قراءة تأملية في كتاب شفيق الحوت – بين الوطن والمنفى- د. جوني منصور

مراسل حيفا نت | 02/08/2009

 

 

لمحة عن حياة الحوت الذي توفي قبل يومين.

رحيل شفيق الحوت ابن يافا القائد الوطني والسياسي

مات الرجل الذي قال : لم نتمكن من كراهية اليهود لدرجة ان نقتلهم ولكنهم تمكنوا من كراهيتنا لدرجة ان يقتلونا .فقد توفي مساء اليوم شفيق الحوت ،

القائد الوطني واحد مؤسسي حركة فتح، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، وممثل منظمة التحرير في لبنان .

شفيق الحوت سياسي وكاتب فلسطيني (مواليد 13 يناير 1932 في يافا) ، عضو سابق باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وممثلها في لبنان. عضو في المجلس الوطني الفلسطيني .

أنهى دراسته الثانوية من المدرسة العامرية في يافا عام 1948 حيث أُجبر مع عائلته على الهجرة إلى لبنان في إبريل من نفس العام. التحق بالجامعة الأميركية في بيروت عام 1948، وتخرج منها عام 1953 .

عمل مدرساً في مدرسة المقاصد الإسلامية حتى العام 56، حيث انتقل للعمل مدرساً في الكويت وحتى العام 58، عاد بعد ذلك إلى بيروت تاركاً مهنة التدريس وملتحقاً بالعمل في الصحافة مديراً لتحرير مجلة "الحوادث" اللبنانية، وبقي في منصبه هذا إلى العام 1964 .

ساهم في تأسيس جبهة التحرير الفلسطينية عام 1963، كما كان أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية، وشارك في مؤتمرها التأسيسي الذي عُقد في مدينة القدس في الثامن والعشرين من مايو عام 1964 .

عُين في أول اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً ومديراً لمكتب المنظمة في لبنان، حيث ترك العمل الصحفي وتفرغ من يومها للعمل السياسي .

اختير عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بين عامي 1966 و 1968 ، عاد مرةً أخرى للجنة التنفيذية في العام 1991 حتى استقال منها في أعقاب اتفاق أوسلو عام 1993 .

عاصر كافة مراحل الوجود الفلسطيني في لبنان من العام 1948 وحتى الآن، وكان شاهداً على الحرب الأهلية اللبنانية بكل تفاصيلها وأحداثها، كما كان شاهداً على الغزو الإسرائيلي للبنان وعلى الخروج الفلسطيني منها عام 1982 .

شارك في تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ العام 1974 .

لا يزال عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني وممثلاً سابقا لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان .

 

         

عنوان الكتاب يدلل بوضوح إلى كونه سيرة ذاتية لكاتبه السياسي والصحافي والاديب والمناضل الفلسطيني المعروف شفيق الحوت. عنوان الكتاب الكامل"بين الوطن والمنفى، من يافا بدأ المشوار" إصدار دار رياض الريس، بيروت 2007.

وبالرغم من أنه يفتتح كتابه، وتحديدا في المقدمة، بأنه ليس سيرة ذاتية تقليدية، وأكثر من ذلك فإنه يُشدد على أن الكتاب ليس سيرته بالذات، "إنها سيرة وطن وشعب في مرحلة محدودة من تاريخهما، الموغل في القدم، المتخم بالصراعات والحروب، والمشهود له بصناعة الحضارات".

هذا هو شفيق الحوت الذي يُحسن اختيار الكلمات والعبارات لعلمه المسبق بفعل وتأثير الكلمة انسانيا وتاريخيا.

وإن كان يرفض بأدب وحكمة تعريف كتابه بكونه سيرة ذاتية إلا أنه يُدرك تمام الادراك كونه هكذا. فهو اعتبر نفسه جزءا من الشعب الفلسطيني، واعتبر مسيرة تاريخ الشعب الفلسطيني متمثلة بحياته ونشاطاته وتحركاته ومواقفه.

ولا يستطيع الحوت الهرب من طبيعة كتابه هذا فإنه يعتبر دوره أمام شعبه يدفعه إلى تدوين تجاربه، "ليستخلص منها الجيل المقبل الدروس والعبر، فلا يسمح للتاريخ بأن يُعيد مآسيه أو يُكررها".

ولن نخوض في مقالتنا بكافة تفاصيل الكتاب، فكتاب كهذا يستحق القراءة من أوله وحتى نهايته دفعة واحدة لما يحويه من محطات تاريخية مفصلية ومركزية وذات تأثير موضعي ومستقبلي على طبيعة وجوهر وكينونة القضية الفلسطينية والصراع التاريخي والعقائدي بين القوميتين العربية والصهيونية.

لقد عرف شفيق الحوت كيف يُقدّم لقرائه سجل التاريخ الفلسطيني المعاصر، تاركا يافا في حنينه الأساسي، متطلعا إلى يافا الأكبر ـ إلى فلسطين. فقام بتقسيم محطات حياته أسوة بمحطات القضية الفلسطينية، بكونها مركبا عضويا من حياته وبكونه قد التمس الزواج بها إلى الأبد، إلى أن يتحقق عدل السماء على الأرض!!

ما لفت نظرنا في هذا الكتاب عدد من المواضيع التي بمنظورنا بحاجة إلى وقفة للتأمل بها، أو لدراستها بصورة معمقة لشح المعلومات التي ينقلها الكاتب عن قصد أو لرغبة منه في تركها للقارئ اللبيب، أو لسبب آخر.

الكتاب مكون من قرابة 550 صفحة كثيفة المعلومات، ودقيقة التواريخ والمواقيت، إذ دأب الحوت على إخراج سيرته هذه بدقة للحيلولة مسبقا دون وقوعه في أي انتقاد وانتقاص في محتواه. ولهذا نرى ان كاتب السيرة الذاتية وأي سيرة ذاتية يعمل مؤرخا ومدققا لسيرته بل مُخرجا مسرحيا من همومه الأساسية أن يُخرج عمله إلى جمهور القراء بصورة جيدة، وألا يترك مجالاً لأي انتقادات مستقبلية، او لنقل ليُقلل من فرص الهجوم والنقد. ولكن في حالات السير الذاتية فإن كتابها يعلمون مسبقا مدى استعداد النقاد للقيام بمهامهم.

ومهما ولجنا هذا الجانب، فإن السيرة الذاتية هي صورة شخصية وذاتية لأحداث جرت في الماضي كان كاتب السيرة شريكا فيها أو مشاهدا لها نقلها بكلماته وبما يتفق وتوجهاته.

وبالرغم من تشرده واسرته من يافا في فلسطين إلى لبنان إلا أن المكان يرافقه طيلة عمره، وهذا الجانب هو ما يميز الفلسطيني المهجر عن مكانه وموطنه. وترك المكان أثره على نفسيته وحالته الاجتماعية ثم النضالية، فينقل على لسان والده حالة غريبة وملفتة للانتباه "هل تشم رائحة زهر البرتقال؟"…"هذا ميعاد التزهير!!" ويستغرب الحوت حالة والده البعيد عن بيارته اليافية "كنت أعلم فيما مضى أن في استطاعة المرء أن يستعيد صورة مشاهد من الماضي، أما أن يستعيد رائحة الاشياء، فهذا ما لم أكن اعرفه! وعندئذ أدركت أكثر سر العلاقة بين الارض والانسان". 

  

ويصور أمكنة كثيرة في سيرته، ومن أبرزها بيروت وهي "أشبه بمنتدى للحياة العربية العامة، وملتقى الأجيال السياسية المتصارعة". ويرى الحوت الوجه الآخر لبيروت" فقد كان هناك انقسام مزدوج غير منظور، لكنه كان يتفاعل وينمو بسرعة كبيرة. الانقسام الأول طبقي، مجسدا بما كان يُسمى حزام البؤس حول العاصمة، والثاني سياسي يتعلق بالموقف العام من مسألة العروبة" ويشير إلى قضايا اساسية منها قضية الثورة الجزائرية وقضية فلسطين.

وشارك بعزم في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وسلخ شطرا كبيرا ومركزيا من حياته في سبيل القضية التي يؤمن بعدالتها ويعمل من أجل إحقاق الحق والعدل. وبالرغم من أنه مثل المنظمة في بيروت لفترة طويلة ونجح في تذليل الصعاب التي واجهها الفلسطينيون على يد الحكومة اللبنانية ومؤسساتها الفاعلة على الأرض وفي مقدمتها اجهزة المخابرات، إلا أنه يُسجل له تاريخيا قدرته الديبلوماسية وعلاقاته الانسانية المتميزة في سبيل تحسين الاحوال الفلسطينية. وخلال الحرب الاهلية التي كان للفلسطينيين دور فيها سواء عسكريا او سياسيا إلا أنه لم يبرح لبنان من منطلق الحفاظ على الباقين من أبناء الشعب الفلسطيني بعد إخراج القيادة الفلسطينية من بيروت إلى تونس.

وعلمته التجربة غياب الديمقراطية في العالم العربي وتقديس الزعيم إذ اكتشف خلال نشاطه السياسي "أولى حقائق العمل السياسي العربي، وهي أن المسؤول الأول في أي قطر عربي، ملكا كان أو رئيسا، هو وحده صاحب الكلمة، وهو لا يترك لوزيره إلا هامشا ضيقا للمناورة". ويضيف قائلا:"وأكثر ما آلمني هو ما رصدته من أحقاد بين بعض الدول العربية على بعضها تفوق أحقاد أي منها على العدو المشترك"، هذه الصورة تعكس واقع أليم ومر يعيشه العالم العربي أسير أطماع وقمع الحكام وانقيادهم وراء مصالحهم الذاتية والعائلية أكثر من مصالح أمتهم.ٍ

وفي محاولته إنصاف أحمد الشقيري الرئيس الاول للمنظمة يعترف بمساهمة هذا الرجل في إيجاد المنظمة ودوره في وضع أسسها. ويضعه تصنيفا ثاني ثلاثة بعد الحاج امين الحسيني ومن بعد الشقيري ياسر عرفات. وكانت قيادات فلسطينية وعربية قد اتهمت الشقيري بالتقصير في قيادة المنظمة وتمثيل القضية الفلسطينية عالميا بصورة جيدة.

إذن، هنا حدد الحوت من وقف تاريخيا على رأس قيادة الحركة الوطنية ـ التحررية الفلسطينية خلال القرن العشرين ومطلع الحادي والعشرين.

والمتتبع لعرض الحوت الموزع في فصول عديدة في الكتاب حول ياسر عرفات يلحظ الحيطة والحذر التي يتبناها في هذا الموضوع. ونلاحظ أيضا أنه في حيرة من أمره في تحديد ملامح نهائية وحازمة تتعلق بشخصية ودور ياسر عرفات. إلا أنه في كل مرة يطرح فيها نقاشه الداخلي الخاص بأبي عمار فإنه يؤكد اعترافه بأهمية دور الشخص في بناء المنظمة وتطوير حركة النضال الفلسطيني ورفعها إلى مستويات دولية أكسبت القضية ثقة عالمية واسعة ومنقطعة النظير. ولكن الحوت بالرغم من مواقفه هذه تجاه دور ومساهمة عرفات الوطنية والمركزية في الحركة التحررية والثورية الفلسطينية، إلا أنه لم يتراجع أبدا عن رفضه لاتفاقيات اوسلو وما جرته من ويلات على مصير القضية الفلسطينية وعلى الفلسطينيين، ووجه انتقادات لاذعة لنهج عرفات ومناصريه من خلال مقالات له نشرها على صفحات جرائد مختلفة، ومن خلال ما يورده في سيرته الذاتية هذه. إلا أن هذا الرجل الديبلوماسي المحنك يعرف كيف يحتفظ بصداقات واحترام معارضي مواقفه، فخلاف الرأي لا يُفسد للود قضية.

قمت بتتبع ما كتبه الحوت عن علاقته بعرفات من بداية تعرفه عليه فكتب ما يلي:"اعترف بأن الرجل دخل قلبي. لكن عقلي كان لا يزال مترددًا، وقررت أن من حقه علينا أن نمنحه الفرصة والدعم…".

وحول الخطاب التاريخي الذي ألقاه ابو عمار في الامم المتحدة في عام 1974 يقول الحوت ما يلي:"…تزدحم في بالي وتتدافع ذكريات مقترنة بمشاعر مختلطة…" هذه عبارة تثير قلقه من عرفات بالرغم من ان كادرا كبيرا عمل على وضع وكتابة وترجمة خطابه التاريخي. ويضيف الحوت شيئا له علاقة بطبيعة عمل ابو عمار الذي كان مدمنا على العمل المتواصل "هذا الرجل يتمتع بديناميكية غير معقولة، ولم أصدق ما كان يُقال عنه في بيروت من أنه يعمل ثلاث ورديات، ويغير ثلاثة طواقم من المساعدين".

ولم يُخف الحوت أبدا ما كان يراه بوضوح عند ابو عمار في مسألة تقديم أجوبة مباشرة لأسئلة صحافيين، وفي شطحاته أحيانا في تقديم أجابات أخرى. وهذا من طبيعة ابو عمار، وخلقت أحيانا كثيرة بلبلة واسعة.

وباعتقادي تمكن الحوت من تقديم وصف قريب للغاية لصورة وسلوك ابو عمار عندما هم بالاستقالة (الحوت) من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية:"بدأت أشعر بعاطفة متناقضة تجاه ابو عمار، الذي أكن له كل مشاعر الود والمحبة والصداقة، بقدر ما أحمل على العديد من تصرفاته وسلوكه كقائد مسؤول عن مصير شعب".  ويعتبره الحوت قدريا إلى حدود المغامرة. "كما أنه يمكن القول إنه كان يلجأ إلى تلك "القدرية" في بعض الأحيان وسيلة أو ستارا لفرض إرادته".

وفي اعقاب حادث اختفاء طائرة ابو عمار في نيسان 1992 ونجاته يكتب الحوت موقفه من الحدث ومن الرجل وراء الحدث:" وبقدر فرحتنا بنجاة أبو عمار، كان هناك عتب وربما غضب عليه، لأن غيابه كشف عيوب "التفرد" بالقيادة، إذ كان توقيعه وحده هو المعتمد سواء لتوقيع اتفاق مع دولة او لشراء بطانيات للجنود".

ويتصاعد موقف الحوت حدة بخصوص تفرد ابو عمار بالقيادة بقوله:" وفوجئت أكثر أنه ركز في دفاعه عن اسلوبه في التفرد بشكل يثير مزيدا من النقد، بدلاً من امتصاص ما هو قائم، وخصوصا عندما اشار إلى موضوع "الخزنة".

ويضيف الحوت حول ارتفاع منسوب اعصاب ابو عمار في هذا الأمر بقوله:"باختصار، وبألم شديد، لأني أود الرجل وأقدر له العديد من مزاياه، أقول إن أبو عمار بعد حادثة الطائرة تحول على شخص آخر، وعلى عكس ما تمنى له كل محبيه المخلصين، فهو ازداد فردية أضعافا مضاعفة، ووقع في وهم انه معصوم، صاحب رؤى، وترعاه عناية إلهية خاصة، كما أنه تماهى مع فلسطين إلى شفير الخلط بين الحقيقة والخيال".

ويتطرق الحوت إلى تحليل التحولات لدى عرفات في كل ما له علاقة بشخصيته ونفسيته بقوله:"أوليس في مثل هذا السلوك غير المبرر سياسيا وتنظيميا، والذي يعتبر خروجا على المألوف، ما يدعو إلى الشك في السلامة النفسية لصاحبه؟"

ولا يبخل الحوت من استعمال سوطه هذا مع القادة العرب "فهناك كثيرون غيره، منهم من وقع في شر مسلكه، ومنهم من ينتظر".

ويصرح الحوت أن سلوك عرفات قد أثر عليه كثيرا، خاصة في بلورة موقفه المستقبلي من العمل في إطار يديره عرفات ذاته " بيني وبين نفسي كنت أشعر بأننا تحولنا إلى أصفار، وأن لا دور لنا سوى ديكور لشيء يُسمى قيادة. وذات يوم كنت أتحدث مع محمود درويش عن هذا الوضع بشيء من الحدة والانفعال. وكان رد محمود قاسيا بقدر ما كان حقيقيا. قال بالحرف:"يا أخي أبا الهادر، هذه ثورة فصّلها أبو عمار على قياسه، فإما أن تقبل وإما أن ترحل". ومن لحظتها أخذت فكرة الرحيل تلح على خاطري".

ويشير الحوت بقوة إلى الجهود السياسية والديبلوماسية التي بذلها هو وأعداد كبيرة من الكوادر الفلسطينية في سبيل القضية الفلسطينية في العالم، وفي اقامة علاقات سياسية مع معظم الدول في العالم. أصبحت فلسطين هي قضية العالم. ويعتصر الحوت ألما إلى ما آلت إليه القضية الفلسطينية في الآونة الأخيرة بقوله:"ماذا فعلنا بأصدقائنا حول العالم؟ لقد بدأوا يهجروننا بعد أن هجرنا نحن مبادئنا وتخلينا عن حقوقنا".

ويوجه نقدا لاذعا للقيادة الفلسطينية بأنها خاضت العملية السلمية في صراعها مع العدو، تماما كما خاضت من قبل العملية الحربية، أي من دون استراتيجية محددة، أو أجندة سياسية تتضمن أولويات هذه العملية وآلياتها وتكتيكاتها". هذا كلام في غاية الخطورة والدقة، إذ يمكن أن ينسف مسيرة النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي وآلته القمعية، وفي الوقت ذاته موازاة النضال المسلح بالعملية السلمية من حيث تشابه التوجهات!! أعتقد أن هذه الجملة بحاجة على مزيد من التوضيح والتفسير. معنى ذلك ان كل ما قدمه الفلسطينيون من ثمن ذهب هباء. وإلا ما معنى النضال والكفاح على مدار ستة عقود؟

أن معارضة الحوت للعملية السلمية تستند إلى ايمانه بضرورة السير في طريق آخر غير الاستسلام، كما يصور ذلك، وأن ما فعلته القيادة الفلسطينية وما زالت من تأرجح في ما يُسمى بالعملية السلمية والتفاوضية ما هو إلا لتفتيت القضية الفلسطينية، واعتقد أن خوف الحوت على ضياع القضية وعدالتها في مكانه الصحيح، إذ من حق الوالد السهر على مصلحة أولاده، وهو يرى أن من واجب القيادة الفلسطينية عدم ترك ابنائها، بل التمسك بالثوابت الفلسطينية التي اعترفت بها الشرعية الدولية وفي مقدمتها بل على رأسها حق العودة. 

للحوت حسابات مع قيادات فلسطينية في مستويات مختلفة، خاصة ما له علاقة بضرورة مراجعة ما جرى والتخطيط لما سيأتي، ومن بين الاحداث الجديرة بالمحاسبة ما حدث للثورة الفلسطينية في لبنان، إذ كان لا بد من التعامل مع هذا الحدث بالتحليل والتقويم واستخلاص العبر.

ومسألة أخرى شدت انتباهي في كتاب الحوت هذا، وهو السياسي البارع عندما يتطرق إلى العلاقات الاردنية ـ الفلسطينية فيقول بصريح العبارة:"فأنا حتى هذه اللحظات من عمري، وبعد خمسين عامًا من العمل المتواصل في قضية فلسطين ومتفرعاتها، أُقر وأعترف بأنني لم أفهم بعد، بالوضوح المطلوب، حقيقة العلاقات الأردنية ـ الفلسطينية، وماذا يريد الأردن من الفلسطينيين، وماذا يريد الفلسطينيون من الأردن!".

هل هذا موقف استغرابي أم استفهامي أم فيه إثارة وتحريك لأطراف أخرى لتقدم جوابا؟  بمعنى آخر، ألا يعرف الحوت ما موقف الأردن وماذا يريد نظام الاردن من القضية الفلسطينية وكيف تعامل الاردن ويتعامل مع القضية الفلسطينية؟ اعتقد ان الحوت يمتلك الاجابات الكافية حول هذا الموضوع، إلا أنه يحتفظ بها، وأنه يريد وضع القارئ اللبيب في حيرة من امر هذا الموضوع ليبحث بنفسه عن الاجابات أو يحلل المعلومات المتعلقة بالموضوع بنفسه.

ويحتوي الكتاب مواضيع نقاشية جادة تستحق وقفات مركزية عندها لكونها تثير قلقا، وهذا قصد الحوت، وعلى رأسها مصير القضية الفلسطينية بعد خوض القيادة الفلسطينية برئاسة عرفات ومن خلفه مسيرات وجولات من المفاوضات، ثم ما لحقه ـ أي عرفات ـ من محاصرة في رام الله وبالتالي حصار لشعب الفلسطيني إلى يومنا هذا. هذه الحالة توقعها الحوت بكونه يرى أن اختيار السلام لم يكن مؤسسا على أجندة ثابتة وواضحة، بل عفوية وارتجالية دون أسس متينة وقوية. أي انه كان يود أن يرى قيادة فلسطينية صامدة تحمل قضيتها عاليا دون تنازل عن حقوقها، مهما كانت العوامل.

وأخيرا، ارى أن كتابا كهذا يشد القارئ المهتم بالقضية الفلسطينية كثيرا، ويترك في داخله تساؤلات كثيرة جدا، أليس هذا دور كل كتاب؟ ليبق أثره ظاهرا وعميقا في حياة الناس؟!

إن كتاب شفيق الحوت هو من نوعية السجلات الصحافية ـ التاريخية ـ المذكرات الشخصية والتحليل الذاتي لما يجري على أرض الواقع بخصوص القضية الفلسطينية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *