التسامح ونبذ العنف، بقلم: الشيخ رشاد ابو الهيجا

مراسل حيفا نت | 09/12/2013
أخي القارئ أقدم لك هذه المادة في اسبوع التسامح ونبذ العنف في الوسط العربي الذي أعلنت عنه الدائرة الاسلامية مساهمة منها للحد من انتشار ظاهرة العنف وعدم التسامح التي تؤشر على سوء النتائج التي تترك آثارها السلبية في مجتمعنا العربي بأشكالها المختلفة مثل العنف الكلامي والعنف الأسري والعنف المدرسي والعنف الفكري والعنف الطائفي والعنف الاعلامي والعنف ضد الأطفال والعنف ضد النساء والعنف في الطرقات وغيرها وان دل هذا على شيء فانما يدل على فشل منظومة التربية والتعليم مما جعل سوء التصرف هو الطابع الواضح لكثير من الناس ومن أجل انشاء مجتمع سليم كان النبي يحث على حسن الخلق.
 
فقد سئل ما أكثر ما يدخل الجنة قال (تقوى الله وحسن الخلق ) فالأخلاق الحسنة هي التي ترتقي بصاحبها ومن أهم هذه الأخلاق التسامح ونبذ العنف لان المتسامح فضله كبير على نفسه وعلى أهله ومجتمعه حيث يوفر لهم الأمان وقد قال رسول الله ( اذا جمع الله الخلائق ناد مناد أين أهل الفضل فيقوم ناس وهم يسير فينطلقون سراعا الى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون : انا نراكم سراعا الى الجنة فمن انتم ؟ فيقولون : نحن أهل الفضل فيقولون وما فضلكم ؟
 
فيقولون : كنا اذا ظلمنا صبرنا واذا أسيء الينا حلمنا فيقال لهم : أدخلوا الجنة فنعم أجر العاملين ) أرأيت أخي القارئ من هم أهل الفضل ؟ انهم الذين يحلمون على اخوانهم ويصبرون على أذاهم لا من ضعف ولا هوان ولكن من باب طلبهم لرضى رب العالمين فالتسامح ميزة لأهل الجنة وهم يدبون على الأرض قال تعالى ( خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين ) وقال ( لا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم ) ومعنى هذه الآية انه لا يستوي الظلم والغضب والتعدي مع العفو والتسامح وحتى تتفضل على هؤلاء وترتقي في ميزان الله وميزان الخلق ويعلوا شأنك في الدارين الدنيا والآخرة فلا بد أن تدفع سيئة الناس اليك بالاحسان اليهم فلا تقابل السيئة بمثلها ولكن تقابلها بالكلمة الطيبة والسلوك الحسن المعبر عن نفس طيبة تسامح وتعفو مما سيحول الاعداء الى أصدقاء وأحباب وان كان هذا السلوك يصعب على النفوس ولكن الصابر يرتقي الى هذه الدرجة ويكون له حظ عظيم عند رب العالمين
 
أخي القارئ التسامح بين العباد أمر ضروري وبه تسمو أخلاق وعقول الناس فوق سفاسف الأمور فتتزكى نفوسهم بما ينفعها . وان شدة الغضب وعدم المسامحة وسوء الطبع انما يدل على خفة عقل صاحبه وقلة دينه وغلبة جهله عليه ومما لا يخفى علينا أن المجتمع متنوع الطباع فكل وفق طبعه يسير ولو اندفع اليك أحدهم بالسيئة فادفع سيئته عنك بالحسنة لتمحو بذلك آثار سيئته وتتمكن من استيعاب هؤلاء الناس ليساهموا معك في نشر التسامح وأما الاصرار على المواقف ورد السيئة بمثلها فلا يمكن أن يأتي بخير وأعلم أن التسامح والعفو يدلان على قوة الشخصية والثقة بالنفس
 
والا ماذا يعني لنا أعجاب المرء بنفسه الذي يمنعه من قبول رأي الأخر وان كان محقا ويصر على أن  يتنازل الآخر عن فكره أو موقفه ومنهاج حياته حتى يلتقي معه والا ينصب له العداوة والبغضاء وقد اتصفت علاقته باخوانه بكثرة الجدال مع سوء العبارات تاركا الحوار البناء متجاهلا أن النفوس تصفو بالتسامح وقد حثت النصوص الدينية على ضرورة العفو والتسامح لتؤكد هذا المعنى( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) وقال ( أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )
 
وقال الرسول ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) وقال ( ليس الشديد بالصرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) وكان الرسول قدوة لنا في كل خير يروى انه كان قد استظل في ظل شجرة ونام فتسلل اليه أحد الكفار ثم اخذ سيف الرسول الذي علقه على الشجرة ثم أيقظ النبي وقال (يا محمد من يمنعك مني) فقال الرسول بهدوء ( الله ) فارتجف الرجل خائفا ثم سقط السيف من يده فأخذه النبي وقال له (من يمنعك ني الآن فقال يا محمد كن خير آخذ) فعفى عنه الرسول وعلى هذا الطريق سار أصحابه فهذا ابن مسعود يخرج لشراء بعض الطعام فلما أراد أن يدفع وجد دراهمه قد سرقت فاخذ الناس يدعون على السارق
فقال ابن مسعود ( اللهم ان كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها وان كان حملته جرأته على الذنب فاجعله أخر ذنوبه ) أخي القارئ هكذا يكون التسامح والعفو عند المقدرة ونبذ العنف الذي شرره يحرق الجميع من أبناء مجتمعنا وحتى نبعد شبح العنف عنا لا بد نتبع هذا المنهج ابتداءا من الأسرة لان الأسرة العنيفة تولد لنا جيل عنيف والعكس هو الصحيح اذا اتصف الأهل بالتسامح والمحبة فلا بد أن ينعكس الأمر على الذرية مع أن المسؤولية لا تقع على عاتق الأسرة فقط انما هي مسؤولية الجميع فلا بد ان تعمل المؤسسات والجمعيات على ايجاد مجال للحوار البناء والقاء الضوء على أهمية التسامح ونبذ العنف من خلال طرح برامج تربوية ثقافية يشارك فيها الجميع لتتشكل المعرفة في أساليب ألتفكير والتخطيط السليم والحوار المستمر والعمل المنهجي لمواجهة ظاهرة العنف ونشر ثقافة التسامح
 
قال تعالى ( من عفا وأصلح فأجره على الله انه لا يحب الظالمين )
 
قال الامام الشافعي ( لما عفوت ولم أحقد على أحد      أرحت نفسي من هم العداوات
 
                         اني أحيي عدوي حين رؤيته       لأدفع الشر عني بالتحيات
 
                        وأظهر البشر للانسان أبغضه        كأنه قد ملا قلبي محبات   
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *