معجزتا الإسراء والمعراج (نظرات تحليلية) – أ.د. فتحي محمد الزغبي (اليمن عن موقع مؤتمر نت)

مراسل حيفا نت | 20/07/2009

يظن كثير من الناس أن الإسراء والمعراج عبارة عن معجزة واحدة، والصحيح أنهما معجزتان اثنتان من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وقعتا في ليلة واحدة.

فمعجزة الإسراء تطلق على الرحلة العجيبة التي أسرى فيها النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس الشريف في جزء من الليل.

معجزة المعراج تطلق على رحلة أخرى، ولكنها أعجب من الأولى فإذا كانت الأولى في دائرة الأرض حتى سماها البعض رحلة أرضية، فإن الثانية قد اخترقت السماوات حيث عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى تجاوز السبع الطباق إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، إلى حد انقطعت عنده علوم الخلائق جميعها، ثم العودة مرة أخرى إلى المسجد الأقصى حتى سماها البعض الرحلة السماوية، ثم كانت العودة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام حيث رجع النبي صلى الله عليه وسلم.

وإذا كانت المعجزتان قد وقعتا في ليلة واحدة ويجب الإيمان بهما معاً فإن كل معجزة تختلف عن الأخرى في بعض النواحي:

فالإسراء قد ثبت ثبوتاً قطعياً بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية حيث يقول تعالى في أول السورة التي تسمى باسمه “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” (سورة الإسراء آية 1).

مسجد الأقصى المبارك-القدس 

أما ثبوته في السنة فقد وردت عنه أحاديث صحيحة ومتكاثرة يقول الإمام القرطبي “ثبت الإسراء في جميع مصنفات الحديث، وروى عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو متواتر بهذا الوجه، وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابياً”.

وينقل الحافظ ابن كثير عن الحافظ أبي الخطاب أنه قد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن خمسة وعشرين من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين منهم من ساقه بطوله، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة.

أما المعراج فهو ثابت بالأحاديث الصحيحة الواردة في الإسراء، والتي رواها الثقات العدول، وتلقتها الأمة بالقبول، ولو لم يكن إلا اتفاق الشيخين البخاري ومسلم على تخريجهما في صحيحيهما لكفى، فما بالك وقد خرجها غيرهما من أصحاب كتب الحديث المعتمدة، وكتب السير المشهورة، وكتب التفاسير المأثورة، حيث ورد الحديث عن المعراج بعد الإسراء في روايات موحدة، لكن المعراج لم يثبت بالقرآن الكريم صراحة، وإنما أشير إليه في سورة النجم من خلال قوله تعالى: “علمه شديد القوى (5) ذو مرة فاستوى (6) وهو بالأفق الأعلى (7) ثم دنا فتدلى (8) فكان قاب قوسين أو أدنى (9) فأوحى إلى عبده ما أوحى (10) ما كذب الفؤاد ما رأى (11) أفتمارونه على ما يرى (12) ولقد رآه نزلة أخرى (13) عند سدرة المنتهى (14) عندها جنة المأوى (15) إذ يغشى السدرة ما يغشى (16) ما زاغ البصر وما طغى (17) لقد رأى من آيات ربه الكبرى” (سورة النجم).

المسجد الحرام-مكة المكرمة

وسواء كان الضمير هنا يعود إلى الله سبحانه أو إلى جبريل عليه السلام حيث اختلف المفسرون في ذلك فإن هناك إجماعاً منهم على أن ذلك كله قد وقع في المعراج.

ولا يعني عدم ثبوت المعراج بالنص الصريح قلة الإيمان به، وضعف التسليم بوقوعه، فقد أشير إليه في القرآن الكريم بإجماع العلماء، وجاءت السنة النبوية الشريفة مبينة للقرآن، وشارحة له، ومتممة له،الإيمان بالإسراء توطئة للإيمان بالمعراج.

بالروح والجسد معاً

وقد وقع كل من الإسراء والمعراج في اليقظة بالروح والجسد معاً، والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله عز وجل “سبحان الذي أسرى بعبده” فقوله تعالى “سبحان” يعني أن الله عز وجل يمجد نفسه، ويعظم شأنه وينزه ذاته العلية عما لا يليق بجلاله، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه فلا إله غيره، ولا رب سواه، فهو الذي أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم وحمله بقدرته التي لا تحدها حدود ولا تقيدها قيود، فمن الخطأ أن نتعامل مع الإسراء أو المعراج على أنهما من فعل النبي صلى الله عليه وسلم بحدوده البشرية ونتساءل مثلما تساءلت قريش “أتزعم أنك قد أتيتها في ليلة ونحن نقطعها في شهرين ؟” وهو لم يقل أبدا أنا سريت أو عرجت إنما يقول “أسري بي” و”عُرج بي” ومن المعلوم أنه كلما زادت القوة قل الزمن، ومع قوة الله عزوجل فلا حاجة إلى زمن ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ).

ويدلنا على أن الإسراء والمعراج بالروح والجسد معاً أيضاً قوله تعالى “أسرى بعبده” في الإسراء، وقوله تعالى “فأوحى إلى عبده ما أوحى” في المعراج، فلفظة العبد اسم لمجموع الجسد والروح معاً.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *