الزمن المتبقّي والجمهور المتلقّي بقلم: فؤاد سليمان

مراسل حيفا نت | 15/07/2009

مساء السّبت الماضي لبسنا، أنا وزوجتي، أفضل ما عندنا من ثياب وركبنا سيارة جيب ضخمة تخص إحدى صديقات العائلة. معنا في الجيب جلست الـ"عيلة بالليلة": أبي وأمي وأختي. مضى الوقت في الطريق من حيفا إلى الناصرة في حديث كان بغالبيته عن المؤسسات غير الحكومية، ربما لأن صديقتنا تعمل في إدارة إحداها. حين دخلنا الناصرة، قفز أمام وجهي ذلك البيت البرتقالي الذي يميّز بداية الناصرة وكأنه يقول "أنا بيت لا علاقة له بأي بيت آخر، ولكني مصرّ أن أكون بداية الناصرة". بعد أن صففنا السيارة دخلنا إلى ساحة قاعة المركز الثقافي فوجدناه يعج بالحضور اللذين أتوا لحضور العرض الافتتاحي في البلاد لفيلم "الزمن المتبقي". ونحن نشق طريقنا وسط الجمهور رأينا عمّي إيليا، مخرج الفيلم، ومعه الممثل عامر حليحل, سلّمنا عليهما وتبادلنا معهما كلمة أو كلمتين ثم تقدمنا نحو البار ورجعنا إلى الساحة حيث جلسنا ننتظر بداية العرض ونحن نشرب "سبرايت" وندخن.

في آن واحد يصور الفيلم عالمًا خياليًا وواقعيًّا لعائلة إيليا منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في الـ 48 وحتى أيامنا هذه، وينتقل بشكل سريع من مقاطع هي في قمة الهزل إلى مقاطع هي في أوج الجدية، ويفتح الأبواب نحو ماض شخصي وجماعي يؤثر على الجمهور ويُبقي بصمة في عالمهم. يصف الفيلم ايليا كطفل وكشاب، لكنه يتمحور حول حياة أبيه وجدي فؤاد، الذي يقوم بأداء دوره الممثل صالح بكري. من خلال واقع فؤاد سليمان وعائلته (العائلة في الفيلم مكونة من جدي وجدتي وإيليا)، يتعامل الفيلم مع فترات تاريخيّة مختلفة عارضًا احتلال الناصرة في الـ 48 بشكل كومي-تراجيدي. من أبرز ما يميز الفيلم انعدامه، بدرجة كبيرة، إلى السرد الروائي، حيث أن مشاهده تبقى مشتتة من ناحية المبنى السردي. وفي ظنّي، فان هذا المبنى السردي المتشتت قد أثار لدى جمهور الأمسية قدرًا كبيرًا من الشعور بالتوتر وعدم الراحة، لأنه غصبهم على قطع حبال أفكارهم في أزمنه متقاربة.
وكما هو معلوم فإن الفيلم كان من ضمن ألأفلام التي دخلت المسابقة الرسميّة في مهرجان "كان" لهذه السنة، لكنه، خلافًا لفيلم إيليا السابق، "يد لإلهية، لم يفز بأي جائزة. ومع ذلك فإن الفيلم فقد حظي باهتمام جمهور "كان"، حيث كان له صدى كبيرًا بينهم. لقد قال إيليا، ردًا على أحد الصحفيين في المؤتمر الصحفي الذي عقده في كان"، انه سعى في هذا الفيلم لإدخال الأمل في قلوب الناس. في المؤتمر، استطرد إيليا أيضًا في الحديث عن أمور سياسيّة كثيرة متعلقة بالاحتلال وبحالة الفلسطينيين في إسرائيل وبالحالة الفلسطينية علمًة، لكن حين سأله أحد الصحفيين "هل الفيلم سياسي؟" أجاب بالنفي وأضاف: أن الفيلم عن العائلة، وانه يمكن لأي مشاهد أن يتماها مع الفيلم وأن يعيش تجربته الشخصيّة مع أباه وأمه هو. أنا لا أوافق تمامًا مع ذلك، وقد وجدت تعزيزًا لموقفي لدى الصديقة التي رافقناها والتي قالت أنها شعرت أن الفيلم لم يخاطبها بقوة لأنها ليست مثلي من العائلة التي يصور الفيلم حياتها ولا تعرف معظم القصص التي يسردها.
هل نجح الفيلم أم فشل في إيصال ما أراد إيصاله؟ لا أدري، فمن ناحية، فيه إبداع فني لا بأس فيه، ومن الناحية الأخرى فهو لم يزد كثيرًا على ما نعرفه وتركنا متورطين بنوع من الإحساس بأنه يفتقر إلى مقولة واضحة، ربما بسبب تشتت السرد. وعلى كل حال، فإنه ليس لدينا غير الزمن المتبقي لكي نعلم كيف ستكون قيمة هذا العمل الفني، قياسًا إلى أعمال أخرى أنتجت أو سوف تنتج.

حين عدت الى حيفا، قلت لنفسي "فؤاد، مع أن راسك صار يوجعك من الفيلم، إلا أنه كانت هنالك لحظة أو لحظتان بدأت تشعر فيهما أن الفيلم قد لمَسَكَ في مواضع معينة". بعدها أخرجت قطعة كنافة من الثلاجة وسخّنتها وأكلتها مع زوجتي بينما نحن منشغلون في حديث لطيف. بعد الاكل، جلست قرب النافذة وأشعلت سيجارة وقلت لنفسي: "لدي ّبعض الوقت المتبقي كي انهي السيجارة، فربما بعد السيجارة والقليل من الويسكي الذي شربته بعد نهاية الأمسية، هنالك أمل في أن أستريح". ثم فكرت بالفيلم وفهمت ان الجمهور قد تلقى الفيلم بايجابياته وذلك بالرغم من وجع الرأس الذي سبّبه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *