في إطار النشاطات الخاصة بعام الأدب الفلسطيني ومحمود درويش، نظّمت الكلية الأورثوذكسية في حيفا ندوةً مع الكاتب محمد علي طه تهدف إلى نقل صور أدبيّة وإنسانيّة عن الراحل محمود درويش، حضرها طلاب صفوف العواشر.
افتُتحت الندوة بكلمة ألقتها معلمة اللغة العربية الأستاذة خلود شاهين، حيث عرّفت بالكاتب محمد علي طه، كاتب القصّة المبدع الذي عايش الألم الفلسطيني. فالكاتب محمد علي طه هو من ميعار الجليليّة التي هدمت وصودرت أراضيها عندما كان طفلا صغيرا فعاش كغيره من الفلسطينيين لاجئا في وطنه، وفي هذا يقول: "سُرقت طفولتي، وأنتم تعرفون أن كل شيء يبدأ من الطفولة". كما تطرقت الأستاذة خلود إلى إبداعات الكاتب في شتى المجالات وإلى الجوائز التي نالها في البلاد والخارج، وهو ما يزال يشارك في العديد من النشاطات الأدبيّة والمؤتمرات وقد تُرجمت قصصه للعديد من اللغات.
الكاتب محمد علي طه كان صديقًا صدوقًا للشاعر محمود درويش ورافقه في مسيرته الحياتيّة. تطّرق طه لحياة درويش كطفل عندما دُمّرت قريته البروة وهُجّر أهلها، ثمّ إلى فترة النعليم حيث كانا على مقاعد الدراسة معًا في مدرسة ينّي الثانوية في كفرياسيف. بعدها تحدّث عن انتقاله للعيش في مدينة حيفا وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، حيث عمل في الصحافة المُقرّبة للحزب الشيوعي الإسرائيلي واحتكّ بشعراء من جيله ونشر أوّل أعماله الشعريّة "في حضرة الغياب".
ثمّ تطرّق إلى سفره لخارج البلاد وإلى موسكو بالتحديد، حيث أمضى سنة دراسيّة هناك، انتقل بعدها للقاهرة ومن هناك إلى بيروت، حيث انضمّ لمنظمة التحرير الفلسطينيّة. في بيروت تطوّرت علاقته بمنظمة التحرير واختاره ياسر عرفات مستشارًا له. في تلك الفترة كان القصف من قبل إسرائيل لبيروت في أشدّه، وخرجت المقاومة لكن درويش بقي. بعد عشرين يوما من بقائه في بيروت تحت القصف تسلّل هربًا إلى باريس، إلى منفى جديد. ومن هناك تنقّل بين القاهرة وتونس حالما دائما بالعودة إلى الوطن.
تحدّث الكاتب محمد عي طه عن حياة درويش العاطفية أيضا. فذكر أنه عندما عاش في حيفا أحبّ فتاة يهودية إسمها إيريت، تلاعب في حروف اسمها في قصيدة "ريتا". تزوّج درويش من رنا قبّاني إبنة أخ الشاعر نزار قباني وهي صحفيّة لامعة ولكن الزواج لم يدم طويلا. تزوّج أيضا من صحفيّة مصرية إسمها حياة. تحدث طه أيضا عن موقف درويش من اتفاقية أوسلو فذكر أنه بعد أن قرأ درويش بنود الاتفاقية اختلف مع ياسر عرفات لأول مرة على المضمون. وعندما تمّ التوقيع على الاتفاقية قدّم درويش استقالته من المجلس الوطني الفلسطيني، مشيرًا إلى أنّ أسباب هذه الاستقالة تعود لكون الاتفاق ليس عادلا ولا يوفّر للفلسطيني الكرامة والهوية الفلسطينية.
عام 1994 عاد درويش إلى فلسطين واختار الإقامة في رام الله، وهناك أحب التقرب من الناس وانتقل إلى عمان أيضا حيث تفرّغ للكتابة. وذكر طه أنه في سنوات الثمانينات كان درويش في فينا وأصابته نوبة قلبيّة، وبعد سنوات أجرى عملية جراحية خطرة في باريس حيث مات خلالها لدقيقة ونصف ثمّ عاد للحياة عبر صدمة كهربائيّة، ومن هناك بدأ يُخاطب الموت في أعماله، فكتب: "هل كان الموت جميلا ومريحا إلى هذا الحد؟ لا ليس هذا موتا. إنه حياة من نوع آخر. إنه نوم معافى. نوم كلي الهناءة".
تطرّق طه في نهاية الندوة إلى النظرة السوداوية للموت عند درويش قبيل نهاية حياته، حيث ذكر الموت في دواوينه الأخيرة، منها "لا تعتذر عما فعلت" (2004)، فذكر:
"فإن الموت يعشق فجأة، مثلي،
وإن الموت، مثلي، لا يحب الانتظار".
وفي ديوانه "كزهر اللوز أو أبعد" (2005) يقول درويش:
"فالموتى سواسية أمام الموت..
لا يتكلمون وربما لا يحلمون…
وقد تكون جنازة الشخص الغريب جنازتي
لكن أمرا إلهيّا ما يؤجلها لأسباب عديدة
من بينها: خطأ في القصيدة!.
تخللت الندوة مقاطع غنائية فأسمعت قصائد مغناة لدرويش مثل "جدارية" و"أحن إلى خبز أمي".
إختتمت الندوة الأستاذة خلود شاهين شاكرة الكاتب محمد علي طه على ما أثرى به، بقولها: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة. وللكلام بقية يا أبا علي، فالحديث ممتع والحديث الدرويشيّ يطول…".