شيء ما انكسر.. (هواجس مواطن شفاعمري)- زياد شليوط

مراسل حيفا نت | 26/06/2009

 

يوم السبت الثالث عشر من حزيران، رقم مشؤوم في شهر النكسة، كانت قوى الخير في شفاعمرو والقوى الوطنية على موعد مع مظاهرة للتضامن مع شبان شفاعمرو، المتهمين بقتل المجرم المأفون الذي قتل أربع زهرات شفاعمرية قبل أربع سنوات، وللتصدي المشروع لتقديم لوائح اتهام جائرة بحقهم. وفي المقابل كانت قوى الشر المرتبطة مع جهات عليا تخطط لجريمة من نوع آخر. وفي الوقت الذي لم تستطع فيه قوى الخير من تجميع مئات قليلة بعد أسبوع من التحضير والنداءات، حول قضية وطنية وانسانية واجتماعية على درجة عالية من المسؤولية، استطاعت قوى الشر تجميع مئات الشبان خلال دقائق معدودة.. مفارقة كبيرة وحزينة وتعيسة. ومما زاد في حزننا أنه تم تعيين موعد المحاكمة والاعلان عنه في اليوم التالي، دون أن ينتبه أحد من الشفاعمريين لإعلان تقديم شباب شفاعمرو للمحاكمة. قوى الشر رأت وعرفت أن شفاعمرو ستكون موحدة وأنها تنطلق في طريق نضالي نحو الوقوف الى جانب الشبان، فكان اضراب ثم مظاهرة فتعبئة للتواجد في ساحة المحكمة.. واليوم أين ذلك من أهل شفاعمرو؟

في عصر ذلك اليوم المشؤوم، حدث ما يقع يوميا في قرانا وشوارعنا، وما حدث من قبل في شفاعمرو أيضا، ولم يسبق أن أخذ الأمر أكبر من حجمه. مرت سيارة فيها شبان دروز في أحد الأحياء المسيحية، ووقع تلاسن بينهم وشبان من الحي، سرعان ما تطور الى عراك استعملت فيه السكاكين والعصي، ووقعت اصابات من الجانبين وتم نقلهم الى المستشفى.. دقائق.. دقائق واذ بالمئات يحضرون من الحي الدرزي ويهاجمون البيوت في حي البركة ويقذفونها بالحجارة (كيف ومتى تم تجهيز واعداد هذا العدد؟)، ورأيتهم يحطمون واجهة وشبابيك بيت شقيقي دون أن ينطلق منه حجر، وشاهدتهم يحاصرون بيتا كان يعج قبل لحظات بالمحتفلين بعرس هناك، وكيف حوصرت فيه عائلات لساعتين تحت وابل المطر وخطر احراق المنزل، لولا لطف الباري وعنايته، ورأيت بأم عيني تحطيم عدة سيارات وقلبها في عرض الشارع بحركات الفوز والنشوة (لماذا وعلى ماذا؟) .. هنا أيقنت أن شيئا ما انكسر في شفاعمرو، وما كسر يصعب تجبيره كما يقول كبارنا وشيوخنا.. فأي أيد آثمة أقدمت على هذه الفعلة، بل هذه الجريمة بحق بلد كامل، وأي عقل مريض خبيث خطط لهذه الواقعة/ الوقيعة بين عائلتين عاشتا في جوار وأخوة سنوات طوال؟

وأقف لأتساءل: من أين كل هذا الحقد والكراهية؟ لماذا كل هذا الغضب غير المبرر؟ علام كل مشاعر العداء تلك؟ إلام نخفي حقيقة نفوسنا ونبقى نمارس التمثيل الزائف؟ ما جدوى تبادل الزيارات في الأعياد والمناسبات؟ ما هي نتيجة العلاقات المشتركة في الأفراح والأتراح؟ هل هناك صدى لكل الكلمات التي لا تعد ولا تحصى، التي تحث على الأخوة والمحبة والتسامح والعيش المشترك؟

شيء ما انكسر ولا يمكن تجاهل أو اغفال ذلك بعد..

وأتساءل مرة أخرى: من بامكانه ازالة المرارة من نفوسنا، واعادة الطمأنينة اليها؟ كيف يمكن العودة إلى نهج حياتنا السابق، ويبدو أنه من الخطأ العودة لأنها بحاجدة الى كثير من المراجعة؟ هل بالامكان اعادة بناء الجسور من جديد وكيف وما هي المواد المطلوبة؟

شيء ما انكسر..

قال البعض أننا فشلنا في تربية أبنائنا، وقال آخرون أننا لم نقترب من الشباب ولم نشاركهم مشاكلهم وهمومهم، وذهب آخرون إلى جلد الذات.. لا شك أن هوة سحيقة تبعد شباب اليوم عن الكبار.. وعالم الشباب لا علاقة له البتة بعالم الآباء والأجداد.. كما أن شرخا في العلاقات وأجواء الثقة بسود بين أوساط الشباب تجاه القيادات سواء الروحية أم المدنية.. هذا ما لمسته من خلال لقاءات عديدة مع قيادات درزية من رؤساء مجالس وأعضاء كنيست وقياديين في مجالات مختلفة، خلال العامين الأخيرين.. كثيرون منهم حذروا.. معظمهم وضع اصبعه على الجرح.. لكن للأسف لم تنجح أي خطوة نحو معالجة الأمر قبل أن ينفجر.. قال عضو الكنيست السابق أسعد أسعد، أثناء زيارته لدار البلدية مع وفد محترم من مختلف الطوائف، أن الشاب الدرزي الذي يتخرج مع زميله المسيحي والمسلم، يدخل الجندية، بينما الآخر يتعلم في الجامعة، وبعد ثلاث سنوات يشعر أن زميله حصل على الوظيفة التي كان يمكن ان يحصل عليها. لكن هل هذا هو الواقع في شفاعمرو.. انظروا وعاينوا الوظائف في البلدية أو المدارس وقارنوا.. لكن الأهم هل القيادات الدينية المسيحية او الاسلامية هي التي وقعت مرسوم فرض التجنيد الاجباري على الشباب الدروز؟ وهل يحصل الشاب المسلم أو المسيحي على امتيازات مثل الشاب المسرح من الجيش من حيث القروض والتسهيلات في شراء الأرض والبناء والمنح المالية للدراسة وغيرها؟ ورغم كل ذلك، نفهم أن هناك مئات المشاكل والنواقص يعاني منها المجتمع الدرزي في قراه وأحيائه، والاحباطات من سياسة الدولة تجاهه وخاصة المناداة بـ"حلف الدم" عند الحروب، والهتاف "الموت للعرب" في الشوارع والشواطيء والملاعب، وحدثت عدة اعتداءات من يهود على دروز على خلفية قومية. نعم لا ننكر ذلك.. لكن ألا يتم معالجة تلك القضايا إلا بالاعتداء على بيوت وممتلكات وحرمات الجيران المسيحيين.. لا بد أن شيئا انكسر.

جاء في منشور مشبوه وزع في شفاعمرو، أن المسيحيين يعملون على تهميش الدروز. لم نفهم كيف ذلك وما هي الاثباتات على ذلك؟ هل منع أحد مبادرات اقتصادية للأخوة الدروز، هل وقف أحد حائلا أمام تطور الدروز وتقدمهم اجتماعيا واقتصاديا أم أن العكس هو الصحيح؟ وفي السياسة ألم يساهم المسيحيون العرب مساهمة كبيرة وجدية وفعالة في وصول المحامي سعيد نفاع لنيابة الكنيست، ضمن قائمة التجمع حتى على حساب تمثيلهم؟  ألم يكن النائب "المسيحي" د. عزمي بشارة من مهد وفتح الطريق أمام مئات العائلات المعروفية من لقاء أقاربهم في سوريا بعد انقطاع سنوات طويلة؟

شيء ما انكسر.. ويصعب تجبيره.. وللمفارقة فان أكثر شخص استحضرته في ذهني خلال أسبوع الشؤم الشفاعمري، كان الصديق المربي والشاعر المرحوم ماجد عليان.. لقد افتقدته في هذه الأيام والظروف.. ولا بد أن أعقد معه حديثا صريحا خلال الأيام القريبة، علنا نعيد بعض الشظايا المتكسرة ونلصقها معا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *