سجائرنا وسيجارهم – الصحفي رجا زعاترة – حيفا

مراسل حيفا نت | 29/05/2009

 

يبلغ عدد المدخنين في إسرائيل على ذمة وزارة صحتها 23% من المواطنين البالغين، أي نحو مليون إنسان وإنسانة. وإذا ما استثنينا الفقر والبطالة والتسرّب من المدارس واللجان المعيّنة والزواج المبكّر ووفيات الأطفال وإصابات الأولاد المنزلية والملفات الجنائية والمفرقعات النارية وحفلات التخرّج والاعتداءات الجنسية داخل العائلة، سنجد أنّ التدخين هو أحد المضامير النادرة التي يتفوّق فيها العرب على اليهود في هذه البلاد. إذ يدخن بالمعدّل واحد من بين كل ذكرين عربيين، وواحدة من كل عشر إناث عربيات، أي أنّ للذكر مثل نيكوتين إناثٍ خمس. أما أبناء عمّنا فما زالت قوامتهم على بنات عمّنا قائمة، لكن بفارق طفيف.

ويحرق كل مدخّن في إسرائيل بالمعدّل علبة سجائر واحدة يوميًا. وبحساب بسيط، ففي الشهر الذي مضى منذ رفع الحكومة أسعار كل أنواع السجائر بشاقلين جديدين، أغنى المدخنون خزينة الدولة بستين مليون شاقل. في السنة يصبح هذا المبلغ 720 مليون شاقل. وبالمجمل تسحب الدولة 4 مليار شاقل سنويًا (يشمل الغلاء الأخير) من جيوب المدخنين، وبضعة ملايين من المستوردين.

 

للتوضيح، تبلغ ميزانية بلدية الناصرة مثلا حوالي 230 مليون شاقل سنويًا، أي أن الزيادة الأخيرة من رفع أسعار السجائر يمكنها أن تكفي أكبر مدينة عربية في البلاد، على مدارسها وعامليها وشوارعها وحدائقها (ومدرّجها الجديد؛ أوّل أمكي-ثياتر في العالم) ثلاث سنوات مُبحبحات. ولكن، وبما أنّ حكّام إسرائيل، وبعكس ما يعتقد بعض القاوقجيين الجدد، لا يفكرون في مصلحة الناصرة أو رهط أو أم الفحم، فسيكون في إمكانهم بهذه الملايين الـ720 شراء أربع طائرات طراز إف 35 "جديدة طخ" وكمشة محترمة من القنابل العنقودية والفسفورية، أو بناء حي جديد في إحدى الكتل الاستيطانية، أو تخفيض الضرائب الباهظة المفروضة على الشركات بنسبة مئوية واحدة، أو زيادة التسهيلات الضريبة لكبار الرأسماليين هذه السنة من 39,2 مليار شاقل إلى 39,92 مليارًا.

ولو سلـَّمنا فرضًا بأنّ الطبقة الفاحشة الغنى الإسرائيلية تسهم بحصتها في عبء التبغ العام، وقلنا بوجود ألف منهم يستهلكون أفخر أنواع السيجار النيكارغوي أو الكوبي، بمعدّل تكلفة 200 شاقل للسيجار الواحد ومعدّل استهلاك 90 سيجارًا في الشهر (ثلاثة يوميًا)، وسلـَّمنا بأنّ الغلاء الأخير يكلف حفنة الأغنياء تلك 20 شاقلا للسيجار الواحد (10% – أي أقل من نسبة غلاء السجائر)؛ فهذا يعني أنهم أغنوا خزينة شتاينيتس ونتنياهو هذا الشهر بأقل من مليونيّ شاقل!

ويعكس هذا بشكل أو بآخر صورة التعاطي الإسرائيلي مع الأزمة الـ(رأس)ـمالية: الفقراء يدفعون الثمن صاغرين، والتياكنة (جمع "تيكون") يتبكبكون على كتف الحكومة الرءُوم.

عمومًا، النظام الرأسمالي مبني على قاعدة تقول إنه كلما كان رأسمالك أكبر، تصبح الأشياء أرخص. لنأخذ على سبيل المثال شيري أريسون (صاحبة "بنك العمّال"، على سبيل المفارقة)، أليس لديها هاتف محمول؟ حين تهاتف الرفيقة شيري أحدًا وتطول المحادثة ثلاث دقائق مثلا، فإنها بالتأكيد تكلفها أقل بكثير من محادثة ثلاث دقائق يجريها عامل بناء عربي أو عاملة نظافة روسية أو أي برجوازي وضيع عربي أو يهودي.

وحين يسافر يتسحاك تشوفا أو ليف ليفاييف أو الأخوان عوفير في سياراتهم الفارهة لإبرام صفقة غاز أو شراء أرض عربية منهوبة أو حي شعبي مضرّج بالفقر وما شابه من أنشطتهم اليومية، فإنّ لتر الوقود يكلفهم بالتأكيد أقل مما يكلفنا نحن، حتى بالتعبئة الذاتية.

فنحن، مدخني الغولواز والبارلمنت والمارلبورو والكمِل والنكست والوول ستريت والنوبلس وحتى الدافيدوف والروثامنز العريض، نحن، الذين نكتشف مرةً تلو المرّة أن الشواقل الخمسين تساوي أقلا فأقل من البنزين، نحن من يموّل هذا النظام. ونحن الذين ندفع ثمن كل "كولونيالسٍ" كوبيّ يقبض عليه أي "وزير اقتصاد استراتيجي" وأي "تيْكون" جشع في قصور هرتسليا.

فيا مدخني العالم.. صلوا على فيليب موريس، وأشعِلوا سيجارة، واتحدوا!

كلام الصورة:

فقط دولة مثل كوبا يكون السيجار في متناول جميع مواطنيها!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *