لأن العاصفة وعدتني بنبيذ وأقواس قزح بقلم : عفيف شليوط- حيفا

مراسل حيفا نت | 11/08/2009

  عندما عرض علي الدكتور محمود عباسي مهمة مشاركته إعداد ملف خاص بالشاعر محمود درويش في مجلة الشرق ، شعرت بثقل المسؤولية وبأهميتها في آن واحد . فقد سبق وكلفني شيخ المترجمين بإعداد ملف خاص في مجلة الشرق عن المسرح العربي في البلاد في العام 1987 ، فكان له ذلك ، أما بالنسبة لي فلازمتني فكرة مشروع توثيق النشاط المسرحي في البلاد ، فطفت القرى والمدن العربية لأجمع هذا التاريخ وأحفظه من الضياع ، الى أن صدر لي كتاب "جذور الحركة المسرحية الفلسطينية في الجليل " في العام 2002 . وفي العام 1992 كلفني الدكتور محمود عباسي بمهمة أخرى لمجلة الشرق ، وهذه المرة طلب مني أن أعد ملفاً خاصاً بالكاتب إميل حبيبي ، أشرف على تحريره : د. محمود عباسي ، ادوار كركبي وناجي ظاهر ، فأجريت لقاء خاصاً مع الكاتب اميل حبيبي في مكتبه في مدينة حيفا ، رافقني في إجراء هذا اللقاء سكرتير تحرير مجلة الشرق في حينه الأستاذ ادوار كركبي ، كما نشرت دراسة أدبية عن السخرية المرة في روايتي المتشائل والعاشق ، فشعرت أني أضفت شيئاً ما عن هذا الروائي البارع ، إن كان بدراستي تلك ، أو باللقاء الذي كشف من خلاله أموراً لم يصرّح بها من قبل ، فشبه جائزة اسرائيل التي منحت له بالكأس المرة التي طلب المسيح من الله أن تعبر عنه هذا الكأس ، وعن سبب توجه حبيبي لكتابة المسرحية قائلاً في تصريح فاجأني " لم تعد الرواية هي الوسيلة الأفضل للعمل الإبداعي ".

أما الآن فأنا بصدد إمتحان لا أحسد عليه ، فكتب الآلاف عن فارس الشعراء محمود درويش  ، ومعظم الناس يتحدثون عنه وعن رحيله ، وتعقد الندوات والأمسيات والأيام الدراسية عنه وعن أدبه ، فماذا عساني أن أضيف أو أجدد في ظل هذا الزخم من المقالات والدراسات والأبحاث واللقاءات والقصائد ؟! عساني أصير باحثاً مجدداً ، أو ناقداً بارعاً ، أو .. أو .. وما أنا إلا واحد من هؤلاء المتيمين بشعره وأدبه وشخصه . 

 

فقد بدأت علاقتي بدرويش ، عندما أصدرت العدد الأول من صحيفة "العاصفة" بتاريخ 12 / 12 / 1991 ، فتعلقت بقصيدته " وعود من العاصفة" ، واخترت اسم الصحيفة بعد قراءاتي المتكررة لقصيدته تلك وتأثري بها ، فأردت أن أجمع الثورة والخير معاً ، التدمير والعطاء ، هدم كل ما هو سلبي وبناء المستقبل . فلم أجد أفضل من "لأن العاصفة وعدتني بنبيذ وأقواس قزح " لتكن شعاراً ملازماً لإسم صحيفتي "العاصفة" . فأعتدنا أن نقرن إسم العاصفة بالهدم والدمار ، فجاء محمود درويش بقصيدته "وعود من العاصفة" لينبئنا بما ستجلبه لنا العاصفة العاتية بعد أن تدمر وتزيل وتغير الوضع القائم ، لتعدنا بالنبيذ الفاخر وبأقواس قزح ، وبعد أن تكنّس العاصفة صوت العصافير البليدة والأغصان المستعارة ، وما أحوجنا الى تكنيس مكثف لأصوات تنعق ، وأياد تخرّب ، ولمجرمين يعيثون في الأرض فساداً ، ولإنتهازيين على إستعداد لفعل شيء ، أي شيء ، من أجل تحقيق مآربهم الشخصية . فأتت العاصفة لتسحق هؤلاء ، ولتكشف لنا عن جذوع الشجرات الواقفة ، هذه الجذوع الشامخة الصامدة ، التي ربما اختفت عن أنظارنا لبرهة من الزمن . وفي ظل هذا التسيّب وحالة الفوضى ، حالة شراء الذمم ، حالة أنا وبس أنا ، حالة فقدان القيم وتفضيل الجاه والمال على الكرامة والشهامة …. إلا أن هبوب العاصفة كفيل بسحق هؤلاء وتكنيسهم لتظهر لنا بجلاء جذوع الشجرات الواقفة .      

 

وحتى لا تبقى مداخلتي مبهمة ، أنشر فيما يلي قصيدة محمود درويش " وعود من العاصفة" ، خاصة أني إعتمدت عليها في تحليلي لإيحاءات العاصفة لدى درويش .

 

وعود من العاصفة

محمود درويش – فلسطين

 

وليكن

لا بدّ لي أن أرفض الموت

وأن أحرق دمع الأغنيات الراعفةْ

وأُعري شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة

فإذا كنت أغني للفرح

خلف أجفان العيون الخائفة

فلأن العاصفة

وعدتني بنبيذ

وبأنخاب جديدة

وبأقواس قزح

ولأن العاصفة

كنّست صوت العصافير البليدة

والغصون المستعارة

عن جذوع الشجرات الواقفة

 

وليكن …

لا بد لي أن أتباهى بك يا جرح المدينة

أنت يا لوحة برق في ليالينا الحزينة

يعبس الشارع في وجهي

فتحميني من الظل ونظرات الضغينة

 

سأغني للفرح

خلف أجفان العيون الخائفة

منذ هبّت في بلادي العاصفة

وعدتني بنبيذ وبأقواس قزح

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *