الميلاد والمولد

مراسل حيفا نت | 23/12/2015

لقد اعتدنا أن نقول: ميلاد المسيح (عليه السّلام) ومولد محمّد (صلى الله عليه وسلّم).. وأيّهما كان فهو موطن فرح وسرور لذكرى مولد شخصين/نبيّين اصطفاهما الله عن باقي خلقه، ليكونا هداة يهديان النّاس إلى الحقّ.

وفي هذا العام لما تزيّنت البلاد استعدادًا لإحياء ذكرى ميلاد المسيح عيسى (عليه السّلام)، هلّ علينا هلال ربيع الأوّل ليحمل لنا ذكرى أخرى، وهي ذكرى مولد الرّسول محمّد (ص).

فمن سنن الله تعالى في هذا الكون أن تدور الأيّام واللّيالي حتّى يلتقى الميلاد والمولد في نفس الفترة الزّمنيّة، ليزداد البهاء والهناء والسّرور.

وما تجتمع هذه الذّكريات إلّا لتؤكّد لنا الرّابطة القويّة الّتي تربط الأنبياء والّتي ثبّتها القرآن الكريم من خلال تبشير المسيح عيسى (عليه السّلام) بمولد الرّسول محمّد (ص)، بقوله: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ * فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) وأحمد اسم من أسماء النّبيّ محمّد.

وكان من أشهر كلام النّبيّ في باب العلاقة بينه وبين الأنبياء قوله "الأنبياء أخوة لأمّهات شتّى، وأنا أولى النّاس بعيسى بن مريم، ليس بيني وبينه نبيّ". رغم أنّنا لا نحيي مناسبة الاحتفال بمولد النّبيّ محمّد كما هو معتاد عند النّصارى من إظهار الزّينة والحفلات، ولكنّنا نؤكّد فرحنا واحتفائنا بمولد الرّسول محمّد (ص) الّذي بعثته أحيا أمّة العرب بشكل خاصّ، ولأنّه بعث برسالة خاتمة للرّسالات.

فقد ضرب لنفسه مثلًا، فقال "إنّ مثَلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأكمله إلّا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل النّاس يطوفون ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللّبنة؟ فقال: أنا اللّبنة، وأنا خاتم النّبيّين".

ولم يأتِ الإسلام لاغيًا للرّسالات الّتي سبقته، إنّما وثّق العلاقة معها من خلال ما جاء به القرآن الّذي قال (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) وقال (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى * أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).

وحتّى يكون التّواصل مع أصحاب الرّسالات، وضع النّبي محمّد (ص) قاعدة للتّفاهم والدّعوة إلى الخير مع هذه الرّسالات. فقال: "أنا جئت بملّة إبراهيم، وهو أبو اليهود والنّصارى والعرب. فأنتم أولاد يعقوب، وأنا ابن إسماعيل، فتعالوا نتحاكم إلى الجدّ الأكبر".. ما أجمل هذا الكلام، وما أحوجنا إلى فهمه في هذه الأيّام. لنبني علاقاتنا على أساس الأخوّة الإنسانيّة الّتي تجمعنا، لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا * إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).

وكان إيمان الرّسول محمّد (ص) كما بيّن القرآن (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ * كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ * وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). ولو تمعّنا آيات القرآن الّتي علّمها الرّسول محمّد (ص) لأتباعه، نجد أنّ القرآن أثنى على الأنبياء بشكل لا مثيل له.

قال عن عيسى (عليه السّلام): (إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

ونجد مثل هذا الثّناء على جميع الأنبياء والمرسلين. ولهذا إذا كنّا نحتفل ونحتفي بالأنبياء بألوان شتّى من مظاهر الفرح والسّرور، فإنّ الأرقى والأفضل والأهم أن نحيي سيرة ومنهاج الأنبياء بيننا. نحييها بالخير والدّعوة إلى فضائل الأعمال وأن تكون لغة الحوار بين أتباع الرّسالات على هذا الأساس.

قال تعالى (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقال (لَا إِكْرَاهَ فِي الِّدِيِنِ). وأقول لأتباع النبيّ محمّد (ص) إن كنّا غير مطالبين بإظهار الزّينة، فعلينا أن نحيي حبّه وحبّ الأنبياء في قلوبنا، ونترجم ما جاء به من رسالته الخالدة إلى واقع عمليّ حتّى نكون على المحجة البيضاء، لا يزيغ عنها إلّا هالك، ونردّد مع الإمام علي:

أقيك بنفسي أيّها المصطفى الّذي       

هدانا به الرّحمن من غمّة الجهل

وأفديك حوبائي وما قدر مهجتي

لمن أنتمي فيه إلى الفرع والأصل

لك الفضل إنّي ما حييت لشاكر

لإتمام ما أوليت يا خاتم الرّسل

وأخيرًا، أتقدّم بأسمى وأحرّ التّهاني للمسلمين وللمسيحيّين بحلول ذكرى ميلاد المسيح عيسى ومولد الرّسول محمّد عليهم (أفضل الصّلوات والسّلام).. أعاد الله علينا هذه الذّكريات والجميع بخير وعافية وآمن وأمان. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *