التقى بها نايف خوري
إيناس ابنة أحمد ووجدان مصالحة وشقيقة تامر ويامن، من سكّان مدينة حيفا، ولدت وترعرعت في بلدة دبّورية، وتعلّمت في ابتدائيّتها. ثمّ أنهت تعليمها الثّانوي في مدرسة «المطران» في النّاصرة، وانتقلت بعدها إلى القدس لتلتحق بالأكاديميّة الموسيقيّة هناك، وتخرّجت حاملة اللّقب الأوّل منذ عام 2005. انضمّت إلى فرقة الأوپّرا الإسرائيليّة، وظهرت في عدد من الأوپّرات والأعمال الفنيّة في تل أبيب، وانتقلت بعدها إلى ألمانيا إلى بيت الأوپّرا «شتاتس أوپرا»، وعملت تحت قيادة الموسيقي العالمي دانييل برنبويم. وعرضت في بيت الأوپرا «لا سكالا» في ميلانو – إيطاليا. وعادت إلى البلاد لتقدّم حفلاتها وعروضها المنفردة، وتفرّدها في تعليم تطوير الصّوت.
كيف بدأت حياتك الفنيّة، وخاصّة الموسيقيّة أو الغنائيّة؟
مصالحة: نشأت على حبّ الموسيقى في بيت مُولَع بالغناء، ووالدي ذو صوت عذب والإخوة يتحلّون بأصوات جميلة؛ وكنت أستمع على الدّوام إلى الموسيقى والأغاني، خاصّةً وديع الصّافي، أمّ كُلثوم، عبد الوهاب، الشّيخ إمام، سيّد مكّاوي وغيرهم. وكنت أغنّي في المناسبات العائليّة والحفلات الخاصّة للفنّانة الكبيرة الرّاحلة ليلى مراد. وتلقّيت التّشجيع من العائلة للالتحاق بمعهد الـ(كونسرڤتوار) مرج بن عامر، ودرست العزف على الپيانو منذ جيل مبكّر، وفي فترة لاحقة بدأت تعلّم تطوير الصّوت حتّى التحقت بالجامعة لدراسة الموسيقى وتطوير الصّوت الغربيّ (الأوپرا).
أي أنّك دمجت بين الموهبة والدّراسة..
مصالحة: صحيح؛ فالموسيقى لغة وشغف، وكثيرون يستخدمون اللّغة دون الإلمام بقواعدها وأصولها. وكما أنّنا نتعلّم اللّغة وتاريخها وقواعدها كذلك الموسيقى، فهي لغة عالميّة يفهمها الجميع. وحبّذا لو تعلّم الكلّ لغة الموسيقى لما لها من تأثير وأهميّة لكلّ إنسان، فالموسيقى تعلّمنا تهذيب النّفس وحسن الإصغاء، وتنقية الرّوح، وتساعدنا في التّربية وتغذّينا حضاريّـًا وتراثيّـًا.
لماذا توجهت إلى الغناء الأوبرالي؟
مصالحة: تعلّمت الموسيقى والغناء الغربيّ لأنّه جذبني بما فيه من اختلاف لكلّ ما كنت أعرفه من قبل حضاريّـًا وموسيقيّـًا. وأكثر ما شدّني مسألة تطوير الصّوت، ورأيت أنّه من الضّروري العمل في هذا المجال لأهميّته وحساسيّته. ولا غنى للمطرب اليوم عن العناية بصوته، والعمل على صيانة صحته، والتّعامل به تعاملًا سليمًا.
وجاء اهتمامي بالموضوع الأوپّرالي لدراسة التّقنيّات الصّوتيّة والموسيقيّة والغنائيّة، حتّى أنّ الأهل ومدير معهد الكونسرڤتوار كان من أكثر المشجّعين لدخولي عالم الأوپرا.
بعد عودتك إلى البلاد باشرت فورًا بتقديم عروضك الفنيّة؟
مصالحة: نعم، منذ 10 سنوات أقدم العروض الفنيّة المختلفة، وأهمّ هذه العروض «غنّيلي صلاة»، وقدّمت هذا العمل الكبير في البلاد والخارج، حوالي 120 عرضًا، ابتداءً من أمريكا، إذ عرضته في إحدى أكبر الكنائس هناك، وفي أوروپّا في العديد من دولها، ثمّ قدّمت في البلاد عروضًا في حيفا ويافا والنّاصرة والرّامة وشفاعمرو وغيرها.
كيف تقبّل الجمهور هذا اللّون الغنائيّ الّذي كان غير مألوف عليه؟
مصالحة: فعلًا شعرت بتخوّف في بادئ الأمر من ردّ فعل مختلف من الجمهور، ولكنّي فوجئت بأنّ الجمهور تقبّل هذا الفنّ، ربّما لأنّي قدّمته بشكل سهل ومُبسّط، دون تعقيداته اللّغويّة والنّغميّة، واخترت إحدى الصِّحافيّات الّتي امتازت بمهارة الإلقاء والحضور وهي أيمان بسيوني، وكانت تقرأ على مسامع الجمهور المقاطع الشّعريّة وكلمات الأغاني والتّأمّلات الروحيّة الّتي أؤدّيها أمامهم. ولاحظت هذا الجمهور الرائع الّذي يتعطّش للتعرّف على أساليب فنيّة جديدة ومغايرة، ويتفهّم هذا الفن الّذي نادرًا ما يستمع إليه.
كيف يمكنك توظيف علم الفونولوجيا (الصوتيات) في هذا الفن الأوبرالي؟
مصالحة: الـ«فونولوجيا» علم يعالج مسألة الصّوت واللّفظ والنّطق للحروف ومخارجها. وقد تمكّنت من توظيف هذا المجال في الغناء العربيّ والصّوت العربيّ، وفيه تجري العناية بالنّفَس والاستعمال الصّحيح للرئتين في عمليّة التنفّس، والاستخدام الصّحيح للأوتار الصّوتيّة ودعم ذلك بالغناء واستخدام عضلات الجسم بشكل صحيح وسليم للتّعبير عن المشاعر الغنائيّة الّتي نُطلقها من حناجرنا. ولكلّ نوع من أنواع الغناء تقنيّة يمتاز بها للمحافظة على الصّوت وصحّة الأداء. وبالتّالي ينعكس هذا على قدرة الفنّان على تحمّل مَهمّة الغناء لساعة أو ساعتين أو حتّى أكثر، فلا يتعب بسهولة، ولا يُصاب بالبحّة وانهيار الصّوت.
هل هناك تدريبات معيّنة يقوم بها المغنّي على صوته؟
مصالحة: بالطّبع؛ وهذه التّدريبات هي التي تمنحه القدرة على الغناء بشكل صحّيّ. وعندما أقوم بتدريب أحد المغنّين نجري التّمارين الرّياضيّة لبعض عضلات الجسم، وأهمّها اللّسان. فعضلة اللّسان الّتي يستعملها المغنّي هي أوّل ما يدلّ على تعبه، وكأنّها له بالمرصاد كالعدو اللّدود الذي يحتاج إلى ترويض وتدريب. لأنّها تدلّ على تعب المغنّي وإصابته بالإرهاق، أو أنّه لا يزال يشعر بالراحة المطلوبة للاستمرار في أداء عمله.
هل تلاحظين إقبالًا أكثر من الطّلّاب للتدرّب على الصّوت؟
مصالحة: الإقبال شديد، وخاصّةً طلّاب الموسيقى، أو الّذين يقدّمون فنونهم الطّربيّة والغنائيّة، ولاحظت أنّ هؤلاء المغنّين اعتادوا على طريقة خاطئة بالغناء، وامتازت أصواتهم بالنّشاز ولم ينتبهوا إلى ذلك. لأنّهم يغنّون بطريقة تُرهق أصواتهم، ويتناولون مختلف الحبوب والسّكاكر والحلويات وغيرها لكي يجلو صوتهم، ولكن حقيقة إرهاقهم لا تكمن بالحنجرة لوحدها بل بطريقة غنائهم، وطريقة استخدامهم للأوتار الصّوتيّة وللأنفاس والرّئتين.
ما هي أهم العوامل الّتي تؤثّر على الصّوت، والّتي تحرصين على تلافيها أثناء التّدريب؟
مصالحة: هناك عدد من الإرشادات والتّوجيهات والنّصائح الّتي أقدّمها للمغنّين والمتدرّبين على تطوير أصواتهم، مثل الابتعاد عن التّدخين وعدم الجلوس إلى جانب المدّخنين، فالتّدخين مُضرّ بصورة شديدة للرّئتين وللصّوت. ثم تعاطي الكحول والمُسكرات فهذه تؤثّر سلبًا وبصورة مباشرة على الأوتار الصّوتيّة، لأنّها تجعل الأوتار تنتفخ ولا تقوم بوظيفتها بالشّكل الصّحيح والسّليم، كما تؤدّي إلى الاسترخاء والذّبول.
من خلال التّدريبات، هل اكتشفت خامات صوتيّة جيّدة لطلّابك؟
مصالحة: طبعًا، والخامات كثيرة؛ فيتعلّم عندي طلّاب بانتظارهم مستقبل باهر في مجال الغناء والأداء الصّوتي، أمثال: رلى حكيم، ماريا جبران، زياد جبارين، كريستين صايغ، وغيرهم.. ولن نذهب بعيدًا، فإنّ الصّديق الفنّان الحيفاويّ تشارلي خوري يتمتّع بصوت رائع. وعندما جاء إليّ للتّدريب أُعجبت إعجابًا شديدًا بصوته، فهو مولود مع خامة مُذهلة، وبعد تدريب دام عامين قلت له: من الخسارة أن أتمتّع لوحدي بهذا الصّوت الجميل، لا بد وأن تظهر على المسرح في أمسيّة غنائيّة لكي يستمتع الجمهور كلّه بهذا الصّوت الرائع. ولذا بدأنا بالتّدريب على الغناء، بالإضافة إلى التّراتيل الكنسيّة الّتي آلت في نهاية الأمر إلى إقامة أمسيّة خاصّة به. وقد أُصبت في تخميني ومراهنتي على صوت تشارلي، وجدير بالجمهور أن يستمع إليه ويستمتع به، فأحبّه هذا الجمهور الّذي ملأ القاعة في «بيت الكرمة»، وأبدى إعجابه بغنائه وحسن أدائه، وصفّق الجميع له طويلًا. وشمل التّدريب الأوتار الصّوتيّة وتحريرها، التّقنيّات الغنائيّة، مخارج الحروف، فتغلّب على رهبة الظهور أمام الجمهور، وهي وقفة يرتبك فيها أيّ شخص بظهوره لأوّل مرّة على المسرح.
بين التّرنيم البيزنطيّ بألحانه المختلفة، وبين الغناء الكلاسيكيّ، هل من علاقة تربطهما؟
مصالحة: بطبيعة الحال نجد التّشابه والتّقارب بين الألحان البيزنطيّة والموسيقى والغناء الكلاسيكيّ، ولكن تفصل بينهما مسألة السلّم الموسيقيّ. وفي النّمطين ينبغي على المغنّي أو المرنّم أن يتمتّع بنقاء الصّوت وعذوبة الأداء، لا أن تشوبه شائبة النّشاز أو عدم الإتقان. فالألحان الكلاسيكيّة أكثر بساطة، وأقلّ تعقيدًا من الألحان البيزنطيّة.
هل تعدّين لعرض فني خاص بك؟
مصالحة: بدون شك، فإنّي أعمل الآن على إعداد حفلة غنائيّة بمثابة الكونسيرت، ومن المتوقّع أن تصبح جاهزة وتخرج إلى النّور نحو شهر حَزيران القادم. ويتضمّن هذا العرض العديد من المواضيع الروحيّة، لأنّه يدور في محورين هامين في حياة الإنسان، ألا وهما: الحياة والموت. وقد استعنت بأشهر القصائد العربيّة الّتي وضعها كبار الشّعراء، إلى جانب عدد من الأحاديث النبويّة الشّريفة الّتي تطرَّقت إلى الحياة والموت. وسيقوم الموسيقي الإسرائيلي نوعم سيڤان بتلحين هذا العرض قريبًا، وسنبدأ بتقديمه للجمهور في تل أبيب ثمّ سيجول في أنحاء البلاد.




