لحظة.. كل شيء ممنوع ! بقلم : وصفي عبدالغني

مراسل حيفا نت | 28/05/2009

 

قالوا في الامثال ان كل ممنوع مرغوب، فكيف اذا كانت قائمة الممنوعات طويلة لا تنتهي.ان العربي الذي يعيش في بلاده ولم يأتها كقادم جديد لم يعد بقادرعلى ان يحصي قائمة الممنوعات التي يتوجب عليه التصرف حسبها. فهو اليوم احوج ما يكون لان يرافقه احد ما، يحمل له قائمة الممنوعات ويتلوها عليه في كل لحظة.

وكان اول الممنوعات في البدايات الاولى على العربي هو منع التجول، فكان مفروضا عليه التواجد في المنطقة التي يعيش فيها، لا يستطيع ان يغادرها الى منطقة اخرى داخل البلاد الا بتصريح خاص من الحاكم العسكري. اما الامر الثاني فكان منع التدخين، ولا اقصد هنا التدخين بالاماكن العامة، لانه ممنوع على الجميع، بل كان ممنوع على العربي التدخين من نبات التبغ الذي كان يزرعه هو في ارضه، فكان يتوجب عليه بيع التبغ لشركة " دوبك " ويشتري منها علب السجائر ان هو اراد التدخين. هكذا كانت البدايات في اوائل الخمسينيات من القرن الماضي.

ثم مع تقدم الزمن ولمواكبة تطور العصر كان لا بد من ان تتطور قائمة الممنوعات  هي الاخرى، فمنع العربي على سبيل المثال، من العمل بشركة الكهرباء،وكان المبرر لذلك المنع هو الشأن الامني، بطبيعة الحال " فحيثما يتواجد العربي يفقد الامن " كذلك منع العربي من العمل في الميناء وفي المطار والقطارات والحافلات والسفن والطائرات المدنية وشركة الهواتف والمكاتب الحكومية، ورويدا رويدا اصبحت قائمة الممنوعات تشمل معظم المؤسسات والمرافق العامة.

لكن بالمقابل سمح للعربي العمل، وعلى سبيل المثال لا الحصر، في شركة " سوليل بونيه " وهي شركة حكومية للانشاء والتعمير. فتزاحم العرب في الطوابير الطويلة امام مكاتب الشركة، من اجل الحصول على عمل. فعملوا لسنوات طويلة في تعبيد الشوارع وبناء البنايات الجديدة لاستيعاب القادمين الجدد من المغرب وغيرها. حتى تم استبدالهم في مرحلة لاحقة بالعمال الاجانب، من رومانيا وتركيا والفلبين وغيرها.

اما في السياسة والعمل السياسي، فكان على العربي ان اراد التطرق لهذا الشأن، ان يعمل ضمن اطر معروفة ومتفق عليها، وكانت قائمة الممنوعات والخطوط الحمر هنا ايضا لا تفسح له المجال للقيام بعمله واداء واجبه كبقية العاملين في هذا المجال. 

فقامت الكنيست بسن قانون يمنع اعلان التأييد لحقوق الشعب الفلسطيني، او الاجتماع مع احد اعضاء منظمة التحرير، الامر الذي لم يمنع رئيس الحكومة اسحاق رابين من الاعتراف بها فيما بعد.

وهكذا كانت لكل حقبة قائمة ممنوعاتها التي كانت تواكب تطورات تلك الحقبة، الى ان كان يومنا هذا. حتى بدأت تتكون فيه قائمة ممنوعات جديده تتمشى مع متطلبات المرحلة الجديدة.فبدأت الجامعات بمنع قبول الطلاب العرب في اغلب الكليات، لمن هم دون السن الواحد والعشرين. حتى ان كلية الكرمل الاكاديمية ذهبت الى ابعد من ذلك بكثير، حيث قامت قبل ايام بالغاء مسار لتعليم ادارة الحسابات ذلك لان الطلاب العرب هم الغالبية الكبرى من بين الطلاب المسجلين للتعلم في هذا المسار حيث بلغ عدد الطلاب اليهود ثلاثة طلاب فقط .

وقبل ايام قامت الكنيست بالبدء بسن قانون جديد يمنع احياء ذكرى يوم النكبة الفلسطينية لان اقامة ذكرى النكبة يعكر صفو الاحتفالات بالاستقلال من ناحية، ويذكّر الاجيال الناشئة بالنكبة والقضية من الناحية الاخرى.

الا ان قانون النكبة لم يكن اخر العهد بالقوانين التي تفرض الممنوعات على العرب،فهناك دائما " الافكار الخلاقة " المبتكرة للقوانين التي يمكن بواسطتها مطاردة العربي، لمنعه من التحرك او الكلام او حتى التفكير. فتم اليوم المصادقة على مشروع قانون جديد، يمنعك من ان تنكر ان الدولة يهودية وديمقراطية، ومن ينكر ذلك جزاءه السجن.

ان اليهود انفسهم لم يتوصلوا حتى يومنا هذا لاتفاق فيما بينهم على تعريف من هو اليهودي، ولا يزال الخلاف بينهم قائما على صيغة القانون المسمى بقانون العودة، لكن في المقابل يريدون فرض الاعتراف بيهودية وديمقراطية الدولة على غيرهم بالقوة. انهم يطلبون من الاخرين الاعتراف بهم، وقد اعترف بهم من اعترف، ورفض من رفض، اما ان نصل الى مرحلة يريدون خلالها ان يمنعوا الاخرين من التفكير وان يفرضوا عليه قناعاتهم، فهذا ان دل على شيء فانما يدل على الافلاس السياسي والفكري والثقافي ويبرز مدى التخبط وعدم الثقة بالنفس.

                     

  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *