الموسيقار العالميّ سيمون شاهين، في حوار خاصّ لصحيفة "حيفا":
"مصداقيّة العمل والخَلق هما بوصَلتا النّجاح"
* "أبحث عن الرّوابط المشتركة بين التّراثيّات الفنّيّة المختلفة، لأخلق لغة موسيقيّة منسجمة، غير متنافرة" * غدًا السّبت، نحن على موعد مع أمسيّة قد لا تشبه غيرها من الأمسيّات والحفلات الموسيقيّة الرّاقية *
مطانس فرح
(تصوير: وائل عوض)
ليس مفهومًا ضمنًا أن تجلس قُبالة عملاق من عمالقة الموسيقى في عالمنا الحاضر، لتختلس وتسلب من وقته الثّمين وبرامجه الحافلة بضع دقائق، تحاوره فيها عن إبداعه الفنّيّ الأخير "زفير"، وتحضيراته الجادّة والمكثّفة، لأمسيّة موسيقيّة حيفاويّة عالميّة، غدًا السّبت، في قاعة المؤتمرات (مركز الكونچرسيم الدّوليّ)، تحمل الاسم ذاته، وتدمج موسيقى الشّرق والغرب بكلّ انسيابيّة وعذوبة ورقيّ.
جلست مبهورًا أمام سفير فِلَسطين الفنّيّ، الموسيقار العالميّ والمؤلّف والملحّن والعازف المُبدع سيمون شاهين، ابن مدينة ترشيحا الجليليّة.
* زفير *
جاء في قاموس المعاني العربيّة أنّ "الزُّفير" هو إخراج النَّفس بعد مدّة؛ وفي الإنچليزيّة "zephyr" تعني دُبور/هبوب الرّيح الغربيّة أو النّسيم العليل.. وما بين دمج صوت زفير عربيّ شرقيّ ورياح غربيّة، سنشهد، يوم غد السّبت – دون أدنى شكّ – أمسيّة موسيقيّة راقية، رقيقة وعليلة، معطّرة بأطيب الألحان وأعذبها.
– ما سبب اختيار اسم "زفير" عُنوان الأمسيّة؟
"زفير" عُنوان أحدث مقطوعة موسيقيّة ألّفتها ولحّنتها.. أدمج فيها روحَ ونفَسَ الموسيقى الشّمال الإفريقيّة، مع الموسيقى الأندلسيّة، لهدف تأكيد وتوضيح التّرابط الموجود بين حضارات موسيقيّة مختلفة. وهذا التّناغم الموسيقيّ يأخذنا ويسمو بنا إلى فنّ جميل أصيل راقٍ.
– بشكل خلّاق ومُبدع، أجدك تروّض وتطوّع الموسيقى الشّرقيّة لتدمجها في تراثيّات فنيّة مختلفة..
صحيح كلامك.. فرغم الفوارق بين التّراثيّات المختلفة، أبحث دائمًا عن الرّوابط المشتركة بين هذه التّراثيّات، لأدمجها واؤلّف نوبات/فواصل موسيقيّة متحابّة ومتناغمة تنسجم معًا لتحاكي الرّوح.
– على غرار عروضك النّاجحة؛ ما الّذي سيميّز عرض "زفير"؟
أردت بهذا العرض أن أمزج ما بين الموسيقى الأندلسيّة الاسپانيّة، الّتي تحمل أساسًا الطّابع الشّرقي، وموسيقى شمال إفريقيا والمغرب العربيّ، لأخلق لغةً موسيقيّة منسجمةً انسيابيّة وغير متنافرة من خلال تقارب أوجه الشّبه بين التّراثيّات الموسيقيّة المختلفة.
ستشاركني العرض راقصة الفلامنكو العالميّة أوسي فرناندز، على أنغام مقطوعة أعزفها على آلة العود، تحمل اسم "قنطرة"، كنت قد استلهمتها واستقيت اسمها من بلدة صغيرة باسم القنطرة، تبعد مسافةً قليلة عن العاصمة الاسپانيّة، مدريد.
– أنت من روّاد الدّمج الموسيقيّ، فكيف تنجح دائمًا في خلق انسجام عضويّ بين الآلات الموسيقيّة المختلفة؟
ليس من السّهل دمج آلات موسيقيّة مختلفة داخل فرقة واحدة، تحمل لغاتٍ فنيّة مختلفة وأفكارًا لحنيّة ضمن عمل واحدٍ، منسجم ومتوافق ومتناغم وإيقاعيّ، يوحّد ويصهر التّراثيّات المختلفة، ويحافظ في الوقت ذاته على "خصوصيّة" هذه التّراثيّات. يأتي هذا الدّمج تِقنيّـًا ولحنيّـًا وفكريّـًا، لتلمس وتكتشف خلال العرض اللّغة المشتركة بين جميع الآلات الّتي تعزف معًا طوعًا – لا انفراديًّا – لأبنيَ تناغمًا وانسجامًا لحنيًّا وعضويًّا وروحيًّا؛ أخلق من خلاله جانرًا/نوعًا جديدًا في عالم الموسيقى.
– ما هو شعورك وأنت تعرض أمام أبناء شعبك وفي وطنك؟
أدأب دائمًا على تقديم الأفضل والأرقى أينما حللت. عليّ أن أكون صادقًا أوّلًا مع نفسي كي أنجح بتقديم عرض موسيقيّ فنّيّ صادق يصل الجمهور ليحاكيه ويمسّه. أشعر بمسؤوليّة كبيرة قبل أيّ عرض أقدّمه. من الطّبيعي أن يكون شعوري مغايرًا وأنا بين أهلي وأحبّائي ومعارفي وأبناء شعبي، لكنّ المسؤوليّة ذاتها ومصداقيّة العمل وإيجاده هما البوصلة.
– هل تأتيك التّأليفات الموسيقيّة والإبداعات اللّحنيّة، نِتاج تجارب شخصيّة أم أمور مَعيشة أم حاملةً للقضيّة؟
هي خليط ومزيج بين كافّتها. قد أبتكر لحنًا من جرّاء مأساة شعب أو معاناة شخصيّة أو حادثة عابرة أو لمجرّد مزاج أو فكرة راودتني. لقد ابتكرت مقطوعة موسيقيّة بعُنوان "الحائط/الجدار" كانت حصيلة رؤيتي وعبوري إلى جانب جدار الفصل العنصريّ في بيت لحم.
– كيف تقيّم العازفين الشّباب في بلادنا؟
كلّي فخر واعتزاز بهذا الجيل الصّاعد والشّاب من العازفين والموسيقيّين العرب. لدينا طاقات شبابيّة مهولة تضاهي كبار الموسيقيّين والعازفين العالميّين. أشدّ على أياديهم وأثمّن جهودهم وأقدّر مثابرتهم على المُضيّ قُدمًا وسلك طريق فنّيّ راقٍ ومميّز. ألمس لدى بعضهم مستقبلًا فنيّـًا زاهرًا وانطلاقة عالميّة واردة.
– ما هو سرّ ازدواجيّة إتقانك عزف العود والكمنجة؟
ازدواجيّة عزف العود والكمنجة، هي انعكاس لازدواجيّتي في توجّهي الفكريّ. ألحّن الموسيقى العربيّة والموسيقى الغربيّة، وأتعامل مع جمهور غربيّ – أوروبيّ وأمريكيّ، وفي الوقت نفسه أتعامل مع الجمهور العربيّ. هذه الازدواجيّة ملازمة لي ولن تفارقني.
* سفير فنيّ مشرّف *
استطاع سيمون شاهين أن ينقل الموسيقى العربيّة الأصيلة إلى الغرب، بل إلى العالم بأسره؛ محاورًا الآخر من خلال موسيقاه – دون المسَ بها أو الانتقاص منها – بلغة لحنيّة راقية مميّزة ومُدمجة بشكل رائع، وتعرّف لغات موسيقيّة جديدة.. ليكون دائمًا العود صمّامه الأصيل، والكمنجة النّظيرة الماجدة.
ارتقى شاهين بالموسيقى العربيّة عالميّـًا، إلى مصافٍ أولى، ليكون سفيرًا فِلَسطينيّـًا فنيّـًا مُشّرفًا، يحمل من خلالها وطنه وقضيّته.. موسيقى سيمون شاهين تندمج في موسيقى الكون، تُبهر، تُسحر وتحمل النّشوة والنّغم والمسرّة والشّجن، هي الهُويّة ما بين أصالة العود وأوتار الكمنجة. موسيقاه عالميّة، لا أرض لها ولا وطن، لأنّها لغة كلّ الشّعوب.
* روح الشّرق في الأندلس *
الفنّان سيمون شاهين، هذا الّذي غزا وغذّى الغرب والشّرق بموسيقاه، وهزّ مشاعر سامعيه بأوتار عوده ومعلّق قوس كمَنجته، يُبدع كلّ مرّة من جديد ليحرّك أوتار القلوب.
"زفير" هو عرضه الأخير، الّذي تربّع على كبرى المسارح العالميّة، العربيّة منها والغربيّة. عُرض في أوروبّا، في الدّول العربيّة والولايات المتّحدة، وحصد نجاحًا منقطع النّظير، لكونه يدمج الشّرق الممثّل بإبداعه وابتداهه الشّرقيّ على آلَتيّ العود والكمنجة، مع الغرب الممثّل بالفلامنكو برفقة مبدعين إسپان: عازف القيثارة والپيانو العالميّ خوان رودريچز، وراقصة الفلامنكو العالميّة أوسي فرناندز.
عرض شاهين الأخير على خشبة مسرح "المدينة" في العاصمة اللّبنانيّة – بيروت، وعلى مدار ليلتين تكلّل بنجاح باهر لا يوصف. حيث غصّت القاعة بعشّاقه، الّذين عبّروا له عن تقديرهم وفرحتهم لسماعه بالتّصفيق المتلهّب، والمطالبة بتكرار الأغاني والمعزوفات مرةً تلوَ أخرى.
لكلّ مقطوعة من مؤلّفات شاهين مذاق خاصّ واختلاف وتنوّع، تحمل كلّ منها عشرات الجمل القصيرة والسّريعة، وتتميّز بالانتقال بينها بانسيابيّة وسلاسة، ما يشدِه المستمع، ويجعله متعطّشًا للمزيد.
هذه الانتقالات والزّخرفات على آلَتي العود والكمنجة، كما عشقه السّلالم والمقامات الشّرقية، النّابع من إحساسه الشّرقي الأصيل الصّادق، يمكّن شاهين من الحفاظ على الرّوح الشّرقيّة ودمجها بموسيقى الفلامنكو.
ومن اللّافت تحويله مقطوعة "القنطرة" إلى مقطوعة فلامنكو، رغبةً منه في التّذكير والعودة إلى جذور الفلامنكو العربيّة في الأندلس، وتأثّره بالإيقاع الشّرقيّ البيزنطيّ، وبدايات الأغنيّة الأندلسيّة.
أمّا قطعة "زفير" – عُنوان الأمسيّة – فهي من أحدث ما ألّف شاهين نغمًا ولحنًا، يحنّ من خلالها إلى زمن الفنّ الجميل.
ستشارك في العرض، أيضًا، باقة من العازفين العالميّين والمحليّين، إضافةً إلى الفنّانة دلال أبو آمنة، الفنّان ماجد عزّام والفنّان محمّد بدران.
مُحقّقٌ أنّ الموسيقار سيمون شاهين سيلهب الحضور ويدغدغ أحاسيسه ويحرّك أوتار قلوبه، بفضل أسلوبه وبراعته وإيقاعاته، لأنّه يعتبر كليّةً ومرجعًا في علم الموسيقى والألحان والإبداع والعزف.. سأنتظر على أحرّ من الجمر بتلهّف وتوقٍ شديدَيْن أمسيّة قد لا تشبه غيرها من الأمسيّات والحفلات الموسيقيّة الرّاقية.
[foldergallery folder="wp-content/uploads/articles/126079709320161103082412"]



