى بيته لترميم ما أصاب البيت من دمارٍ ليأويه وعائلته وأهله وزرع أرضه وفلحها في سبيل العيش من أملاكه، يقول رفيقنا أبو خليل: "كان ردّ دائرة الأراضي المتروكة أن هدمت بيتنا بالكامل، بعد أيّامٍ معدودة من استلامهم رسالتي".

سحماتا المهجرة

"بدأتُ العمل أجيرًا في قطف زيتون أرضنا وزيتون قريتنا، عند مقاوِلٍ أصدر تصريحًا لنا للعمل في كرومنا، حيث استغرق عملنا إثنتي عشرة ساعة يوميًّا مقابل خمسة قروش.. بعدها اشتغلْتُ في البناء حيث كان عليَّ حفر أساسات في الأرض لإقامة المنشآت عليها، ويجب أن يكون عُمق الحفرة مترين ونصف المتر، ومن لم يحفر حفرة ونصف في اليوم، كان يُحرَم من أجر ذلك النّهار، مع أنّ المعاش المدفوع كان أقلّ بكثير من تسعيرة الهستدروت لعمّال البناء، فضلاً عن أنّ الشّركة التي كنتُ أعمل فيها هي شركة "سوليل بونيه"، أكبر شركة بناء في الدّولة، وقمتُ مع رفاق لي في ورشة العمل بتحريض العمّال على الإضراب وأنّ علينا العمل يدًا واحدة لإنجاحه، الأمر الذي لاقى تجاوبًا واستحسانَ العمّال، لكنّ العمّال بعد أن حضر مسؤول الشّركة إلى ورشة العمل حال سماعه الخبر، خنعوا ورفضوا الالتزام بقرار الإضراب فقمتُ مستنكِرًا تصرّفهم وتصرّف المسؤول المُكْرِه الذي حضر لإرهابهم ناجحًا، فتركتُ العمل ولم يُدفع لي معاش الأيّام التي اشتغلتُهَا، لكنّهم بعد ذلك بعام واحد، حين شعروا على جلدهم الظّلم أكثر، نظّموا إضرابًا حصلوا فيه على جميع مطالبهم، تقريبًا،لم أغضب من تصرفهم، لكنّي شعرتُ بنشوة عمّاليّة منصورة من ثمار تحريضي على صاحب العمل وظروفه والمطالبة بحقوق أفضل للعمّال.." 

انضمَّ الرفيق أبو خليل إلى الحزب الشّيوعي بعد انتصار ثورة الثّالث والعشرين من شهر تَمُّوز في مصر، حيث كانت لها، في نفسه، أبعاد معنويّة وقوميّة واشتراكيّة وعُمّاليّة، حيث لَم يتجاوز عمره الإثنين والعشرين عامًا، وزاد من قناعته بصواب الطّريق محاضرات الرّفيق خالد الذّكر شفيق متري.

قاد، أوّل انتخابات بلديّة بعد الاحتلال، مع ثلاثة رفاق من فرع البقيعة، كانوا الشّيوعيّين الوحيدين في القرية، حينها، حيث كان على القائمة أن تكون مكوّنةً من خمسة مرشّحين وهم: رزق سمعان، الياس عبده وكمال الحاج وحتى يكون نصاب القائمة قويمًا في مرشحٍ خامسٍ، انضمَّ إلى القائمة الانتخابيّة والد الرّفيق  كمال، ميخائيل الحاج ابن الثّانية والسّبعين، في حينه، ونجحت القائمة بإدخال أوّل شيوعي إلى المجلس البلدي أو حتى أوّل شيوعي في جميع بلدات الشّمال، وأُقيم احتفال كبير في القرية يليق بالنّصر بحضور الرّفيق الشّاعر توفيق زيّاد..

بعد أن أزهقوا روحه بإصدار التّصاريح، انتقل للعمل والسّكن في مدينة حيفا عام ألفٍ وتسعِمائةٍ وستّين، حيث سكن في بوّابة الدّير في قمّة درج البستان المجاور لبداية شارع ابن المُقفّع.

يروي قصّة ابن عمّه الذي كان عاملاً ممتازًا في قطاع البناء، "معلِّم عمار"، حيث لَم يقدر على إصدار تصريح عمل لكونه شيوعيًّا، لذلك عمل بما يأتي ويتسنّى له ويُصادِفهُ من عمل، حيث عمل في فلاحة الأرض عند فلاحي البقيعة بسعرٍ زهيدٍ، ولم يتنازل عن شيوعيَّته..

بدأ العمل، في حيفا، في صبِّ الموزايكا مع ابن عمِّه وجيه سمعان وقد كانوا يدفعون لهُما أجرًا أقلَّ من التّسعيرة الهستدروتيّة، دون أجرة السّفر وتأمينات صحيّة خاصّة بعمال البناء، فقد قاما بالتّجنيد للمطالبة بتحسين ظروف العمل على أن يلوِّحوا لهم بالإضراب، كوسيلة ضغطٍ، إن لَم ينجحوا في تحقيق مطالبهم، حيث جنّدوا لهذا النِّداء إثني عشر عامِلاً يذكر منهم الرّفاق محمود العمر وعادل أبو الهيجاء ولطف مطر.. لقد انتظم الإضراب ونجح حيث تواجدوا في مكان العمل دون أن يعملوا شيئًا مدّة أسبوعين. لكنّ الأمر أغاظ صاحب العمل حيث أتى "وشتمني وهدّدني أملاً منه أن أضربه أو أردّ على استفزازه، بقيت صامتًا لا أردّ عليه، لكن بعد لحظات حضر رجال الشّرطة وساقوني للمعتقل بتهمة تهديده بسكين كانت في حوزتي" كانوا يريدون منه كسر الإضراب والتّوقيع على تصريح يدعو إلى حلّه، لكنّه ادّعى أنّه لا يقرأ العبريّة، ويريد محاميًا ليُدافع عنه، فبعد أن رفضَ التّوقيع على تصريحهم بصّموه بإبهامه عنوةً، وعاد ليجد نفسه ذاهبًا إلى مكان الإضراب الذي نجح لاحقًا وحصلوا على جميع مطالبهم من أجور حسب تسعيرة النّقابة، وتأمينات خاصّة وتحسين ظروف العمل والسّفريّات..

سحماتا المهجرة اليوم

يتحدّث رفيقنا أبو خليل عن الكثير من النّضالات العمّاليّة التي قادها مع رفاق وزملاء له في العمل وأثمرت بنجاح تامّ ويذكر من هؤلاء الرّفاق أديب شرّش، نعمان توما، شفيق عودة (المعلّم)، حنيف حنيف ومحمود كنانة، لقد قادوا إضراباتهم بقوّة صوّانيّة وإرادة حديديّة بوحدتهم ورباطة جأشهم وشجاعتهم التي

لا تعمل للخوف حسابًا ولا للتّهديد جوابًا سوى التّحدّي والصّمود والإقدام..

عمل الرّفيق بدأبٍ ونشاطٍ وما زال يعمل رغم تقدّمه في السّن بهمّة عالية وعزيمة فتيّة وعنفوان شبابيّ في لجنة الحيّ حيث ثابر خلال عقدين من الزّمن على النّضال من أجل تغيير وإعادة بناء البُنى التّحتيّة في حيّ ابن المقفّع بالتّعاون مع النّاشط الأستاذ أسامة هاشول ولجنة الحيّ ونائب رئيس بلديّة حيفا السّابق، عن الجبهة، المربّي اسكندر عمل، فقد قامت البلديّة بتوسيع الشّارع حيث حلّت مشكلة أزمة السّير ومشكلة مواقف سيّارات الحيّ كذلك حُلّت مشكلة الإنارة، لكنّه يُتابع النِّضال مع أهل الحيّ ضدّ القرار الذي وضعته البلديّة بفرضها على سكّان الحيّ الاشتراك بتكاليف مشروع البُنى التّحتيّة، ألأمر الذي لَم تُطالبهم به البلديّة قبل ذلك ولَم تضع هذا الشّرط قبل بدء ومباشرة العمل..

كذلك قاد نضالاً بلديًّا آخر من أجل ترميم درج البستان الذي يَصِل بين بوّابة الدّير وشارع ابن المُقفّع ونجح في تركيب "درابزين" للدّرج لمساعدة المسنّين والمُعاقين على الاتِّكاء أثناء الصّعود والنّزول منه، وبقي مطلبٌ واحدٌ للدّرج وهو ترميمه حيث ما زال يداوم دون كلل على هذا المطلب حتّى يُنفّذ التّرميم، وحين تكون الانتخابات في عزّها نراه، من الأصايل، خَيْلاً أصِيلاً يعمل بروح نضاليّة دون ملل في منطقة غرب حيفا ومحطّة الكرمل وشارع يافا حيث يحرثها كما يحرث الفلاح أرضه البور لتسجيل نصر جديد للحزب والجبهة..

الرّفيق بطرس خليل أسعد سمعان، أبو خليل، شيوعيٌّ يطمح إلى تحقيق العدالة

سحماتا المهجرة اليوم

الاجتماعيّة في وطنه، وتحقيق الحقوق الكاملة للعمّال والفلاحين في وطنهم، ابنُ سحماتا المُهجّرة، لاجئٌ يناضلُ بروحه وفؤاده وعقله مع رفاق حزبه وجبهته من أجل العودة إلى ديار آبائه وأجداده، حيث لا تنازل عن الحقّ في العودة ولا تنازل عن العودة إلى الحقّ ولا تنازل عن الأملاك، أملاك سحماتا كباقي أخواتها في الهمِّ والغمّ والعذاب، أبو خليل لا يتنازل عن حقّه في شمّ النّسيم في بلدته، في خلّة الدّوالي وبقبوش والزّعترة والبلاّنة وجورة اللقيش، ولا تنازل عن حقّه في الشّرب من العين أو من عين البازل ونبعة المويصة ولا تنازل عن مائة وثمانين دونمًا تملكها عائلته، بعد أن جرّده الاحتلال من كلّ شيء وأصبح لا يملك بعده شبرًا واحدًا منها، ناشطٌ في لجنة العمل البلدي يعمل بكدٍّ ونشاط من أجل حقوق سكّان الأحياء المشروعة في العيش في أحيائهم بعزٍّ وكرامةٍ وفي ظروف تليق بالعصر الذي يعيشون وفي مستوى الأحياء اليهوديّة الأخرى، نقابيٌ خدم جمهور العمّال، قاد ووجّه نضالاتهم من أجل الحصول على لقمة العيش بشرف وتحسين ظروف العمل المُذلّ خاصّة في مجال عمّال البناء، رئيسٌ للجنة المراقبة للحزب الشّيوعي، منطقة حيفا لسنين طويلة، بقي صامدًا، شامِخًا وثابتًا على العهد لَم تنل منه أنواء البحر ولا أعاصير التّغيير، عالميًّا وقطريًّا، قيد أنملة.

دُمتَ رفيقًا، معطاءً، كريمًا، عزيزًا وشريفًا ودامت لك عائلتك الكبيرة والصّغيرة ودمت لهما ما دام الدم الحيّ يجري في عروقك أحمرًا حارًّا وما دام هواء الجليل يمرّ عليلاً شافيًا فوق سحماتا ليطمئنَّ ويُطمئنكم عنها، ويعدكم بأنّ لا عيد غير عيد العودة ولا رجوع أو تراجع عن العودة، كما تردّد روحك: عِيدِي يَوم عَوْدَتِي وعِيدِي الأوَّل مِن أَيَّار..  

ونهتف مع أبي خليل، هذا الشّيوعيّ العريق عاليًا قول الشّاعر الفلسطينيِّ الكبير أبي سلمى:

يَا مَنْ يَعُزُّونَ الحِمَى

ثُورُوا عَلَى الظُّلْمِ المُبِيد

بَلْ حَرِّرُوهُ مِنَ المُلُوكِ

وَحَرِّرُوهُ مِنَ العَبِيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *