حول النجاح والفشل في البجروت- بقلم: المحامي علي حيدر المدير العام المشارك للجمعيه الحقوقية سيكوي

مراسل حيفا نت | 17/07/2009

 

نتائج امتحانات البجروت، والتي بحسبها 32%  فقط من الطلاب العرب نجحوا، مقابل 60% من الطلاب اليهود لم تكن مفاجئة لمن يتابع المسيرة التعليمية في المجتمع الفلسطيني في الداخل، بل كانت متوقعة وبمثابة تحصيل حاصل لمجموعة من الأسباب، منها ما هو منوط بالمؤسسة الإسرائيلية وعلى رأسها وزارة المعارف ودوافعها السياسية، ومنها ما هو متعلق ببنى نفسية وعقلية وسلوكية لمجتمع مقهور. 

وقبل أن نحاول تحليل وتفسير هذا التراجع والتردّي المتواصل في نتائج البجروت وتقديم عدة اقتراحات وأفكار عملية لكيفية التعاطي ومعالجة المشكلة وتداعياتها، والتي تحتم علينا عدم الوقوف مكتوفي الأيدي، بل التحرك والعمل السريع والجاد يترتب علينا التوضيح بداية، عدة معطيات هامة، وتوجهات مقلقة ومؤرقة، فمثلا نسبة الطلاب العرب المتسربين كبيرة جدا. كما أنه واستنادا إلى المعطيات التي نشرتها وزارة التعليم نهاية الأسبوع الماضي حول استحقاق البجروت للعام الدراسي المنصرم 2007-08 فإن نسبة 77% فقط من أبناء سن 17 عاما من الشباب العرب يدرسون في صفوف الثواني عشر، مقارنة بنسبة 95% من نفس شريحة الجيل من اليهود، وبحسب المعطيات نفسها، هنالك فجوة كبيرة بين نسبة الذين يتقدمون للامتحانات في المدارس العربية (77%) مقابل (89%) في المدارس اليهودية.

 

وفيما يتعلق باستحقاق البجروت، فقد هبطت نسبة النجاح هذا العام في المجتمع العربي بينما بقيت النسبة في المجتمع  اليهودي ثابتة ومستقرة على نسبة 60%، وبذلك تكون الهوة بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي آخذة في الاتساع، وتعتبر نسبة النجاح لدى اليهود عالية مقارنة مع دول متطورة أخرى، مما يؤكد لنا أن المشكلة الرئيسية هي في التعليم لدى الجماهير العربية، الذي يعاني من جهاز تعليم مهترئ، وموبوء بأزمة مزمنة، ويواجه حالة ترهل وفساد، وانهيار شامل في مجال التعليم والتحصيل والقيم، وفقدان فلسفة تربوية مناسبة ومتماسكة، ونقص بالبنى التحتية الفيزيائية والبشرية. 

ويجب الإشارة في هذا السياق إلى أن الأكثر معاناة وتضررا من هذا الوضع القاسي هم العرب الذين يعيشون في النقب وخصوصا في القرى غير المعترف بها من قبل الحكومة، وأهلنا في القدس الشرقية الذين يعيشون تحت الاحتلال.

ان تراجع نسبة النجاح في المجتمع العربي هذا العام لا يعني بأن النسبة في العام الماضي كانت مُرضية، بل كانت سيئة، وأصبحت الآن أسوأ بكثير، ويمكن أن نعزو هذا التراجع إلى أسباب عديدة ومتنوعة لكل منها إسهامه في رسم هذه الصور القاتمة، ولا نستطيع ولا نصبو من خلال هذه المقابلة الإحاطة بكافة الأسباب بل نود التركيز على أربعة عوامل مركزية منها، تساعدنا في فهم الوضع الذي آلت إليه الأمور، والتعاطي معها بشكل شامل وكلي يمكن أن يقودنا إلى نقطة تحول في الاتجاه الايجابي.

1. السبب الأول والمركزي المؤثر، حسب اعتقادي، هو سياسات الحكومات الإسرائيلية المنهجية والمستمرة، والتي تميز وتضطهد وتجحف بحقوق المجتمع العربي، مما يؤثر على مضامين التعليم ومناهجه، ويؤثر أيضا على أساليب وآليات التدريس ويؤثر على المبنى التنظيمي والتنفيذي لجهاز التعليم للعرب. ولن نخوض مرة أخرى في ذكر النقص بالملاكات والغرف وساعات التعليم، والبنى التحتية الحديثة وعدد الطلاب في الصفوف واكتظاظها فقد أصبح هذا الأمر مكرورًا ومعروفًا للجميع.

2. السبب الثاني والذي لا يقل أهمية ويؤثر بشكل كبير على التحصيل هو التراجع في الدافعية والمحفزات للتعلم لدى الشباب العرب وذلك نتيجة للتغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع  العربي. رزمة من المعيقات والحواجز والشروط التي توضع أمام الطالب العربي، إما إبان القبول للتعليم الجامعي، وإما انحسار فرص العمل للأكاديميين العرب الذين يواجهون أزمة بطالة خانقة، ويعملون في مجالات عمل لا تناسب ثقافتهم ومجالات دراستهم. وهذا يعود إلى انعدام استيعاب العرب في القطاعين العام والخاص بشكل كاف أو نتيجة لعنصرية المشغلين.

3. المدارس اليهودية تحظى بدعم مالي وموارد إضافية من مصادر مختلفة مثل الجاليات اليهودية، وصناديق وتحظى بتبرعات سخية من رجال أعمال يهود كما أن الوضع الاجتماعي الاقتصادي للأهالي في الغالب يساهم في توفير الإمكانيات لساعات تعليم خصوصية تقوّي وتمكن الطالب أكثر وتجهزه وتعده للنجاح.

4. إن السلطات المحلية العربية لا تولي عملية التعليم أهمية كبرى في الغالب، وفي كثير من الأحيان يكون مدير قسم المعارف غير مؤهل أو كفؤًا، ويكون قد عيّن نتيجة لارتباطات والتزامات انتخابية وطائفية وعائلية مما يؤثر على الجو العامّ ويخلق جوًّا من الإحباط لدى الهيئة الإدارية والتدريسية في المدارس التي هي بدورها محطّ اتهام من قبل الأهالي وتعاني من أزمات كثيرة تحتاج إلى بحث ودراسة معمقة لا مجال لمناقشتها الآن.

بعد أن استعرضنا الأسباب المركزية التي باعتقادنا تؤثر بشكل فاعل على نتائج البجروت، بودي أن أقدم بعض الأفكار والاقتراحات العلمية من أجل مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، والتغلب عليها وإحداث تغير إيجابي نهدف من خلاله ليس فقط إلى منع وإيقاف عملية التراجع بل الوصول عام 2020 إلى نسبة 70% من النجاح في امتحانات البجروت 

ولكن من أجل الوصول إلى هذا الهدف يجب العمل في اتجاهات مختلفة وبصورة منظمة:

1. يجب علينا وضع قضية التعليم على رأس أولوياتنا كمجتمع إلى جانب قضية الأرض والهوية الوطنية. كما يجب علينا، وعلى ضوء وجود حكومة معادية لحقوق الجماهير العربية، أن نضع خطة إنقاذ للتعليم العربي تكون شاملة وممولة تشمل أهدافا واضحة وجداول زمنية بمشاركة القوى والقيادات السياسية، الأكاديمية والأهلية. كما يجب علينا تشجيع التبرع للمؤسسات التعليمية وإقامة مجلس تربوي في كل بلدة يتابع العملية التربوية في البلدة.

2. يجب الضغط على الحكومة من أجل الموافقة على إقامة جهاز للتعليم العربي يُدار من قبل عرب ويكون مسؤولا عن وضع المناهج والمضامين وأساليب التدريس وأهداف التعليم العربي. كما يترتب على الحكومة خلق فرص عمل للأكاديميين العرب، من أجل تشجيع الطلاب العرب على إكمال دراستهم.

3. يترتب علينا إقامة اتحاد للمعلمين العرب، يضم كافة المعلمين العرب ويكون الجسم المنظم والفاعل والحامي للمعلمين العرب ولحقوقهم، ويضمن تقدمهم المهني وتطورهم الأكاديمي، ويحررهم من حالة الاغتراب وحالة الإحباط التي يواجهونها.

4. على القيادات السياسية والدينية والاقتصادية المؤثرة في المجتمع العربي التأكيد على أهمية التعليم ودفع الشباب والشابات من أجل العلم، وحثّ الأهالي على أخذ دور فعّال في العملية التربوية، وجعل المدرسة مركز حياة العائلة في المجال غير المنهجي كما يجب إبراز دور التعليم وأهميته في بناء الأمة والجماعة وتحسين حاضرها وضمان مستقبلها وتحقيق ذاتها.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *