التجدّد لضمان الاستدامة

مراسل حيفا نت | 30/06/2014
حسين إغباريّة

تقف جمعيّة التّطوير الاجتماعيّ على عتبة سنتها الخامسة والثّلاثين وفي جعبتها رصيد عُمر من النّشاط والعمل المدنيّين وفي تخطيطاتها المستقبليّة تطلّع نحو نهضة مُسْتَأْنفة. ننظر إلى تجربتنا باعتزاز ونأتي بها إلى مجتمعنا مرفوعي الرّأس لكنّنا لا نستكين إلى ما حقّقناه ولا إلى ما أنجزناه. انطلقنا من هموم مجتمعنا واحتياجاته وتمسّكنا بأحلامه وتطلّعاته. ولا زلنا نستمدّ شرعيتنا ومصداقيتنا من مدى التزامنا بذلك. ومن هنا تحديدًا تأتي تطلّعاتنا للمرحلة المقبلة.  نعقد مؤتمرنا العام بعد أيام وفي أروقة الجمعيّة وإدارتها قراءة أصيلة لواقعنا وللتحدّيات الماثلة أمامنا وهي ليست قليلة كما سيتضح. إن التأمّل في أوضاعنا كمجتمع وكجمعيّة قادتنا إلى قرار بدخول مرحلة من التّجديد في كلّ مستويات نشاطنا. ويسرّنا في هذه العجالة أن نضع بين أيدي مجتمعنا تصوّراتنا العامّة للمرحلة المقبلة كجزء من حفظ الاستدامة وتطوير الأداء. سنعمد في المستوى التّنظيمي على تجديد شباب الجمعيّة من خلال استقدام مهارات وتخصّصات شابّة من بنات وأبناء مجتمعنا للنّهوض بالبرامج القائمة، والّتي سنطوّرها في المرحلة المقبلة بناءً على قراءة تفصيليّة للاحتياجات وسلّم أولويات يتحدّد من خلال التّواصل مع أهلنا في الأحياء المختلفة. وقد انتبهنا إلى أهميّة مثل هذا التحوّل لغرض دمج القيادات الشّبابيّة في العمل المدني وفتح الفرص أمامها لتحقيق ذاتها. وهذا جزء من تصوّرنا العام بضرورة استثمار الرأسمال الاجتماعيّ وتوجيهه لجهة النّهوض بالمجتمع وإغناء حياته بمبادرات وطاقات هائلة على الفعل الاجتماعيّ الهادف. لقد بدأنا هذا العام بإعادة بناء برامجنا وتطويرها استنادًا إلى مسح احتياجات شامل أجريناه في الأحياء المختلفة واستنادًا إلى تجربتنا الممتدّة في الحقل، وتواصلنا اليوميّ مع أهلنا. وسيكون تركيزنا على تدعيم الأحياء من خلال سلسلة من البرامج المتمحورة في تمكين سكان الأحياء والنّشطاء، وفي المرافعة واللوبي مقابل صانع القرار والسّياسات. صحيح أن مجتمعنا العربيّ في حيفا هو مجتمع يتمتع بحيويّة وقدرات على تدبّر أمره لكنّنا لن نغفل وجود جيوب مُستضعفة لا بدّ من شدّ أزرها. وفي هذا الإطار تمكنّا في المرحلة الماضية من الوصول إلى كلّ التّجمعات العربيّة في المدينة ودمجها في مشاريع تواصل وتدريب مِهْنيّ على العمل الجماهيريّ. وسنواصل العمل بهذا الاتّجاه في المرحلة المقبلة أيضًا. سيُصاحب ذلك إعادة هيكلة البناء التّنظيميّ وتدعيمه وإعداده للمرحلة المقبلة. نواصل الاهتمام بموضوع الحقوق في شقّيها، الفرديّة والجمعيّة، مع الاهتمام الخاص بالجمعيّ وبمرافعة مِهْنيّة متعدّدة المستويات في المجال الاقتصاديّ وزيادة الموارد العامّة المخصّصة لمجتمعنا في المجال الخدماتيّ والثّقافيّ. استطاع مجتمعنا بكل قواه أن يحسّن من شروط معيشته بشكل عامّ، لكن علينا مواصلة الدّفع بهذا الاتّجاه لضمان المزيد من التحويلات الماليّة والموارد العامّة إليه، في كلّ موضع ممكن. وسنتابع موضوع حقوق التّخطيط لمجتمعنا، سيّما أنّ مشاريع البلديّة وتخطيطاتها للسّنوات المقبلة تأتي في أكثر من وجه على حساب الأحياء العربيّة وسكّانها.  ومن هنا أهميّة أن نتابع ذلك ونقف دائمًا إلى جانب مجتمعنا على أساس ثلاث نقاط ثابتة: (1) ضرورة إشراك الأهالي في تخطيط أحيائهم أو مشاريع تمرّ في أحيائهم. (2) أن تنطوي على أقلّ ضرر ممكن وطرح مخطّطات بديلة. (3) ضمان أكبر تعويض ماديّ تبعًا للحالة.

رأينا أنّنا لم نهتمّ بما فيه الكفاية بالشّأن الاقتصاديّ لمجتمعنا. ومن هنا قررنا التّركيز على هذا الملفّ في المرحلة المقبلة وفي إطار برامج عينيّة. مثلًا، تشجيع السّياحة إلى حيفا وضمان التّمثيل المناسب للقوى العاملة العربيّة، في القطاعين البلديّ والعامّ. وننطلق من فرضيّة أنّ الطّفرة الاقتصاديّة التي تمرّ على المدينة ينبغي ألا تقفز فوق رأس مجتمعنا، بل علينا أن نعرف كيف تعود عليه بالفائدة الاقتصاديّة. وهو أمر يحتاج إلى تضافر جهود وتحقيق المُمكن، ضمن خُطّة متعدّدة السّنوات. محور آخر نريد مواصلة الاهتمام به، وهو التّواصل المجتمعيّ بين القيادات والفعّاليّات كجزء من قراءتنا لمجتمعنا كأقليّة وطن أصلانيّة مع حفظ الخصوصيّات. من الأهميّة بمكان في ظلّ مشاهد التّفرقة والتّعصب الوافدة إلينا من دول الجوار، وفي ظلّ سياسات التّفرقة هنا أن نحفظ العيش المشترك والنّسيج الاجتماعيّ الواحد والتّنسيق والتّعاون والتّعاضد والتّكافل كمواد لازمة للإبقاء على وحدة نوعيّة فاعلة واعية قادرة على مواجهة قضايا الدّاخل وقضايا الشّرط السّياسي الاجتماعيّ القائم. استطعنا في السّنوات الأخيرة جمع الشّمل تحت سقفنا وتوحيد الكلمة في بعض المواقف والحالات ونتطلّع إلى تثبيت هذا المشهد الجامع. ومن هنا سنظلّ على اهتمامنا بكل ما ينطوي على رسالة الجماعة. ومن هذه المشاريع وثيقة العرب في حيفا الّتي نريدها نصّـًا ناظمًا ومجمّعًا وموحيًا إلينا كجماعة تعرف من أين أتت وإلى أين هي ذاهبة. هذه تصوّراتنا العامّة نضعها من خلال معرفتنا لما أنجزناه وما أخفقنا في إنجازه، لنقاط قوّتنا ونقاط ضعفنا، لقدراتنا ومواردنا. وقد اتّضح لنا في السّنتين الأخيرتين أن مواردنا محدودة وأنّ الصّناديق المانحة مهما تنوّعت وتعدّدت؛ فإنّ أفضلياتها في تغيّر دائمًا وأنّه تنشأ في العالم حالات تضطرّها إلى تحويل مواردها إلى مواقع أخرى ومجتمعات أخرى تكون أكثر منّا حاجة إلى الدّعم والتّمويل، سورية مثلًا أو نيجيريا. من هنا اهتمامنا الخاصّ بهذا الملفّ، ملفّ تطوير الموارد لنضعها في خدمة برامجنا ومجتمعنا. التّغيّرات في سياسات الجهات المانحة تستدعي تغييرات في توجّهاتنا وعملنا مقابلها وهو ما نفعله في السّنتين الأخيرتين. على العموم، ننظر إلى تجربتنا باعتزاز ونمضي إلى مستقبلنا بأمل كبير بأن التّخطيط الِمهْنيّ سيعزّز من قدراتنا وطاقاتنا على التّغيير المدني. وهو ما نأمل أن يتيسّر لنا بعون أهلنا وبالتّواصل المنهجي معهم ومع احتياجاتهم وتطلّعاتهم. من هناك انطلقنا ومن هناك ننطلق. 

(مدير عام جمعيّة التّطوير الاجتماعيّ – حيفا)

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *