عليكم نراهن..ونحن متفائلون!- الأستاذ فتحي فوراني

مراسل حيفا نت | 10/07/2009

 

نصّ الكلمة ألتي ألقيت في حفل تخريج الفوج ال 54 لطلاب الكلية الأرثوذكسية العربية في مركز المؤتمرات يوم السبت في 4-7-2009

********************************************

أيها الإخوة والأصدقاء

في كل مرة أقف مثل هذا الموقف..وأقابل هذه الأجيال أشعر بالتفاؤل ويزداد إيماني بأن المستقبل لنا رغم الزمان الرمادي..ورغم الغيوم السوداء والرياح السموم التي تهل من بعيد..ورغم الأعاصير التسونامية الآتية..كفانا الله شر الغيوم السوداء وشر ما تخبئه لنا الأعاصير القادمة.

أشعر براحة الضمير..وأنام ملء جفوني..فلقد قضيت أحلى سنوات العمر في بناء أجيال صاعدة واعدة..تعرف من أين تؤكل الكتف..وتعرف كيف تعشق اللغة العربية..لغتنا القومية الجميلة. 

يزداد إيماني وأزداد  تفاؤلا..عندما ألتقي طلابا تخرجوا من هذه الكلية وغيرها من الورشات التعليمية التي تحتل المواقع  البارزة على الجبهة الثقافية..في حيفا والناصرة ويافا والرملة وأم الفحم وباقي المدارس الأهلية في هذا الوطن. وأتمنى أن تواكب باقي المدارس الثانوية العربية هذه المسيرة..وتنضم إلى الركب الطليعي الذي تقوده المدارس الأهلية. 

لم يبق لنا ما نراهن عليه إلا العلم

فلم يبق لنا ما نراهن عليه إلا العلم. وهذه القلعة التعليمية الثقافية (الكلية العربية الأرثوذكسية) تقف مع أخواتها في طليعة المواقع على الجبهة التعليمية..وتترك بصماتها على آلاف الخريجين المنتشرين في هذا الوطن..وفي بلاد الله الواسعة.

إن هذه الورشة الحضارية تحتل موقعا هاما على الجبهة التعليمية والتربوية في هذه المدينة الجميلة وفي هذا الوطن الحبيب. فهي تفتح قلبها الواسع وصدرها الدافئ لاحتضان الأجيال الصاعدة من جميع أبناء شعبنا..وعلى مختلف انتماءاتهم.

فبورك هذا الصرح الثقافي..وبوركت الأيدي التي تقود هذه الأجيال..وتسلحها بالعلم والمعرفة..وتساهم في بلورة هويتها الحضارية.

**

وبورك القائمون عليها -مجلسا مليا ولجنة معارف وإدارة ومعلمات ومعلمين وموظفين- الذين يضحون بزهرة شبابهم من أجل بناء المستقبل الأفضل للأجيال الصاعدة.

فبارك الله  عطاءكم..وسلمت أياديكم!

*

بوركت هذه الأجيال..أجيال العلم والكرامة والكبرياء!

وإلى أحبتي الخريجات والخريجين.

عندما أنظر إلى هذه الكوكبة الرائعة..أرى مشهدا يثلج الصدر..فأزداد تفاؤلا! وأزداد ثقة بالمستقبل!

أزداد تفاؤلا عندما أرى الأجيال تلو الأجيال تتوثّب مرفوعة الرأس من هذه الينابيع الثرة.

 أزداد تفاؤلا عندما أراهم يتخرجون ويرتقون في سلم العلم ويصبحون سفراء لشعبنا في المعاهد العلمية العليا..في هذا الوطن وفي جميع أنحاء الدنيا. فحيثما تلفتُ وجدتهم يتحدّون..ويكدحون ويكافحون لتحقيق أعظم الإنجازات..واحتلال أعلى المراتب العلمية والأكاديمية والاجتماعية والاقتصادية والحياتية.

 ووجدتهم يفخرون بانتمائهم إلى الينابيع الأولى..إلى هذه الواحة الخضراء..إلى هذه الأم التي احتضنتهم وأخذت بيدهم وحملتهم شعلة المعرفة..وحملتهم البوصلة..

فبوركت هذه الأجيال..أجيال العلم والكرامة والكبرياء!

*

وكلنا مسؤولون..ولا أبرئ أحدا!

وإلى ملاحظة هامة..لا بد منها!

والخطاب موجّه إلينا جميعا!

نحن نواجه انحسارا وتراجعا رهيبا على جبهات عدة ولا سيما الجبهة التربوية..وجبهة القيم الأخلاقية..

فنحن مستهدفون..وأولادنا مستهدفون..وأحفادنا مستهدفون.

والسهام مصوبة إلى هويتنا القومية..إلى أخلاقنا وتراثنا وتاريخنا وحضارتنا..

ألسهام مصوبة إلى لغتنا القومية..

ألسهام مصوبة إلى وجودنا..وإلى معالم انتمائنا إلى هذا الوطن..كنيسة ومسجدا وقلعة وقبرا..وبشرا وحجرا..وآثارا تاريخية وحضارية.

وعليه..

علينا أن نتوقف لحظة لنحاسب أنفسنا..أن نفتح عيوننا جيدا..أن ننتبه إلى أبنائنا وبناتنا..وأن نتسلح بالوعي التربوي..ونولي القيم الأخلاقية مرتبة أولى في سلم اهتماماتنا.

 فالعنف الجسدي والكلامي..والانفلات الأخلاقي..وإنفلوانزا الهواتف الخليوية ..وشبكة الإنترنت العنكبوتية..والفضائيات الفضائحية..التي تسعى لاحتلال العقل العربي..وتفريغ الأجيال الصاعدة من انتمائها..والتي تغمرنا "ثقافة" هابطة..

والتعصب الطائفي الرجعي المتخلف..مهما كان لونه..والعصبية القبلية الحديثة..وجاهلية ما بعد الحداثة..والإيقاع الجنوني لعصر العولمة..كل هذه الأمور..راحت تزحف وتنتشر وتتفشى في الخارطة..وترمي حامض الكبريتيك على الوجه الجميل!

إنه عارنا جميعا!

وكلنا مسؤولون..كلنا مسؤولون..ولا أبرئ أحدا!

المدارس والمناهج ووزارة المعارف والمعلمون والأهالي والمؤسسات التربوية والقيادات والهيئات الاجتماعية والسياسية والحزبية والوطنية..ورجال الدين في الكنائس والمساجد..

علينا جميعا تقع المسؤولية لإنقاذ السفينة الأخلاقية من العواصف والأعاصير المدمرة.

إنه دورنا الذي لن يقوم به أحد بالنيابة عنا.

إنه واجبنا المقدس تجاه شعبنا وتجاه الأجيال الصاعدة.

*

لن نذهب..فإما أن نكون..وإما أن نكون!

ذات يوم قال الشاعر:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت  فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

*

نحن لن نذهب..ولن نتخلى عن قيمنا الأخلاقية النبيلة..ولن نتخلى عن تراثنا الحضاري الأصيل. 

لن نذهب..فنحن باقون..وجذورنا باقية تضرب عميقا في رحم التراب والتاريخ والحضارة..

فإما أن نكون..وإما أن نكون..وقد قررنا أن نكون!

وقد عقدنا العزم على أن نشق طريقنا مسلحين بإرادة فولاذية..نحو المستقبل الأفضل!

**

وعلى الشاطئ الآخر..فقد قررنا أن لا نكون..قررنا أن لا نكون حطابين وسقاة ماء!

فلتدعوا الحالمين يحلمون!

**

انطلقوا وانتشروا واملأوا الجامعات..

أحبتي الخريجين..

سيروا برؤوس مرفوعة..منتصبي القامات..مرفوعي الهامات..

انطلقوا وانتشروا واملأوا الجامعات..

انطلقوا وانتشروا واملأوا الكليات..

إنطلقوا وانتشروا واملأوا المعاهد والمؤسسات العلمية العالية..

انطلقوا وانتشروا واملأوا الدنيا..

وانهلوا من منابع العلم والثقافة ما استطعتم..

وارتووا من مياهها العذبة ما استطعتم..

فلم يبق أمامنا ما نراهن عليه إلا العلم والمعرفة..فالمعرفة قوة..وأية قوة لو تعلمون!

**

أنتم ملح الأرض

وفي هذا الزمان مسيح علم   يرد على الأمم الشبابا

هكذا أطلقها أمير الشعراء.

وعالم ينتفع بعلمه..خير من ألف عابد..هكذا علمنا الرسول العربي..

وأنتم..أنتم ملح الأرض..هكذا علمنا رسول المحبة والسلام..

**

أنتم الجيل الموعود..أنتم جيل المستقبل..أنتم المستقبل..وأنتم سنابل الآمال..وأنتم ربيع هذه المرحلة الرمادية..وأنتم طليعة الموكب التي تسير واثقة الخطوة حتى مطلع الفجر..

فتعالوا نطلق زغرودة الحياة..ونقيم الأعراس العلمية..في هذا الوطن الجميل..وطن آبائنا وأجدادنا..

تعالوا معا نحمل شعلة المعرفة ونرفع رايات العلم، وننطلق بعزم وإباء وكبرياء..نحو الغد الأجمل!

**

نحن نحبكم..نحبكم لو تعرفون كم!

أيها الخريجون..

أيها الخيول العربية الأصيلة..

نحن نحبكم..نحبكم لو تعرفون كم!

وعليكم نراهن..ونحن واثقون أننا سنكسب الرهان..

ونحن متفائلون..ولا نملك ترف التشاؤم..

فإلى أمام.. برؤوس مرفوعة..نحو المستقبل الأفضل والأشرف والأروع..

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *