في الذكرى الـ38 ليوم الأرض الخالد، جمّال لصحيفة وموقع «حيفا»:

مراسل حيفا نت | 30/03/2014
 

مطانس فرح

يُصادف اليوم ، الثّلاثون من آذار، الذكرى الـ38 ليوم الأرض الخالد.. ذكرى لأحداث تعود بنا إلى آذار العام 1976، بعد أن قامت السّلطات الإسرائيليّة بمصادرة ألوف دونمات الأراضي من أصحابها العرب الفِلَسطينيّين، وخصوصًا في مِنطقة الجليل؛ ما أثار غضب السكّان وسخطهم، فتحدّوا السّلطات الإسرائيليّة وأعلنوا الإضراب العامّ، وانتفضوا موحَّدين، أوّل مرّة بعد النّكبة، ضدّ قراراتها، وخرجوا بمظاهرات عارمة في مدن وقرًى عديدة؛ فجاءَهم الردّ الإسرائيليّ شديدًا؛ بدخول قوّات معزّزة من الجيش مدعّمة بالدبّابات والمجنزرات إلى داخل البلدات والقرى، موقعةً شهداء وجرحى بين صفوف المدنيّين العزّل.

صادرت السّلطات الإسرائيليّة ألوف الدونمات من الأراضي في عدد من قرى الجليل، ومثلّث يوم الأرض: عرّابة وسخنين ودير حنّا، في نطاق مخطّط تهويد الجليل.. لذا قام فِلَسطينيّو البلاد بإعلان الإضراب العامّ والتظاهر في المدن والقرى، فتصدّت لهم قوّات الجيش والشرطة، فكانت حصيلة الصدامات 6 شهداء (خير ياسين – عرّابة، رجا أبو ريّا – سخنين، خضر خلايلة – سخنين، خديجة شواهنة – سخنين، رأفت الزهيري – عين شمس، حسن طه – كفركنّا)؛ حيث ارتفع 4 منهم برصاص الجيش الإسرائيليّ واثنان برصاص شرطة إسرائيل.

يشكّل يوم الأرض بصمةً بارزة في تاريخ نضال الشّعب الفِلَسطينيّ، حيث أعلن فيه الفِلَسطينيّون تمسّكهم بأرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم، وتشبّثهم بقوميّتهم وهُويّتهم الوطنيّة، وتأكيدهم على أنّهم باقون، رغم التّخويف والتّرهيب، والقمع والتّنكيل، والقتل وتضييق الخناق، والتّمييز العنصريّ واغتصاب الأراضي ومصادرتها.. للدّفاع عن أرضهم ووطنهم وبقائهم.

وحتّى يومنا هذا، لا تزال سياسة مصادرة الأراضي تلاحقنا من أقصى البلاد إلى أدناها، وتزيد السّلطات الحكوميّة من إحكام طوقها لتضييق الخناق، عدا اشتراع القوانين العنصريّة، إضافةً إلى المخطّطات المختلفة الهادفة إلى نزع شرعيّة وجودنا فوق أرضنا وفي وطننا.

هذا وكانت لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربيّة، قد أعلنت، في اجتماعها الأخير في مدينة سخنين، الإضراب العامّ يوم الأحد، الـ30 من آذار الجاري، في الذّكرى الـ38 ليوم الأرض؛ حيث شارك في الاجتماع رئيس لجنة المتابعة العليا محمّد زيدان، رئيس الحركة الإسلاميّة الشّيخ رائد صلاح، نائب رئيس الحركة الإسلاميّة الشّيخ كمال خطيب، أعضاء الكنيست: محمّد بركة (الجبهة)، د. جمال زحالقة (التجمّع)، مسعود غنايم (القائمة العربيّة الموحّدة)، رئيس اللّجنة العربيّة القطريّة مازن غنايم، وآخرون.

وقد تقرّر في الاجتماع إعلان إضراب شامل وعامّ يوم الأحد، وبدء العمل على إنجاح الإضراب العامّ ليكون ردًّا على سياسة تضييق الخناق على الأقلّيّة العربيّة. كما تقرّر تنظيم مظاهرة ونشاطات مركَزيّة في عرّابة البطّوف، إضافة إلى نشاطين مسبّقين مركَزيّين في النّقْب والرميّة.

وقد استنكرت لجنة المتابعة محاولة السّلطة تفتيت شعبنا وجماهيرنا من خلال سياسة التّمييز ومشاريع التّجنيد، داعيةً إلى التّصدّي لهذه السياسات، وتبنّي اقتراح عقد مؤتمر عامّ للجماهير العربيّة ضدّ التّجنيد، سيحدّد موعده، لاحقًا.

وكما عوّدتكم صحيفة «حيفا» في كلّ عام، إجراء لقاء خاصّ لمناسبة ذكرى يوم الأرض، ارتأينا – في هذا العدد – الحديث مع المحامي الحيفاويّ جول جمّال، العضو القياديّ في الحزب الشّيوعيّ.

– هل لك أن تخبرنا، بدايةً، بما يعني لك يوم الأرض؟

يوم الأرض عبارة عن نقطة فاصلة في تاريخ شعبنا الفِلَسطينيّ، فيه تجرّأ شعبنا على التمرّد ضدّ السّلطة، مُطالبًا إيّاها بحقوقه، حانقًا على سياسة الاضّطهاد والتّمييز القوميّ، وعلى رأسها سياسة سلب الأراضي العربيّة ومصادرتها. وهو يمثّل تغلّب الجماهير العربيّة الجماعيّ على هاجس الخوف من مجابهة السّلطة والتّصدّي لها ولسياستها ولآليّاتها القمعيّة على مرّ السّنين. وهذا يؤكّد أنّ الحقوق تؤخذ ضمن نضال متواصل ضدّ السّلطة المعادية لا عن طريق استجدائها! ومن هنا يأتي واجب التّمسّك بحقوقنا والتّشبّث بأرضنا وضمان بقائنا في وطننا والعيش فيه بكرامة. كما يمثّل نقطة الوَحدة الكفاحيّة الحقيقيّة لجماهير شعبنا، المتمسّك بحقوقه الفِلَسطينيّة وبنضاله العادل لتحقيقها.. ونحن مستمرّون على درب نضال يوم الأرض.

– كيف شكّل يوم الأرض نقطة تحوّل في صراعنا الفِلَسطينيّ – الإسرائيليّ؟

لقد كان النّضال مثالًا مشرّفًا يُحتذى به. اِستطاعت الأقلّيّة العربيّة الفِلَسطينيّة، المجرّدة من السّلاح، المتمسّكة بحقوقها، أن تجابه سلطة ظالمة، ودولة معتدّية عربيدة، وتفرض عليها التّراجع. لقد استطاعت هذه الأقلّيّة أن تدمغ بصمتها في تاريخ نضال شعبنا وتسطّر إنجازات بطوليّة مشرّفة؛ فلهذا النّضال كان الأثر الكبير الّذي انعكس، بشكل خاصّ وبقوّة، على نضال الشّعب العربيّ الفِلَسطينيّ لاحقًا، وساهم في تصعيد نضاله وتعزيز معنويّاته وإرادته الكفاحيّة والسّياسيّة؛ كما انعكس على الأمّة العربيّة وأحرار هذا العالم بشكل عامّ. وها نحن نرى، اليوم – بالإضافة إلى شعبنا المناضل البطل – العديد من القوى الوطنيّة والتقدّميّة والتحرّريّة في الدّول العربيّة؛ لقد بات العالم يحتفي بذكرى يوم الأرض الخالد.

– وهل كان هناك دور خاصّ لمدينة حيفا وسكّانها في يوم الأرض؟

لحيفا دورها الدّائم والهامّ والمميّز في تاريخ نضالات جماهيرنا العربيّة، وقد كان لها دور بارز في يوم الأرض، أيضًا. لقد أخذت حيفا دورًا هامّـًا في إقرار الإضراب العامّ والتّشبّث به لهدف إنجاحه، رغم مطالبة المتعاونين والمنتفعين بإلغائه! كان الصّراع في مدينة حيفا شديدًا بين الوطنيّين والشّرفاء الأحرار، وبين السّلطة وأذرعها الأمنيّة وعملائها. لقد امتدّ هذا الصّراع فترة طويلة، ما قبل الإضراب وخلاله ثمّ بعده. وفي المحصّلة، نجح الإضراب في حيفا، واستطاع سكّان حيفا الشّرفاء أن يفرضوا إرادتهم، رغم أنف السّلطة وشرطتها وحرس حدودها ومتعاونيها، الّذين حاولوا بكلّ ما أوتُوا من قوّة إفشال إضراب يوم الأرض. أذكر أنّ مدارسنا أغلقت أبوابها، والغالبيّة السّاحقة من طلّابنا لم تذهب إلى المعاهد العليا. كما أغلقت غالبيّة المصالح التّجاريّة والدّكاكين في الأحياء العربيّة أبوابها، وقد أضرب عن العمل – في هذا اليوم – عدد كبير من العمّال والموظّفين.

– من المعلوم للجميع أنّ للحزب الشّيوعيّ وقياداته كان دور هامّ في نضالات يوم الأرض..

صحيح؛ كما تعلم، فإنّ الحزب الشّيوعيّ كان القائد الحقيقيّ ليوم الأرض. وباعتقادي، لو لم يكن موجودًا على السّاحة لما كان وجود ليوم الأرض! إنّ الحزب الشّيوعيّ تصدّر نضالات شعبنا وقادها عبر السّنين، تلك النّضالات الّتي هيّأت ليوم الأرض. حزبنا الشّيوعيّ هو صانع الوَحدة الكفاحيّة ليوم الأرض؛ لولا وجوده لما كانت هناك لجنة دفاع عن الأراضي العربيّة، ولا إضراب ناجح ولا قرارات هامّة.. كان للحزب الشّيوعيّ دور هامّ ورئيس في إنجاح نضال وإضراب يوم الأرض، وكان لصِحافته وفروعه وتنظيماته وشبيبته أدوار رياديّة لتوعية وتعبئة الجماهير وحثّها على الإضراب والتمسّك بالأرض والتشبّث بالقضيّة والمطالبة بحقوقنا المشروعة. لقد دأب الحزب الشّيوعيّ في حيفا – إلى جانب الشّبيبة الشّيوعيّة وأصدقائهما – على إنجاح الإضراب وتسطير تاريخ جديد. هم مَن عملوا بشكل منظّم ومكثّف في الأحياء والمؤسّسات التّربويّة، على التّوعية وتعزيز روح الوطنيّة والنّضال في نفوس أبناء شعبنا، وضرورة التّصدّي لمخطّطات السّلطة بدون خوف أو تردّد، لأنّنا أصحاب حقّ ولأنّنا أصحاب هذه الأرض.

لقد كانت المعتقلات تعجّ بالرّفاق الشّيوعيّين والشّرفاء والأحرار، ولقد كان مقرّنا في «بستان الشّيوعيّة» مُحاصرًا من قبل أجهزة الأمن وحرس الحدود. إنّ الحزب الشّيوعيّ تحدّى السّلطة وأجهزة الأمن والمخابرات، ورسّخ في نفوس أبناء شعبنا ضرورة الإضراب والتّحدّي، وعدم الخضوع والخنوع لتهديدات وابتزازات السّلطة وأذرعها المختلفة.

– وما هو الدّور الّذي لعبه جول جمّال في هذا النّضال؟

دوري هو من دور الشّبيبة الشّيوعيّة في حيفا؛ ودورها – كما ذكرت، آنفًا – كان بارزًا وفعّالًا ومؤثّرًا وناجعًا. كنت – وقتئذٍ – عضوًا نشيطًا في الشّبيبة الشّيوعيّة، الّتي كانت رائدة وطلائعيّة ضمن نشاطاتها المكثّفة لهدف إنجاح نضال وإضراب يوم الأرض. أذكر جيّدًا أنّه تمّ اعتقالي قبل عشرة أيّام تقريبًا من إضراب يوم الأرض، من قبل الشّرطة، لبضعة أيّام، حينما كنت برفقة بعض الرفاق نوزّع المناشير، الّتي تطالب بإنجاح إضراب يوم الأرض، على طلّاب مدرسة «راهبات النّاصرة». وفي يوم الأرض نفسه عادت الشّرطة واعتقلتني في ساعات الصّباح الباكر، كما اعتقلت بعض الرفاق على مقربة من مدرسة «راهبات الكرمليت»، عندما كنّا نقنع بعض الطلّاب بضرورة احترام الإضراب. في تلك الفترة كنت رئيسًا للجنة الطلّاب في الكلّيّة الأرثوذكسيّة العربيّة، وبمساعدة باقي الرّفاق استطعنا إنجاح الإضراب في الكلّيّة.

– ما هي تداعيات يوم الأرض – باعتقادك – على أيّامنا هذه؟

يوم الأرض مأثرة من مآثر شعبنا المميّزة والمفصليّة. جماهيرنا ما بعد يوم الأرض تختلف عمّا كانت عليه قبله. بعد النّكبة كنّا مفتّتين ومشتّتين، شعبًا ضعيفًا نفسيّته مهزومة، هُجّر أهله وسُلبت أراضيه، فكان من السّهل على السّلطة وأعوانها أن «تسرح وتمرح» فيه. ولكنّنا بعد يوم الأرض، أثبتنا أنّنا أقلّيّة قوميّة متّحدة ومتحدّية، عزّتها وكرامتها تناطح السّحاب، متمسّكة بحقوقها المدنيّة والقوميّة، ومتشبّثة بحقوق شعبها العربيّ الفِلَسطينيّ. ومن الواضح أنّ هذا الأمر لم يرُق للسّلطة، وقد عملتْ – منذئذٍ – وتعمل على ضرب القوى الوطنيّة وإجهاض الوَحدة الوطنيّة الكفاحيّة لجماهيرنا. وقد أفلحت – من خلال مطاياها وقوًى سياسيّة يمينيّة ورجعيّة – في دقّ أسافين الطّائفيّة بيننا، وضرب الوَحدة الوطنيّة والكفاحيّة لجماهيرنا العربيّة. وقد جاء العدوان الهمجيّ والدمويّ على سورية، وقبلها على ليبيا، ليفضح ويعرّي هذه القوى بالكامل، ويظهرها على حقيقتها، كجزء من منظومة التّآمر الإمبرياليّ، الصِّهيونيّ الرجعيّ على أمّتنا العربيّة.

– كلمة أخيرة..

رغم محاولات السّلطة وأعوانها تزييف تاريخ يوم الأرض وتحريف معانيه والتّقليل من أهمّيّته ورسالته، سيبقى هذا اليوم مرشدًا للوَحدة الكفاحيّة لجماهيرنا، ودرسًا للتمسّك بحقوقنا المشروعة وطريق تحصيلها.

يوم الأرض صنعته جماهيرنا العربيّة حينما كان لديها حزب واحد فقط، ألا وهو الحزب الشيوعيّ، حزب له مواقفه ونهجه الوطنيّ التّقدّميّ، وقد استطاع – في يوم الأرض – أن يوحّد الجماهير للكفاح معًا. لذا فالوَحدة الكفاحيّة لجماهيرنا ليست مرهونة بوَحدة الأحزاب، بل بوَحدة قواها الوطنيّة التّقدّميّة، وإنّ النّهج الوطنيّ التّقدّميّ هو الطّريق الصّحيح نحو تحصيل حقوقنا على نهج يوم الأرض.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *